المشروع السياسي للإخوان المسلمين يحث على مصالحة وطنية في سورية
المشروع السياسي للإخوان المسلمين يحث على مصالحة وطنية في سورية
لندن - أخبار الشرق
دعا "المشروع السياسي لسورية المستقبل: رؤية الإخوان المسلمين" إلى عقد مؤتمر مصالحة وطنية في سورية، للعمل على "طوي صفحة الماضي" بكل "آلامه"، مؤكداً أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية راجعت مواقفها وتنتظر اشتراك الأطراف الأخرى في سورية في هذه المراجعة.
وبينما رأت الجماعة أن "سياسات النظام الدموية (تسببت) بأزمة وطنية حقيقية"، أوضحت أن "لتلك الأزمة التي أرخت ذيولها على الجميع ملامحها وخطابها". لكن الجماعة اعتبرت أن "مرحلة استثنائية في تاريخ جماعتنا"، مؤكدة أنه "في قلب تلك الأزمة، لم تتخلف جماعتنا عن بسط اليد الإيجابية، لرتق الجرح وإعادة بناء الوحدة الوطنية. تشهد لنا بذلك جميع عروض المصالحة الوطنية، وجولات المفاوضات والمبادرات التي قام بها أشخاص متعددون من داخل سورية وخارجها".
لكن "الجماعة التي راجعت مواقفها وسياساتها في مرحلة الأزمة، من خلال عملية تقويم ذاتية" عبرت عن اعتقادها بأن "المراجعة من جانب واحد لا تكفي، وأنه لا بدّ من أن تشارك جميع الأطراف في هذه المراجعة، حتى يحدث التغيير الوطني المنشود"، داعية إلى"التخلي عن سياسات التفرد والإقصاء والتهميش، عبر مؤتمر مصالحة وطنية، وعقد وطني جديد، تطوى فيه صفحة الماضي بكلّ ما كان فيها من آلام، وما وقع فيها من أخطاء الفعل وردّ الفعل".
وأكدت الجماعة في مشروعها رفضها فكرة العمل السري، معتبرة أن هذا الخيار كان "ملجأ للجماعة من الممارسات القمعية التي واجهتها، وانعكس ذلك سلباً على الوطن بأسره، فالنمو الطبيعي والطاقات البناءة المتسامحة لا تظهر إلا في أجواء الحرية والعدل".
وباختصار، فإن المشروع السياسي للإخوان المسلمين في سورية يتضمن مراجعة للماضي، ويحاول أن يضع تصورات في مواجهة تحديات يجب التصدي لها، بحسب تصور الجماعة.
لذلك، يأتي هذا المشروع الذي يمثل البرنامج السياسي للإخوان المسلمين في سورية خلال المرحلة القادمة.
وفي كل الأحوال، فإن الجماعة تؤكد في مشروعها أنها لا تدّعي بأنها "جماعة المسلمين"، ولا هي وصية على الناس "باسم الإسلام"، وإنما يؤكد أصحاب المشروع أنهم يعرضون مشروعهم على الشعب الذي له في النهاية حق الاختيار.
ويشار في هذا الصدد إلى أن المشروع حظي بثناء عدد من الشخصيات الإسلامية، مثل
الدكتور يوسف القرضاوي، ورئيس الجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ فيصل مولوي، و رئيس "حركة مجتمع السلم" في الجزائر أبو جرة سلطاني، والدكتور عبد الكريم زيدان.
ويستند المشروع أساساً إلى "قراءة النص الشرعي (الكتاب والسنة)، ليعيد المواءمة بين الرؤية الشرعية وواقع القطر العربي السوري". لكن الجماعة "تفرق بين النصوص الإسلامية القطعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة (..) وبين اجتهادات علماء الإسلام (..) والتي تخضع للمراجعة والمناقشة". ويؤكد المشروع في هذا الصدد على الحوار مع الاتجاهات السياسية والدينية والعرقية كافة، في سبيل تحقيق "المصلحة الوطنية العليا".
وتؤكد الجماعة احترامها لـ "حرية الاعتقاد الخاص، وإقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان".
كما ينبه المشروع إلى أهمية ضمان حق المرأة في العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات النيابية، والمحلية، والنقابات، وحقها في عضوية تلك المجالس ، وتولي
المناصب العامة.
وترى الجماعة أن "الإصلاح السياسي وإقامة الحكم العادل هو المدخل الحقيقي والأساسي لكل أنواع الإصلاح الأخرى". وترى كذلك أن "مبادئ الحكم الدستوري في الدولة الحديثة تنسجم في مجملها مع تعاليم الإسلام وقواعده العامة في المساواة والعدل والشورى".
وترى الجماعة أن "الحكم البرلماني الانتخابي الذي يستند على شرعية صناديق الاقتراع الحر النزيه هو أحد وسائل التحقيق العملي لمقاصد الشريعة ولقواعدها العامة في النظام السياسي". وبينما يؤكد المشروع أن الدولة التي تنشدها الجماعة "ذات مرجعية إسلامية" إلا أنه تؤكد من الناحية الأخرى أن الشعب هو "مصدر السلطات".
وتركز الجماعة في مشروعها على الإصلاح الدستوري أيضاً، وترى أن الدستور المنشود يجب أن تشترك في صياغته إرادة شعبية جمعية عبر مجلس تأسيس تمثيلي، مشيرة إلى ضرورة أن يتضمن الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين، و"تجاوز مبدأ (الحزب الواحد قائد الدولة والمجتمع)، وتجاوز صيغة الجبهة الوطنية التقدمية التي تحتكر العمل السياسي".
من جهة أخرى، يدعو المشروع "إلى تأييد القوى العالمية التي تعمل على تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب". كما تدعو الجماعة إلى الحوار مع الحكومات الأوروبية والحكومة الأمريكية لإعادة التوازن الصحيح لعلاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، كما تدعو إلى "تطوير العلاقات مع الشعوب الأوروبية والشعب الأمريكي، وإرسال رسالة واضحة لها مفادها أن المصالح الحقيقية لهذه الدول وشعوبها على المدى البعيد ترتبط بشكل وثيق مع الشعوب العربية والإسلامية".
وتستنكر جماعة الإخوان المسلمين في مشروعها "الإرهاب سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب أفراد، وتدعو لتعريف واضح له حتى لا يبقى ذريعة لمحاربة المستضعفين، مؤكدة في الوقت ذاته أن "مقاومة الاحتلال حقاً مشروعاً".
ويُعد "المشروع السياسي لسورية المستقبل: رؤية جماعة الإخوان المسلمين" أول برنامج سياسي للجماعة منذ عقود، وهو مشروع أطلق في أول مؤتمر صحفي يعقده مسؤولون في الإخوان منذ مطلع الثمانينيات، وهو تطور عدّه مراقبون خروجاً من الحالة السرية التي لازمت عمل الجماعة منذ خروجها من سورية.".
يُشار إلى أن الإخوان المسلمين السوريين اقترحوا في أيار 2001 ميثاق شرف وطني للعمل السياسي في سورية. وعُقد في لندن بين 23 و25 آب 2002 مؤتمر وطني للحوار ضم معارضين سوريين إسلاميين وقوميين ويساريين ومستقلين، تبنى الميثاق باسم "الميثاق الوطني في سورية".
ونص الميثاق على بناء الدولة الحديثة في سورية القائمة على المؤسسية وتداول السلطة وعلو القانون، وأكد التزام موقعيه بنبذ العنف من وسائلهم في العمل السياسي و"بآليات العمل السياسي الديمقراطي ووسائله".
وما زالت الجماعة ممنوعة من العمل السياسي في سورية، وتقول إن مئات المعتقلين وآلاف المفقودين وعشرات الآلاف من المنفيين ما زالوا يعانون من تأثيرات القانون رقم 49 لعام 1980 الذي يحكم على المنتمين إلى الجماعة بالإعدام.