الجالية السورية في سوريا
الجالية السورية في سوريا
نور الدين بدران
-1-
في هذه المرحلة الدقيقة والعصيبة من تاريخ أمتنا ، أطالب باسم الجالية السورية في سوريا ، بالانسحاب الكامل والفوري من كامل حياتنا:
1 - للذين يسحبون اللقمة من فمنا
- 2 للبيروقراطية وقوانينها ولصوصها المتفانين في خدمة البطالة ونهب العاملين
- 3 للقوانين الإدارية والاقتصادية العصملية وعسسها والتي تنزل بالأجور وترتفع بالأسعار نحو تأبيد مذلتنا وإهانة أطفالنا وشبابنا
- 4 للذين يصادرون حريتنا في التعبير والكلام وتشكيل الجمعيات السياسية والثقافية
- 5 لقانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وملحقاتها والساهرين على سجونها
- 6 لحراس الزنازن المدججين بالفساد والسادية ليرى كل المعتقلين أصحاب الرأي المختلف نور الشمس
- 7 للأجهزة التي أرهبت منفانا الحبيب سوريا أعني وطننا رغم كل شيء ، واعتقلت وقتلت ونفت وشردت شبابنا ومثقفينا وكفاءاتنا ، وبعد أن أطلق سراح من أطلق رمي في الشارع مجردا منبوذا ومحروما من العمل والحياة وسائر حقوق الإنسان .
-2-
رغم تأخره كان قراراً صحيحاً ، اعني عودة الجيش السوري من لبنان ، وربما لولا هذا التأخر لما عاش العمال السوريون مأساتهم الأخيرة ، ولكن مع كأس المرارة الذي تجرعناه ، فلن نقول وبكل محبة إلا :
أهلاً وسهلاً بأخوتنا العمال السوريين العائدين من لبنان ، لا بأس باستراحة قصيرة ، ثم بالبحث عن منفى آخر لتبيعوا فيه عرقكم ، لتفعلوا كما يفعل كل من يحظى بفرصة للسفر والعمل ، ولو حتى إلى بلاد ألواق واق ، لأن قيادتنا متفرغة للسياسة الخارجية ، بل نكاد نشعر أن لا هموم في الداخل ، وربما لا داخل أبداً ، فكل مطلب داخلي ، تصفه كهنة التبرير بأنه رسائل من الخارج ، هكذا حولنا هؤلاء ، من شعب إلى جالية في وطننا ، ومن جالية إلى وكالة عملاء للخارج ، وقضوا وبتوا فراراً مبرماً غير قابل للاستئناف بأنهم هم وحدهم الوطن والشعب ، مشغولون بما ترون وتسمعون .
-3-
شخصياً كنت ممن عقدوا آمالاً عريضة ، على الرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد ، لأنه يحمل فكر الشباب وثقافة الانفتاح وقسم أبقراط العظيم ، ويداه نظيفتان وبريئتان من آلامنا ، وقد كرسهما لشفاء العيون ، كي يرى من لا ينعم بهذه المتعة والمسؤولية ، وأعجبت كثيراً بخطواته الأولى ، ثم لطمتني الكآبة ، حين باتت المراسيم الحضارية التي يصدرها ويصدقها البرلمان بحاجة إلى مراسيم لتنفيذها ، وجراء كل لطمة كنت أقول :" لا يملك الرجل عصاً سحرية كما قال فعلاً " و " ميراث الرجل، الصادق في وعوده وآماله وأحلامه ، ثقيل جداً ، ولهذا حركته بطيئة بالضرورة " و " تلك الوحوش الكاسرة التي لم تعد تشبع ، رغم نفاقها وتصفيقها هي المعيق الأكبر لحركته " وقلت الكثير حتى ظن بعضهم أني أسعى لوظيفة في القصر، ولكني إضافة لما سبق ، ومن منظوري لمؤسسة الرئاسة ودور الرئيس في بلد ي ، كنت أراهن على هذه الشخصية التي كانت بمنتهى الحماس للتغيير والإصلاح وقامت ببعض الإصلاحات الراقية ، ولكن شيئاً فشيئاً ، أخذت زاوية ميتة مع اليائسين ، عندما توقفت عملية الإصلاح وراحت تنكص إلى الوراء ، ولم أجد أي معنى لذلك ، ورحت أتساءل كمعظم الجالية السورية في سوريا : ماذا يعني إيقاف هذا المنتدى أو ذاك؟
ومن يخدم وماذا يعني اعتقال هذا المفكر أو ذاك ؟ وأخص بالذكر هنا الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي البروفيسور عارف دليلة الذي كان أستاذي قبل أن أصبح صهره بنحو عقد من الزمان.
-4-
وها نحن بعد نحو خمس من الأعوام ، من مأزق إلى آخر ، ونؤكد أننا لا نقوم بشيء نتيجة ضغط خارجي، إذاً لماذا؟ ونؤكد أن الإصلاح سيواصل مسيرته ، إذاً لماذا؟
ولكن اللطمة الأخيرة كانت وللأسف ، في الخطاب الأخير للسيد الرئيس ، وأعني بوضوح غياب الشأن الداخلي ، وابتساره بوعد مبهم عن انعقاد المؤتمر القطري القادم ، وشعبنا عفواً جاليتنا باتت غير مبالية بكل المؤتمرات سلطوية كانت أم معارضة ، محلية كانت أم إقليمية أم عربية أم دولية ، ودليلها في ذلك التجربة الملموسة وليس سواها.
-5-
إننا ننظر في عكس هذا الاتجاه ، إن السياسة الخارجية هي أولا وأخيرا لخدمة الوضع الداخلي فبقدر قوة الأخير وتماسكه ، بقدر ما نكون منيعين وأقوياء في مواجهة التحديات الخارجية ، واليوم كحصيلة لعقود خلت ، حيث أصبحت سوريا نمراً إقليميا لأنها وضعت كل جهودها في السياسة الخارجية ، يتبين اليوم بكل أسف أننا نمر من ورق ، يطير من أول نفخة ، وهذه حقيقة لا معنى لدفن رؤوسنا في الرمال حتى لا نراها إنها حقيقة راهنة ، ونكتوي بنارها اليوم ، بألم شديد ومعه مرارة نفسية مذلة ، وشخصياً أشعر بذلك مع أنني لم أكن يوماً مع التدخل السوري في لبنان منذ اليوم الأول وحتى اليوم الأخير ، ورغم حداثة سني في ال1977م حقق معي بهذا الشأن ولم أخف رأيي ، والمحقق الصغير آنذاك أصبح برتبة عالية في أمن الدولة اليوم.
-6-
مرة أخرى وليست الأولى ولا الأخيرة ، الإصلاحات الاقتصادية والسياسية أي الخبز والحرية ، ولا طعم لأي منهما بدون الآخر ، هي حقوقنا ومطالبنا نحن كبشر كمواطنين ككائنات حية في أقل اعتبار.
القوانين المتحضرة والقضاء النزيه والمستقل تحت مظلة دستور علماني تحميه دولة علمانية وحديثة ، بالضرورة بريئة من حكم الحزب الواحد والقائد الواحد واللون الواحد والرأي الواحد ، وبالضرورة خاضعة للقانون الواحد والدستور الواحد والعلم الواحد ، هذا هو صمام الأمان لسوريتنا التي هي نحن وأولادنا وهواؤنا وماؤنا وحبنا، وهذه هي باختصار أحلامنا وآمالنا ولا يهمني شخصيا من يتولى دفة حكمها ، وإذا كان هذا ما يطلبه أعداؤنا وأعتقد العكس ، فشكراً لهم وسأعمل بوصية السيد المسيح : "أحبوا أعداءكم" .
-7-
كانت وصية نيلسون مانديلا لخلفه :" لا تحط نفسك بمن يقولون لك نعم".
*عن كلنا شركاء 3/2005