لص بلادي
نهاد الزركاني
العراق _ بغداد
كنت اقلب بعض الكتب التي اقتنيتها قديما وإنا جالس في غرفتي المتواضعة وقد اشتدت حرارتها ببركة غياب العزيزة ( الكهرباء ) كما هو حال الكثيرين ممن يعيشوا في زمن الحرمان وقد وقع بيدي كتاب قديم كان مضمونه بعض الحكايات التي تتحدث عن تأريخ بغداد وبصراحة لقد شدني هذا الكتاب كثيرا ولم اتركه ألا بعد أن أنهيت قراءته ومن الأمور التي شدتني كثيراً بعض الظواهر الاجتماعية في ذلك الزمان وهي ظاهرة ( ألسرقة أو الحرامية ) في بغداد قبل(70- 80) عام وكيف كانوا وما هي أفعالهم وأساليبهم وحيلهم التي كانوا يستخدمونها في حرفتهم هذه لذلك قررت كتابة مقالة سوف أقارن فيها بين حرامي بغداد قديما وسراق بغداد حديثا وما هو القاسم المشترك بينهما والاختلاف وما هي الطريقة التي كانوا يسرقون بها الناس وإنا لا أريد هنا أن أشير للحرامي بشكل مباشر بل سأترك ذلك للقارئ اللبيب ليتعرف بنفسه على السراق في وقتنا الحاضر ولكن سنتكلم عن أفعالهم وأساليب خداعهم وعلى القارئ أن يكون دقيقاً في التشخيص ولا يظلم أحدا.
عادة يقولون أن لكل جريمة عدة أركان هي(الفاعل + الزمان + المكان + المجني عليه + نوع الجريمة + الأدوات) وعلينا إن نتأكد من الأركان قبل الخوض في معرفة أفعال السارق ومن خلال ذلك يتبين من هو هذا المجرم المعروف عند الشعب و المجهول عند الأجهزة الأمنية (وهذه من عجائب الدهر)
الركن الأول هو(الفاعل) والذي يعني كل شخص سرق أموال الشعب العراقي بشكل مباشرةً أو غير مباشر من خلال موقعه أو حصانته وممارسته للفساد الإداري والمالي وكل من تسترعليه
الركن الثاني هو( الزمان ) هنا الزمان غير محدد من قبل سقوط الصنم وبعده إلى تاريخ كتابة المقالة وفي المستقبل ألا أذا تصدى الشرفاء من أبناء العراق الجريح الذين يعيشون هموم شعبهم .
الركن الثالث هو (المكان) ويعني ارض العراق الجريح من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق .
الركن الرابع (المجني عليه) وهو الشعب العراقي الجريح بكل أطيافه وألوانه.
الركن الخامس (نوع الجريمة) السرقة بكل أنواعها وأشكالها قديمها وحديثها ومنها (( العمليات الإرهابية ، الفساد المالي ، والإداري وحتى السياسي))
الركن السادس (الأدوات ) وهي كل ما يستخدمه ألحرامي في تنفيذ مهمته وتشمل أيضا في وقتنا الحاضر المواقع والمناصب الحكومية التي يستغلها السراق الجدد .
أذن علينا أن نقارن من هو غيور وأكثر شهامة ألحرامي القديم أم السارق الحديث رغم خست المهنة
يقال كان ألحرامي القديم يستخدم الحبل أو يصعد من خلال الدرج في سرقة البيوت وأما ألسارق الحديث فانه ونتيجةً للتطور لا يحتاج إلى هذه الأدوات البسيطة لأن وسيلة السرقة أصبحت التسلق على أكتاف الشعب المظلوم من خلال الانتخابات وهنا بالتأكيد لا اقصد كل الموجودين لان الشرفاء أصبحوا معروفين لدى الشعب العراقي
كما أن ألحرامي في بغداد قديما لا يسرق من الفقراء وإذا دخل بيتاً ووجد أصحاب الدار أناس لا يملكون شياً لا يسرقهم وهذا لون من ألوان الشهامة ولكن ألسارق في بغداد حديثاً يسرق فقط من الفقراء من خلال المال العام وهناك من يتستر عليه أيضا باسم الشعب
كان ألحرامي لا يقبل بوجود شخص من محلة غير محلته يسرق لأنه يعتبره غريباً وأما ألسارق الجديد لقد قام بإدخال الغرباء والأجانب والعملاء لبلده ليس من خارج محلته بل حتى من خارج الحدود ،
كان ألحرامي قديما لا يجد من يدافع عنه أو يتستر عليه أو يعطيه الحصانة القانونية ولذا كان الجميع يتبرى منه ويقابل بالذم الاجتماعي ولكن ألسارق اليوم هناك من يقاتل من اجله ويتستر عليه و يكافح من اجل أن لا يصل إلى القضاء كما أن يتمتع بالحصانة لان وراءه حزباً أو كتلةً أو تياراً يدافع عنه
كان ألحرامي قديما إذ أكل من بيت (أو ذاق زاد من بيت ) احد لا يسرقه ولكن السارق ألان ملء بطنه من خيرات العراق ولكن لم يؤثر به ،
أن ألحرامي سابقاً كان يسرق بدافع الفقر وسد رمق العيش ولكننا اليوم نجد السارقين الجدد يسرقون البلاد والعباد بدافع الطمع والجشع وزيادة ثرواتهم وأرصدتهم في بنوك ومصارف الدول المحتلة (عفواً الصديقة!!!)
أن ألحرامي قديماً كان يعترف مع نفسه بان عمله غير مقبول وخطأ لايمكن تصحيحه بينما سراق اليوم يتشدقون أمام الملا والفضائيات وبلا خجل ويدافعون ويبررون أفعالهم بعنوان المظلومية أو الدين أو دعم حزبه أو عائلته المالكة أو غبر ذلك .
ومشكلتنا بمجتمعنا
وهذا أخر مقارنة ولكن ليس مع ألحرامي القديم والسارق الحديث بل بين سلوك المجتمع العراقي قديماً وحديثاً فأننا
نجد ثمة فرق شاسع جدا حيث انه لو افتضح أمر ألحرامي ينهض كل المجتمع ويقف ضده بقوة وقفت رجل واحد
ولكن مجتمعنا في الوقت الحاضر أمره عجيب وغريب لا تجد فرداً عراقياً لا يشتكي من تقصير الوضع من قبل الحكومة أو الوزراء الفاسدين اتجاه الشعب العراقي الذي يعاني من قلة الخدمات بل قل انعدام الخدمات في اغلب المناطق التي لا تصلح للعيش فيها ويطول الحديث عن الكهرباء التي أصبحت حلم كل بيت عراقي ينام على هواء بارد في الصيف الحار جدا وخصوصا عندما يرافقه شحة المياه في دجلة الخير والفرات ولا تجد من يعارض ولا يحرك ساكن تجاه المتصدين والمفسدين في العراق الحديث وخصوصا من يرفع الشعارات الرنانة ويطل علينا كل يوم بصولة جديدة مدعاة .
وهنا بودي أن اطرح سؤالاً على علماء الاجتماع
ما سبب هذه الخضوع والخنوع لدى الشعب العراقي تجاه كل هذه الظلم؟ وماهي الأسباب وراء ذلك؟ سؤال مهم جدا يحتاج إلى جواب عاجل !!! وهنا لا اقصد كل المجتمع العراقي ولكن الأعم الأغلب .
ليس الصمت والسكون إزاء مظالم كبيرة من الصبر المحمود بل من الخنوع والاستسلام للذل والهوان ،
أيها الأحبة أن السراق لم ينزلوا من السماء بالمظلات أنما هي نتيجة الوضع الاجتماعي
ولقد وصل لنا عن القران الكريم مثلا عن الشعوب التي سبقت عصرنا في التاريخ التي خضعت إلى الظالمين وهو أن فرعون لن يقول ( أنا ربكم الأعلى ) ألا أذا رأى حوله عبيدا يطيعونه حين يظلمهم هم أيضا كانوا أحياء وبحقيقتهم ا مواتا بدون أن يشعروا بذلك
علينا أن لا نبرر إلى الظالمين كما يفعل البعض من خلال رمي الرماد في عيون المجتمع والقاء التهم جزافا على كل شريف يريد أن ينهض بالواقع ويفضح المفسدين والحرامية ويغير مرارة العيش وينظر بعين الرحمة إلى كافة الشعب الذي بيده الحل بقلب الطاولة على المفسدين ومن يدافع عنهم
عن شاعر الحرية احمد مطر
لص بلادي ...... بالتمادي ... يصبح اللص بأوربا مديراً للنوادي ... وبأمريكا ، زعيماً للعصابات وأوكار الفساد .... وبأوطاني أللتي من شرعها قطع الأيادي ...يصبح اللص زعيماً للبلاد