لقد اغتالوا لبنان

لقد اغتالوا لبنان

أمير أوغلو / الدانمارك  

[email protected]

المشاهد تتالى على شاشات التلفاز ولا أحد يريد أن يصدق رغم أن الكل كانوا يتوقعون حدوث شيء ما , ولكن ما حصل كان أكبر من كل التوقعات, والشخص المستهدف كان أكبر من كل الأهداف , والعملية تجاوزت في ترتيبها وتنظيمها كل التنظيمات الموجودة على الساحة اللبنانية لتصل إلى مستوى مخابرات دول وأنظمة .

لن نخوض في شخصية الفاعل أو الجهة المسؤولة فهذا على ما أعتقد لن يُكشف وسيبقى سرا لأن القوى التي تقف وراءه قادرة على إبقائه سرا. ولن يعنينا أن تكشف بعد أيام أو أشهر منظمة أو أشخاص يلقى بهم ككبش الفداء في محرقة العدالة اللبنانية أو الدولية , ولن يكون مهماً إن كانت اسرائيل وراء الحادث أم أمريكا أم سوريا أم أي جهة أخرى فهذا كله لن يغير من الأمر شيئا لأن من خطط ونفذ لم يرد قتل شخص وإنما اغتيال دولة ووطن.

لقد اختاروا الرئيس الحريري لأنه كان للبنان الوطن كعمود الخيمة الرئيسي بسقوطه ستتهاوى الخيمة أو على الأقل ستتصدع إلى أن تتهاوى بعد أول هبة ريح , لقد اختاروا الرئيس الحريري لأكثر من هدف ولا بد أن مصالح عدة فرقاء تقاطعت وتلاقت عند هذه الشخصية فالمستفيدون كثر والخاسر واحد هو لبنان الوطن .

المقصود في الاغتيال هو اقتصاد لبنان فالحريري يمثل دعامة اقتصادية, فاسمه وحده كان كافيا لجلب المليارات للبنان ولأهل لبنان, والمقصود في الاغتيال هو وحدة لبنان فالحريري كان من اكثر الناس حرصا على وحدة لبنان , وقد صرح أكثر من مرة أن تعارض وحدة لبنان مع مستقبله ومركزه السياسي سيدفعه مباشرة لترك السياسة, والمقصود في هذا الاغتيال هو مركز لبنان في العالم , فالحريري كان أكبر شخصية سياسية لبنانية بالنسبة لكل العالم , وطريقة تعامل رؤساء دول العالم معه حتى بعد تركه الرئاسة يحسده عليها كل الرؤساء والملوك العرب.

إن لبنان يقف الآن أمام مفترق طرق وعلى أحرار لبنان وسياسيي لبنان ومثقفي لبنان مهمة واحدة هي رأب هذا الصدع الكبير وإقامة العمود البديل الذي يحمى سقف دولتهم من الانهيار , إن عليهم جميعا معارضة وموالاة أن يتفقوا على القاسم المشترك الأصغر على الأقل وهو وحدة لبنان , لابد للموالاة من العودة إلى الحق الذي لا يماري فيه إلا مكابر جاهل. الحق الذي يقول بكل وضوح إن الوجود السوري في لبنان بهذا الشكل خطأ , والتحكم المخابراتي السوري في شؤون لبنان خطأ , وإدارة السياسية اللبنانية من سوريا خطأ, ووجود الجيش السوري في لبنان خطأ. لا بد لهم من الاعتراف بأن التمديد للحود والتحايل على الدستور والعودة من الحرية إلى العبودية خطأ , والعودة من الديمقراطية إلى الحزب الواحد والرأي الواحد خطأ, والعودة من الانفتاح الاقتصادي إلى الإنغلاق الاقتصادي خطأ, وكل هذا سير بعكس حركة التاريخ وبعكس حركة العالم . يجب عليهم أن يعترفوا أن النظام السوري يكرر في لبنان وفي شعب لبنان ما فعله في سوريا وشعب سوريا منذ أربعين سنة فقد حطم اقتصاده وسياسته واجتماعه وداس على كرامته وحقوقه وحرياته ورمى به إلى مراتع التخلف والفقر والجهل والبطالة .

وفي المقابل يجب على المعارضة ألا تُشعر الآخرين بأنها تريد إقصاءهم بل التعاون معهم وأن الصراع ليس صراعا على السلطة بل هو صراع على الحق وعلى المنهج وعلى المبادئ التي لن يحيا لبنان  بدونها وهي الحرية والديمقراطية والتعايش المشترك . كما يجب عليها ألا تهدد بالأجنبي لآن الحساسية من هذا الموضوع كبيرة وهي باعتقادي لم تلجأ لهذا إلا بعد أن لجأت الموالاة أيضا للأجنبي حتى ولو كان قريبا أو عربيا.

إن لغة الحوار أو الخلاف التي سادت قبل اغتيال الرئيس والتي حرص هو بنفسه على تغييرها والعودة بها إلى الإطار الحضاري السياسي الذي عهدناه من ساسة لبنان, لم تكن تبشر بخير ولا بوفاق ولا بتقديم مصلحة لبنان على المصالح الفردية , كانت لغة شبيهة بلغة حزب البعث في العراق أو في سورية لغة الإقصاء والتخوين والتعالي والتشدق بالوطنيات والعنتريات التي أوصلتنا في العراق وسوريا إلى ما نحن فيه اليوم والتي ستقود كل من مازال يتمسك بها إلى الهاوية الحضارية وإلى مزابل التاريخ. مثل هذه اللغة يجب أن تتغير اليوم إكراما للرئيس وللأهداف التي مات من أجلها الرئيس. لا يجوز أن تتعالى هذه النغمة الشاذة اليوم بل لابد أن يحل مكانها لغة التعالي على الجراح ولغة الصبر والحكمة ولغة الوطن الواحد الذي يتسع لكل أبنائه على اختلافهم وتباينهم, وإلا حققنا نحن بأيدينا أهداف من اغتالوا الحريري وآمال من اغتالوا الحريري ومآرب من اغتالوا الحريري.

رحم الله الحريري وتجاوز عن سيئاته وتقبله في عداد العظماء الذين يشقون الطريق لأممهم في حياتهم وبعد مماتهم والذين كان همهم خدمة أمتهم ووطنهم وألهم أهله الصبر والسلوان وألهم شعب لبنان تجاوز هذه الكارثة وإنا لله وإنا إليه راجعون .

15 شباط - فبراير 2005