معاناتي مع الإنترنت
معاناتي مع الإنترنت
عادل العابر - الأحو
از المحتلة
[email protected]
للحظة نسيت الحاسوب فمسكت القلم وبدأت اكتب، لم أكمل السطر الأول حتى نهضت وشغلت
حاسوبي وضغطت على أيقونة برنامج الطباعة، ثم نقلت السطر الذي كتبته على الورقة إلى
صفحة الحاسوب ثم أكملت طباعة الفكرة التي أتتني للتو.
وخلال الكتابة، راجعت أكثر من مرة كتب النحو والمراجع اللغوية لأتجنب الأخطاء
النحوية واللغوية، وهذا قد يكون نتيجة الإحتلال الفارسي الذي لم يسمح لي أن أدرس
اللغة العربية في المدرسة أو في الجامعة وإنما تعلمتها بجهود ذاتية.
وبعد تنقيح كتابتي من الأخطاء، حان دور إرسالها إلى المواقع الإلكترونية التي
تتفاعل وقضيتنا الأحوازية أو تلك التي لدى منشئيها ورؤساء تحريرها سعة صدر لتحمّل
الرأي الآخر أو إلى بعض المواقع الأحوازية.
وحالي كـحال الشباب الأحوازيين
الرافضين للإحتلال الفارسي، فقد أحضرتني المخابرات الإيرانية غير مرة وسجلوا هاتفي
الثابت والجوال لتصبح مكالماتي بل كل تحركاتي تحت مراقبتهم، ولهذا فإن إرسال
كتاباتي من إنترنت البيت الذي يستخدم من الهاتف الثابت أمسى شطراً من الجنون، حيث
يعرضني ولا شك لخمسة أعوام من السجن إن لم تكن عقوبتي الإعدام، ذلك بعد أن يكشفوا
أني أكتب عن ظلمهم وحقدهم ضدنا نحن العرب الأحوازيين بل ضد كل العرب. فبإمكانهم
وبكل سهولة إتهامي بالمحارب ضد الله كما اتهموا معظم الشباب الأحوازيين الذين
حكموهم بالإعدام، أو إتهامي بالوهابية ثم صدور الحكم ضدي بالسجن!
منذ أن جاء الخميني إلى الحكم،
أصبحوا يحكمون على معظم الذين يعارضون النظام بالمحارب ضد ولاية الفقيه! وفي
سياستهم الإرهابية، من عارض نظامهم السياسي فقد حارب الله! وجزائه الإعدام! خاصة
إذا كان عربياً!!
خرجت من البيت قاصداً الكافي نت،
أحمل في جيبي قرصاً مرناً يحتوي على ما كتبته عما نعانيه من مصائب الإحتلال
الفارسي، خطورة حمله لا يقل عن خطورة حمل قنبلة! لكني وضعته في جيبي ومشيت.
دخلت الكافي نت وكان مديرها يعرفني فاستقبلني بتحية حارة: تفضل لقد زارتنا البركة.
هل سيسمح لي أن أرسل قصصي دون أن يدفعه فضوله بالتطلع من حاسوبه الرئيسي الذي يسيطر
على جميع الأجهزة الأخرى التي يستخدمها الزبائن؟!... لا أدري ولكن يجب عليّ أن
أحتاط ولا أضع قدمي على موضع لست واثقاً من إستحكامه. لا أتهم الرجل بالعمالة
للمخابرات الإيرانية وأرجح أنه يؤمن بما أكتبه إيماناً تاماً ،لكنه قد لا يكون من
حفاظ الأسرار فينقل ما رأه إلى أصدقائه وعندها سيصدق المثل الذي يقول (كل سرّ جاوز
الإثنين شاع) وسأجد سرّي لدى رجال المخابرات.
فبررت دخولي بسؤال وخرجت قاصداً مقهى ثانياً للإنترنت.
ومن سوء الحظ كانت الأجهزة كلها سوى الجهاز الرئيسي لا تقرأ القرص المرن! فقال لي
الشخص الذي كان جالساً على كرسي الحاسوب الرئيسي: إعطني القرص وسأبعث محتواه إلى
الحاسوب رقم 2 ويمكنك الإرسال من هناك.
رفضت إقتراحه طبعاً وودعته فقال: يبدو أن رسالتك سرية جداً!!
قلت له دون أي إرتباك: في الحقيقة هي رسالة لأحد الأصدقاء.
قال ملحاً: أعاهدك أن لا أنظر إلى نصها!!
أهديته إبتسامة تعني ( قلل من فضولك ) ثم خرجت.
لم أتراجع وذهبت إلى مقهى ثالث
ورابع حتى نجحت.
في ذلك اليوم، لم أنس أني تعبت تعباً مرهقاً، فرحت أبحث عن سبيل آخر يمد أواصري
لشبكة الإنترنت دون أن يضعني في مواقف مريبة أو خطرة لا خوفاً من رجال المخابرات
الإيرانية وإنما حرصاً على مواصلة الكتابة.
فلجأت إلى شركة إتصالات إيرانسل، وهي الشركة الوحيدة التي تقدم خدمات الإنترنت من
الهواتف الجوالة. إشتريت شريحة من البائعين المتجولين بخمسين ألف ريال ( خمسة
دولارات) ثم إشتريت جهاز جوال كلفني الكثير وبطاقة رصيد قيمتها مئة ألف ريال ثم وعن
طريق الحاسوب حاولت أن أتصل بالإنترنت.
ولكن محاولاتي التي استغرقت ثلاث ساعات ذهبت سدى!
استفسرت من بعض الذين يستخدمون إيرانسل، فقالوا أن خطوط الإنترنت مزدحمة في النهار
وعليك أن تحاول ليلاً فقد يحالفك الحظ.
وجلست ليلاً وسعيت كثيراً ولم تسمح لي العناكب بالدخول إلى شبكتها!
حذفت الفيندوز ونصبتها من جديد ونصبت برنامج الجوال وجميع البرامج التي أستخدمها في
حاسوبي وحاولت للمرة المئة وربما المئتين، ولكنها لم تسمح لي بالدخول!
نظرت إلى الساعة، كانت عقاربها تشير إلى منتصف الليل، ودّعت العقارب والعناكب ثم
أطفأت حاسوبي ونمت مرتاح الضمير، لأني قد أديت واجبي تجاه شعبي هذا اليوم. أعلم أني
لم أنجز مهمتي إنما (حاولت). فغرقت في سبات عميق.
استيقظت قبيل أذان الفجر وشغلت
الحاسوب، وما إن نقرت على أيقونة الإنترنت حتى ظهرت علامة الإتصال، فشكرت الله
وبدأت أتصفح المواقع، ولكن السرعة بطيئة جداً، استغرق موقع (ياهو) عشرين دقيقة حتى
فتح!
أرسلت أول قصة كنت قد كتبتها منذ أسبوع، وقد استغرق إرسالها أكثر من ساعتين!
سرعة إن شبهتها بسرعة السلحفاة كنت قد ظلمت هذا الحيوان البطيء.
ولكن حركة بطيئة ولا وقوف كامل.
ومنذ ذلك اليوم، بين أن ينقطع
إتصال شركة إيرانسل وسرعتها المنخفضة جداً،
وبين يقظتي قبل الفجر،
وبين مقاهي الإنترنت،
أرسل كتاباتي المتواضعة.