الديمقراطية تهمة!
الديمقراطية تهمة!
م. حسن الحسن
نشرت عددٌ من وسائلِ الإعلامِ تعهدَ بول وولفويتز مرشحِ واشنطن ونائبِ وزير الدفاع الأمريكي الأسبق المثيرِ للجدلِ توليَّهُ رئاسةَ البنكِ الدوليِ حيث قال "بأنه سيكونُ موظفا دولياً إذا تم التصديق على ترشيحِه، وأنه لن يستغلَه كمنبرٍ للترويجِ للديمقراطية." وقال وولفيتز وهو أحدُ أهم المخططينَ الرئيسيينَ لغزو العراقِ في مقابلةٍ نشرت في صحيفة جاكرتا تايمز الإندونيسية 2005-03-28، "إنه سيركّز على الحدِ من الفقرِ مع إعطاءِ اهتمامٍ خاصٍ لأفريقيا."
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: هل أصبحَ نشرُ الديمقراطيةِ مشكلةً في الغربِ حتى يتبرأَ من نشرِها وولفيتز!؟ أم أن تلك الديمقراطيةَ التي يلوحُ بها الساسة الأميركان تعني اكتساحَ العالمِ لصالحِ الهيمنةِ الأمريكية واكتساب مزيد من النفوذ فيه ... وطالما أن الحالَ كذلك، فتصريحُهُ بالاهتمامِ الخاصِ بأفريقيا لن يكون بريئا بحال! ويعني من غير كثيرٍ من عناء التحليل، التهامَها وتخليصَها من مستعمريها الأوروبيين وضمَّها إلى رابطةِ الدولِ التابعةِ لأمريكا. خصوصاً أن الأخيرة قد نجحت في كسرِ رجل الدبِ الروسيِ، وسلبت منه أوكرانيا وجورجيا وأوزبكستان وقرغيزيا أخيرا. كما احتلت أفغانستانَ وأطاحت بنظامِ صدام في العراق، بينما ما زال الدبُ الأعرجُ غارقاً إلى شحمةِ أذنيه في المستنقعِ الشيشاني، فيما تحاول أوروبا العجوزُ التحرشَ بأمريكا في عددٍ من المناطقِ من العالم عسى أن تلينَ معها وتهبَها جزءا من الكعكةِ، وهو على ما يبدو السياسةُ الجديدةُ المعلنة لأمريكا فيما يسمى التوافقُ الأوروبيُ الأمريكيُ حيث نقلَ موقع MEO في 2005-03-19 الخبرَ التالي:
" كشفت الولاياتُ المتحدةُ الجُمُعَةَ جزءا من استراتيجيتِها الدفاعيةِ الجديدةِ التي ما زالت تستندُ الى الاعمالِ العسكريةِ الوقائيةِ في مواجهة التهديداتِ الخطيرةِ لكنها تشدِّد ايضا على اهميةِ التعاونِ مع دول اخرى لتجنبِ النزاعات. واَعلنَ عن هذه العناصرِ الجديدةِ للاستراتيجيةِ الاميركيةِ للدفاعِ التي ستكونُ اساسَ السياسةِ العسكريةِ المقبلةِ، نائبُ وزيرِ الدفاعِ الاميركي دوغلاس فيث بحضور ممثلين عن الدولِ الحليفة للولايات المتحدة، وذلك للمرة الاولى."
لقد بات من الواضح أن ألفاظَ نشرِ الديمقراطيةِ والحريةِ وتوزيعِ المساعداتِ الإنسانيةِ والتخلصِ من أسلحةِ الدمارِ الشاملِ والحرب على الإرهاب وغيرِها إنما هي رموزٌ ومصطلحات تُطلَقُ لتستعمل في تنفيذِ مخططاتٍ سياسيةٍ للدولِ الكبرى. تقوم بذلك من بابِ تجميلِ ما يختبئُ وراءَها من مآرب شريرة، تماما كما استُعمِلَ سابقا الانتدابُ والاستعمارُ بدلاً من الاحتلالِ والاستعباد.
ولكن عملية دس السم بالدسم من خلال ترويج مصطلحات براقة لاستغلالها، لم تعد تخفى على المتابعين والمراقبين ولا حتى عن عامةِ الناسِ في أيامِنا هذه، لذلك نرى تقزز الناس كلما سمعوا بوش يردد أنه يريد نشر الحرية أو الديمقراطية في العالم، كما أنها معلومةُ الأبعادِ وبشكل أدق لدى السياسيين خصوصاً الغربيين منهم، لذلك حاول وولفتيز نفيَ التهمةِ عن نفسِهِ بنشرِ الديمقراطيةِ في العالم! كما يؤكدُ ذلك الفهم ما نقلته الوكالةُ الفرنسية فيما عن مراقبين وسياسيين:" وولفويتز يثيرُ الجدلَ والمخاوفَ من استغلالِ المنصبِ الدوليِ في تنفيذِ سياسة المحافظين "الجدد" بالولايات المتحدة ".
كما أن الغربَ على رأسِهِ أمريكا يعلم أن تلك العناوين العريضةَ إذا ما تم تطبيقُها في العالم الإسلامي ستتحولُ وبالاً عليهم، ولذلك فإنهم يقومون بتفصيل ما يناسبُهُم ويحقق مصالحهم، لا ما يحررُ العالمَ من ربقتِهِم وطمعِهِم وجشعِهِم، وهذا ما حدا بمجموعةٍ كبيرةٍ من الكتابِ والمفكرين والإعلاميين على وضع علامات استفهام حول مدى جديةِ أمريكا في نشرِ الديمقراطيةِ في العالمِ الإسلامي، فتلك الديمقراطيةُ إن طُبِّقت حسب زعمهم، فإنها ستأتي لا محالةَ بخصومِها إلى السلطةِ وستنقلبُ الطاولةُ على أمريكا وحلفائِها معها ... وهذا ما يبررُ خطابَهم الجديدَ الذي باتت بعض وسائل الإعلام تروج له ألا وهو المناداة بنشر ديمقراطية ليبرالية تؤمنُ مصالحَهم في العالمِ وتُخرِجُ بشكلٍ تلقائيٍ كلَ من ينادي بتطبيقِ الإسلامِ وإعادةِ دولةِ الإسلامِ وتطبيقِ الشرعِ من ساحةِ اللعبة.
على كلٍ فقد بات الغربُ بقيادة أمريكا مفضوحاً لكل ذي بصيرة، وانكشفت ألاعيبه حتى للسذج من الناس، وأقتبِسُ بعضَ ما أورده أحد دعاة الديمقراطية في العالم الإسلامي، لا أحد الأصوليين أو المحسوبين على التيار الإسلامي، كشاهد على ذلك، حيث كتب جهاد الخازن في جريدةِ الحياةِ عن مدى نجاح أمريكا في نشرها الديمقراطية في العالمِ الإسلاميِ في 2005-03-23 ما يلي:" أكتب معتمداً على مصادرَ غربيةٍ خالصةٍ، وهي مصادرُ تقولُ إن الرئيسَ الأفغانيَ حميد كارزاي لا يتحركُ من دونِ حمايةِ جيشٍ كاملٍ من المرتزقة، وإن شعبَ أفغانستان بدأ يترحمُ على أيامِ طالبان، مع عودةِ لورداتِ الحربِ المتحالفين مع أميركا، وانتشارِ القتلِ والخطفِ والفسادِ، وتَسَلُّمِ عصاباتِ الجريمةِ ادارةَ انحاءِ البلاد. واليوم يذيع راديو قندهار بين عشرة اعلانات و15 اعلاناً في الشهر عن ناسٍ اختفَوْا، وعادةً ما يكون الواحدُ منهم خُطِفَ في مقابلِ فدية، وقرأتُ قصةَ رجلٍ دفع فديةً عن ابنِهِ الصغيرِ، ثم وجده مقتولاً... الوضعُ في العراق أسوأُ كثيراً، وكلَ يومٍ، كل يوم من دون استثناء، هناك قتلٌ وخطفٌ وتدميرٌ، السجناءُ يعذَّبون، والسجيناتُ يغتَصَبْن، والكلابُ تنهِش الجثثَ في المقابرِ الجماعيةِ (وثمةَ سجناءُ عربٌ أعيدوا الى بلادهم الأصلية ليُعَذَّبوا).
ولم تكتف أمريكا بتطريع كثير من الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي واستخدامها في تنفيذ مخططاتها، بل هي ترى ضرورة تغيير عقلية وثقافة الأمة، كما تريد إخلاءها من أية قوة قد يعول عليها لاحقاً، حتى من قبل من سار في ركابها، فإيران مثلاً وهي التي أعانت أمريكا في حربها المعلنة ضد "الإرهاب" وسلمت لها عددا من خصومها، وساعدتها في أفغانستان والعراق، ها هو يتحدث عنها ديك تشيني نائب بوش بشكل متعجرف، حيث علق بخصوصِ برنامجِ الطاقةِ النوويةِ الإيرانيةِ، فيما نقلتُهُ عنه الواشنطن بوست في 2005-03-27 قائلاً: "إنهم أصلا ًيجلسونَ على كمٍ هائلٍ من النفطِ والغاز، ولا أحدَ يستطيعُ أن يتصورَ لم يحتاجون التطويرَ النوويَ لتوليدِ الطاقة!؟"
ولا عجب أن تجد المزيد من الارتباط من قبل حكام المسلمين بأمريكا، فهم يعتبرونها فرعون العصر الذي لن يثبت عرش لأحدهم ما لم يرضها وينبطح أمامها، ولكن الغريب والعجيب حقا، هو أن ترجو بعض الحركات السياسية "الإسلامية" وبعض رموزها من أمريكا التعاون والخلاص، فيما يشكك مفكرو الغرب أنفسهم في مصداقيتها ويطعنون بنواياها!؟