قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (5)
قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (5)
د.محمد بسام يوسف
(17)
تضليل آخر : المقاومة وقتل المدنيين !..
كلمة حقٍ أُريد بها باطل، كيف ؟!..
اليهوديّ قدِم من وراء البحار، ليحتل بالقوّة أرضاً ليست أرضه، ثم ليهجّر إحدى الأسَر التي عمّر أجدادها تلك الأرض منذ آلاف السنين، أو ليقتلهم أو يقتل بعضهم في الأقل، وليستولي على البستان والمزرعة والدار، فيسكن فيها بعد اغتصابها من أصحابها، ثم يتزوّج امرأةً يهوديةً قادمةً مثله من وراء البحار، فتنجب له ذريّةً من الذكور والإناث، ويكبر هؤلاء ويتدرّبون على حمل السلاح، ويشكّلون مع أمثالهم من اليهود جيشاً صهيونياً يقوم على حمايتهم كلهم لاستمرار احتلالهم، بل يقوم بسحق أصحاب الأرض الأصليين وقتل أطفالهم ونسائهم وذراريهم .. والذرّية اليهودية الأولى تتكاثر وتتناسل فيصبح عندهم أبناء وبنات .. وهكذا !..
أصحاب الدار والأرض يقاومون هذا الاغتصاب، ويثأرون .. فيقتلون مَن يستطيعون الوصول إليه من الغاصبين القتلة الذين قتلوا بعض أجدادهم وآبائهم وأبناء عائلاتهم!.. يقوم الغرب بزعامة أميركة ولا يقعد : المسلمون الفلسطينيون يقتلون المدنيين من الأطفال والنساء والرجال، فهم إرهابيون مجرمون !..
اليهود نساءً وأطفالاً ورجالاً يُقتَلون .. نعم، لكن أين ؟!.. يُقتَلون داخل الدار التي اغتصبوها، وضمن حدود الأرض التي سرقوها وقتلوا أهلها أو هجّروهم بالقوّة، وفي المزرعة التي انتزعوها من أصحابها.. والذين استقدموهم إلى هذه الأرض وتلك الديار التي ليست لهم .. هم الذين قتلوهم .. هم القتلة الحقيقيون !..
عندما تشتعل الحرب بين دولتين، تحرِّم ما تسمى بالشرعيّة الدولية قتل المدنيين من الطرفين، أما عندما تأتي قُطعان اليهود فتغتصِب أرضاً ووطناً، فالشرائع كلها تقول : ليس بين هؤلاء مدنيون وعسكريون .. فكلهم مغتصِبون محتلّون، وعلى الغاصب المحتلّ تدور الدوائر، ويجب أن تدور الدوائر !.. أما أن يُصنِّعوا كياناً يهودياً، ويقيموه على أرضٍ محتلَّةٍ ليست أرضهم ولا أرضاً لليهود، ثم يُطلقون على هذا الكيان اسم (دولة إسرائيل)، ويحرّمون مقاومة قُطعانها البشرية المحتلّة بحجّة أنهم مدنيّون .. فهذا ذروة النفاق والظلم والخداع والاحتيال !..
نقول ذلك، ولا نرغب في إعادة سرد سلسلة الجرائم الفظيعة ضد المدنيين، التي ارتكبها الغرب وأميركة، وما يزالون يرتكبونها بحق المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان و .. وغيرها من البلدان المسلمة في هذا العالَم !.. أي أنّ الغرب وأميركة هم الجهة الوحيدة في هذا الكون، التي لا يحق لها بأية حالٍ من الأحوال، الحديث عن قتل المدنيين !..
الفرق كبير بين قتل المرأة اليهودية القادمة من وراء البحار إلى فلسطين، التي سكنت بيتاً مُغتَصَباً في إحدى روابي القدس أو حيفا أو يافا أو .. وبين قتل المرأة الفلسطينية صاحبة البيت المغتَصَب، وأهلها هم أصحاب القدس (أو حيفا أو يافا أو ..) الحقيقيون !.. وهكذا الفرق بين الطفل اليهوديّ والطفل الفلسطينيّ، وبين الرجل اليهوديّ الصهيونيّ المغتصِب والرجل الفلسطينيّ !.. هو نفس الفرق بين اللص وصاحب الدار، وبين المعتدي الغاشم والمعتدى عليه، وبين القاتل والمقتول، وبين الباطل والحق، وبين الظالم والمظلوم .. فهل يستويان ؟!..
(18)
المبعوثون الأميركيون إلى المنطقة العربية
الإدارة الأميركية لا ترسل مبعوثيها إلا لتحقيق مصلحةٍ خاصةٍ لها أو للصهاينة، وعلى الرغم من الادّعاءات العريضة، بأن المبعوثين الأميركيين إلى منطقتنا العربية يأتون لتحقيق العدل والسلام فيها .. فإنّ الواقع يثبت عكس ذلك !..
أرسلت أميركة سابقاً العسكريّ وزير الدفاع السابق ونائب الرئيس الحالي اليهودي المجرم (ديك تشيني)، لتحضير المنطقة والأنظمة لضرب العراق، وهو قرار أميركي اتخذَ ونُفِّذَ .. كما أرسلت (أميركة) عسكريّ المارينـز السابق (زيني)، لإنقاذ إسرائيل من المأزق الذي أوقعها فيه مجرم الحرب الإرهابيّ الصهيونيّ (شارون)، والعمليتان : تدمير العراق وإنقاذ إسرائيل وحمايتها.. تمثلان حالياً محور السياسة الأميركية الرعناء، التي ستنشر الفوضى والظلم في العالم بأسره، وستلحق الأذى بأميركة ومصالحها قبل أي دولةٍ في هذا العالَم، الذي تحكمه شريعة الغاب، التي تنفّذها عصابة السفاحين الطغاة القابعة في البيت الأبيض والبنتاغون !.. أما بالنسبة للأنظمة العربية، فهي إلى الآن بلا حَولٍ ولا قوّة، وليس فيها شجاع كريم عزيز يمكن أن يقول : لا لأميركة .. بل هناك مَن يقول : نوافق على قتل الشعب العراقيّ وتشريده، لإيقاف قتل الشعب الفلسطينيّ ووقف تهجيره !.. إنها مهزلة وقحة تعبّر عن نفسها بوضوح، فما الفرق بين الشعبين الشقيقين العراقيّ والفلسطينيّ ؟!.. ثم هل ترغب الأنظمة العربية حقاً في إيقاف قتل الشعب الفلسطينيّ ؟!.. لو رغبت في ذلك لفعلت الكثير غير الاستكانة والاستخذاء والتوسّل والاستغاثة !..
(19)
مؤتمرات .. ومؤتمرات ، وكلها لتحقيق السلام !..
عكفت وسائل الإعلام الغربية واليهودية الصهيونية، على تحليل فوائد مؤتمرات السلام التي أعلن عن أحدها الإرهابيّ (شارون)، ووافقت عليه أميركة، من أجل ماذا ؟!.. من أجل تحقيق السلام العادل الشامل !..
نحن بدورنا نسأل : ماذا عن مؤتمر مدريد ؟!..
لقد حاول الراعي –غير النـزيه- لما يسمى بعملية السلام، أن يلتفّ على ما يسمى بالشرعية الدولية وقراراتها، بالدعوة إلى مؤتمر مدريد منذ أكثر من عشر سنوات .. ورأى العالَم ذلك السلام المزعوم الذي تسعى إليه إسرائيل مع حليفتها وحاميتها أميركة .. فعندما يقال : إسرائيل، فهذا لا يعني إلا الحرب، وعندما يقال : شارون، فهذا معناه أنّ الحرب تلك من أبشع الحروب في التاريخ المعاصر !.. والدليل هو ما نشاهده على مدار الساعة في فلسطين المسلمة .. وعندما يُقرن اسم شارون بمؤتمر سلام فهذه نكتة مُضحكة مُبكية، أما حين توافق أميركة على مثل هذا المؤتمر .. فهذه هرطقة وهذيان واستخفاف بالعالَم كله !..
كل التحركات السياسية التي تقوم بها الحليفتان الخارجتان عن القانون الدولي : إسرائيل وأميركة.. هي بهدف التضليل وكسب الوقت لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة تحت سمع العالَم وبصره !.. فلن يحلّ سلام في هذا العالَم، إلا بعودة فلسطين المحتلة كاملةً إلى أصحابها، وإذعان أميركة المتواطئة العنصرية المجرمة .. للحق والعدل، وإنهاء احتلالها للعراق، والتعويض عن كل ما ارتكبته من جرائم مخزية فيه، وعلى العرب أن يستوعبوا هذه الحقيقة جيداً ويعملوا لها، مُسَخّرين كل عوامل قوّتهم، لإعادة السلام الحقيقيّ إلى هذا العالَم وإنقاذه من شريعة الغاب، التي ينفّذها مجرمو إسرائيل وسفّاحو أميركة !..
(20)
هل تسهم قوة حفظ السلام الدولية في نشر السلام ؟!..
هكذا يسألون ويتجاهلون، إذ يفترضون أنّ السلام قد عمّ بين العرب واليهود، ولم يبق إلا مشكلة المحافظة عليه واستقراره بين الطرفين !.. ينطلقون من هذه الفرضية الوهمية في نفس الوقت الذي يدكّ فيه جيش الصهاينة المخيمات الفلسطينية والبيوت والمساجد والمرافق العامة في فلسطين المحتلة، وفي الظرف الذي يعمل فيه اليهود للقضاء على كل أشكال الحياة في فلسطين، وكذلك يفعل الجيش الأميركي المجرم في العراق وأفغانستان !..
أين هو السلام الذي يتحدثون عنه لكي نتحدث عن قوةٍ اسمها (قوات حفظ السلام الدولية) ؟!.. فمثل هذه القوة إما أنها ستكون ضعيفةً لا حول لها ولا قوة أمام انتهاكات الجيش الصهيونيّ، أو أنها ستكون متواطئةً مع أميركة والكيان الصهيونيّ كالعادة، وبالتالي فهي قوة احتلال تحتل من الأراضي الفلسطينية والعربية والإسلامية ما عجز عن احتلالها الجيشان المجرمان : الصهيونيّ، والأميركي !..
إذا كان (كوفي أنان) حريصاً على الحق وعلى هيبة المنظمة الدولية، فليعمل على أن تنفّذ إسرائيل عشرات القرارات الدولية بشأن الجولان والانسحاب وعودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة .. وهذا خير له وللمنطقة وللعالَم من تضييع الأوقات في حلولٍ مسكّنةٍ خادعةٍ مضلِّلة، لإبعاد الأنظار والعقول عن المشكلة الحقيقية، وهي احتلال الأرض بالقوة، وارتكاب جرائم الحرب، والانتهاك الصارخ البشع لحقوق الإنسان !..
لماذا يصرّ (كوفي أنان) وأميركة والغرب على تجاهل المشكلة الفعلية، فينبرون لمعالجة ذيولها بدلاً من معالجتها؟!.. فالقضاء على الظلم وإحقاق الحق وإنهاء احتلال فلسطين والعراق وأفغانستان سينهي كل المشكلات الناجمة عنه، ومن غير ذلك فكل الحلول تضليل وهدر للوقت واستمرار لإراقة الدماء، وعندئذٍ فلا حل إلا بالمقاومة والجهاد حتى تحرير كامل التراب الفلسطينيّ والعراقي والأفغاني المغتَصَب !..
يتبع إن شاء الله