الإخوان المسلمون
ومحاكم التفتيش المصرية
السيد علي علي شعيب *
محاكم التفتيش Inquisition ـ كما جاء في الموسوعات التاريخية ودوائر المعارف العالمية ـ ديوان أو محكمة كاثوليكية نشطت خاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مهمتها اكتشاف مخالفي الكنيسة ومعاقبتهم..
وقد اشتهرت عبر التاريخ أسماء عدة محاكم منها: محاكم التفتيش البرتغالية ومحاكم التفتيش الرومانية. وأشهر هذه المحاكم على الإطلاق محاكم التفتيش الإسبانية تلك المحاكم التي دوى صداها في العالم على إثر الأعمال الوحشية التي ارتكبتها ضد المسلمين في الأندلس ..
ويكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" حيث يقول عن محاكم التفتيش: «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع. و اقترح القس "بليدا" قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء و الأطفال، و هكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي».من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
والحقيقة أن هذه المحاكم قائمة ما قام الظلم والاستبداد ومن قديم قتل الدعاة والمصلحون وصلبوا على أعواد المشانق ولكنها تأخذ أشكالا ومسميات أخرى تناسب العصر .غير أنه مما يؤسف له أن تكون مثل هذه المحاكم في بلاد إسلامية ويكون حكامها وقضاتها من بني جلدتنا كما يقول الشاعر:
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
هذا ما حدث ـ وما يزال ـ في مصر منارة العلم والعلماء وبلد الأزهر الشريف وكنانة الله في أرضه.
فقد ورثت الحكومات المصرية المتتالية هذه الجريمة البشرية في ثياب جديدة ومارست
ضد معارضيها من الأحرار والشرفاء والوطنيين أسوأ أنواع الاضطهاد والتنكيل وسجل تاريخ مصر الحديث والمعاصر صورا مخزية لمحاكمة المدنيين والبرءاء من الإخوان المسلمين خاصة وامتلأت صفحات التاريخ بمشاهد من قهر الإنسان المصري وسحقه يندى لها جبين الإنسانية!
من هذه الصور والمشاهد الأليمة ما يلي:
1ـ إصدار قانون وزارة الشئون الاجتماعية في الأربعينيات للحد من نشاط الإخوان المسلمين وتضييق الخناق عليها وجعلها جمعية خيرية تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية حتى يسهل حلها والقضاء عليها.
2ـ حل الجماعة في عام 1948 ومصادرة أموالها وتشريد أعضائها وإغلاق مؤسساتها وشركاتها.
3ـ اغتيال قائدها ومرشدها العام الإمام حسن البنا في 1949 م
4ـ إنشاء محكمة تدعى محكمة الشعب وهي محكمة أنشأتها ثورة ٢٣ يوليو في مصر في ١ نوفمبر ١٩54من اختصاصاتها محاكمة الأفعال التي تعتبر خيانة للوطن أو ضد سلامته أو ضد نظام الحكم أو الأسس التي قامت عليها الثورة.
وقد قامت هذه المحكمة بإصدار حكم الإعدام علي كل من محمود عبد اللطيف، يوسف طلعت، إبراهيم الطيب، هنداوي دوير، محمد فرغلي، عبد القادر عودة، و حسن الهضيبي.
5ـ وفي سابقة هي الأولى من نوعها تعرض الإخوان المسلمون لمحاكمات عسكرية بلغت تسعة محاكمات عسكرية حتى الآن. اثنتان في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر وسبعة محاكمات في عهد الرئيس مبارك، أعدم وعذب وسجن خلال تلك الفترة خيرة شباب وشيوخ وسيدات هذا الوطن.
6ـ شن حملات الاعتقال والتشريد المستمرة لأفراد الإخوان وكوادرهم وغلق مؤسساتهم وإرهاب ذويهم ،وآخر هذه الحملات ما قامت به السلطات الأمنية من إغلاق نحو 15 شركة إخوانية ما بين استثمارات ودراسات وعقارات.
7ـ إعلان حرب إعلامية رهيبة ضد الجماعة وتاريخها وأفكارها ومواقفها ووصمها بأبشع الأوصاف مثل النازية والفاشية والميليشيات والفوبيا والجماعة المحظورة ...إلخ
8ـ اختلاق التهم والأكاذيب والافتراءات مثل قضية التنظيم الدولي وإحياء التنظيم وقلب نظام الحكم وغسيل الأموال...إلخ
لذلك أرى أن من واجب التاريخ أن يسجل في صفحاته هذه الجرائم البشعة وتأخذ محاكم التفتيش المصرية مكانها في التاريخ بجانب محاكم التفتيش الأسبانية والبرتغالية والرومانية ويستبدل اسم أمن الدولة في مصر باسم محكمة التفتيش المصرية.
إن قليلا من التعقل والحكمة يقضي بإنهاء هذه المجازر البشرية والانتهاكات الإنسانية ضد هؤلاء الإخوان ،فهم أولا وآخرا مصريون ووطنيون ومسلمون لا يقلون وطنية ومصرية وإسلاما عن أي من أفراد المصريين، وإن التاريخ والواقع والمنطق ليشهد بذلك وينطق به ،فلا أقل من أن تقترب الحكومة من هؤلاء الناس وتحاورهم كما تحاور الأغراب والأعداء وتصافحهم بحرارة بالغة ، وليس ذلك من أجل عيون الإخوان ولكن من أجل عيون الوطن والمصلحة المشتركة ،فلقد تناسى الغرب إحن الماضي وعداواته وآلامه ،واجتمعت فصائل المجتمع الغربي كله في نسيج واحد من أجل مصلحة بلادهم ورفعة شأنها، وتكتلت القوى وتضافرت الجهود واتحدت الدول الغربية من أجل مصالحها المشتركة ،فيا ليت هذه العدوى تسري بيننا كما سرت محاكم التفتيش فينا !! ونبدأ صفحة وئام وطنية جديدة بين الحكومة والمعارضة وعلى رأسها الإخوان المسلمون من أجل مصلحة البلاد والعباد.
*ماجستير في الفلسفة الإسلامية
21 شارع حمد سالم حمد متفرع من شارع العشرين فيصل الجيزة
مراجع أساسية :
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سلسلة أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين . إصدارات شركة البصائر