المعارضة والموالاة في النظام السـوري
المعارضة والموالاة في النظام السـوري
بدر الدين حسن*
لو سئل ( نيكولاي تشاوسيسكو) قبل القبض عليه ان كان يعتقد أن له معارضة فلا شك أنه سوف ينفي مثل هذا الوجود ولاسـيما أنّه ألقى خطاباً جماهيرياً كان عدد حضوره قرابة أربعمائة ألف من المصفقين والهتافين قبيل سقوطه بأيام.
ولو سئل (صدام حسين ) عن مثل السؤال السابق لكانت الأجابة مثل الاجابة السابقة أو قريباً منها ولاسـيما أن من حوله من المزمرين صاغوا له نتائج انتخابية أظهرت أن كل العراقيين 100 % مع القائد ولاتستغني عنه.
ومنذ أيام تمّ تسريب تقرير صحفي من داخل سورية نشر في صحيفةٍ خارجية مؤداه من وجهة النظر الرسـمية لنظام البعث أن المعارضة السـورية لاتمثل أكثر من 200 شخص بل يمكن أن تكون بالعشرات بل تجرأ بعضهم في أنّ عددهم لايتجاوز أصابع اليد الواحدة وأن هذه المعارضة عاجزة بمجموعها عن ادراة مدرسـة ابتدائيـة صغيرة.
ان الفهم البطيء ورد الفعل الأبطأ على مايستوجب السرعة والفعل الأسرع بات ملحوظاً في رجالات النظام. فلقد كان النظام يعتقد ولفترةٍ قريبةٍ أن المعارضة اللبنانية لوجوده في لبنان ليسـت ذات شأن وأنها غير قادرة على الفعل وغير قادرة على ادارة مدرسة ثانوية ، وأنّ وجودها وعددها محدود ومحدود جداً وأن النظام السـوري ممسك بكل مفاصل الوضع اللبناني ومسيطر عليه ولا رادّ لقوله ، ولا غالب لأمره. ولكن بين يوم وليلة ، ثار بركان الجماهير من بـعـد قمعٍ وقهرٍ وبطشٍ طال ليله وامتدّ نهاره ، فاذا الناس بمئات الألوف في الشـوارع والطرقات متظاهرين ، و بالجلاء والرحيل مطالبين. وكان الذي كان مما هو معروف ومعلوم للقاصي والداني. تُرى أين كانت هذه المعارضة...!؟ متى تكونت...!؟ وكيف ظهرت...!؟
تشـاوسـيسكو و صدام حسين ومَن قبلَهم ومَن بعدَهم يعتقدون أن الكل مع النظام والكل مع القائد لأنهم الحق و على الحق وماذا بعد الحق الا الضلال. وهي عقلية الطغاة الموغلة في أعماق التاريخ. فالطاغية والمسـتبد والديكتاتور يعتقد _ عن وعي أو بدون _ أنه القائد الرمز والبطل الهمام الذي يقود جماهيره لما فيه خيرها ورشدها. فرعون يقول: ماأهديكم الا سبيل الرشاد. واللـه عزوجل قال: وما أمر فرعون برشـيد.
النظام السوري على لسـان رئيسـه: أنا لسـت صدام حسـين أنا شيء مختلف ، ومن يقول أني ديكتاتور فهو يستهدف النظام السياسي السوري.
أما أن النظام في سـورية مسـتهدف فهو أمر لاجدال فيه ، وهو مسـتهدف من جهات شتى أيضاً ، وأما أن الرئيس ديكتاتور فهو في الحقيقة دكتور ولكن عهده امتدادٌ لعهد ديكتاتور ولنظامٍ شموليٍ فاسـدٍ مستبدٍ ووريثٌ في نظام جاء بانقلاب عسكري لابساً بسطاراً وبدلةً عسكريةً وراكباً على ظهر دبابة تحميها طيارات.
النظام السـوري لاشـك أنّه مسـتهدف من شـعبه وأبناء وطنه ، سـواء ُمنهم مَن أبدى السـكوت ومن تكلم ، ومن أطال اللسان مظهراً المعارضة أو كان من أعضاء النظام الظالم نفسَـه.
وليس عجيباً أن يكون النظام السوري مستهدفاً فالعجب في ألا يكون ذلك. فهو أمام القوى العظمى بات نظاماً منتهي الصلاحية لأسـباب كثيرةٍ علماً أنهم غطوا عليه وتعاونوا معه لفترة طويلة ولكن دوام الحال من المحال لاسيما في عالم السياسة وتقلباتها. وهو أمام شعبه وأبناء وطنه نظام استبدادي قمعي شمولي وفاسد ، وهي هي نفس نظرة المعارضة _ من كان منها داخل سورية أو خارجها _ وان كان بعض المعارضين يعتقدون أنه نظام فاسد ومفسد لابل فسّاد ومفسّد ولا أمل يرجى فيه من اصلاح لأن الأصل فاسد ومبني على الفساد.
وفي مواجهة النظام السـوري لاسـتحقاقات التغيير والاصلاح يعتبر النظام أنّ التحديات والضغوط الخارجيـة الموجهة اليه الآن تعرقل مسـيرة الاصلاحات والتغييرات. ومع هذا فانّ النظام مصرٌّ على المضي في مسيرته وتغييراته الجذرية وأن الساعة آتية ، وهو لأجل هذا يطلق وعداً من بعد وعد فهو تارةً في مارس/آذار وتارة في ابريل/ نيسان ثم قالوا ان الموعد الحاسم في المؤتمر القطري العاشر في مايو/ أيار ثم رحلوا موعد المؤتمر الى آخر يونيو / حزيران وما علموا أن الوضع لايحتمل التأجيل ولا الترحيل فالاسـتـحـقاقات القائمة فريضة وطنية للحفاظ على سورية الشعب والوطن والهوية. وأن المعارضة بكافة أطيافها ماضيةٌ في هذا الاتجاه وهي معارضة وطنيـة شريفة ونظيفة ترفض الاستقواء على الوطن بالخارج الاجنبي ، ومطالبها مـشروعة بشهادة أعدائها ، وهي ليست وليدة الساعة التي يواجه فيها النظام مايواجه من ضغوطات مختلفة بل هي مطالب رفعتها الـمعارضة وترفعها وطالبت وتطالب بها منذ أمدٍ بعيد خلال ربع قرنٍ من حياة سـورية ، حتى أنّ الـمعارضة المحدودة جداً بعددها والتي تطلب التغيير والاصلاح والديمقراطيـة ولو بمسـاعدة أمريكيـة فانها تطلب وتؤكد رغبة التغيير السلمي فقط.
النظام السوري _كعادته_ يراوغ ويناور في وقت ماعادت تنفع معه مناورة ولامراوغة ، ويعد ويسوِّف ويؤجل في وقت لاينفع فيه التسويف والتأجيل لأن الكيل قد طفح ، والمستور قد بان ، وأن حسابات البنوك قد كشفت ، وأن الساعة قد أزفت. فهل من مدّكر.
النظام السوري مازال يناور ويراوغ ويراهن على صفقةٍ مع الضغوط الخارجية والدولية تكون بمثابة قشة انقاذ يتعلق فيها وتكون في الوقت نفسـه خازوقاً لكل من طالب ويطالب بالتغيير والاصلاح والحريـة والديمقراطيـة ولكل من فتح فماً أو باعد بين شفتيه بجملةٍ مفيدة منتقداً الظلم والاستبداد والسرقة والفساد والقمع والارهاب. فالنظام السـوري يعتقد حتى اللحظة أن رأسـه غير مطلوب ، لأن مارشح عن لقاء بعض أفراد المعارضة مع الخارجيـة الأمريكيـة أن أمريكا تريد اضعاف النظام السـوري وليس تغييره ، ومن ثمّ يمكن للنظام أن يقدم المطلوب منه مقابل البقاء والاسـتمرار ويسـتمر في لعبته التي اعتاد عليها. ولكن الى متى...! الأيام القادمة ولجان التحقيق الدوليـة وكشـوف البنوك والملفات الجاهزة والمجهزة والمطالبات القضائية لأكابرمجرميها في لبنان وسورية لسوف تذيب الثلوج ، وتبين المروج ، وويل يومئذٍ للمكذبين.
*كاتب سـوري