لماذا التوصية باستبعاد الأحاديث النبوية والاستناد إلى النص القرآني مرجعاً وحيداً؟
لماذا التوصية باستبعاد الأحاديث النبوية والاستناد إلى النص القرآني مرجعاً وحيداً؟
السيد يسين
كتبنا من قبل أربع مقالات عن المشروع الاميركي لصياغة الإسلام الليبرالي والذي يتمثل في التقرير الذي نشرته مؤسسة راند الاميركية للباحثة شيرلي بينار بعنوان الاسلام المدني الديموقراطي:الشركاء والموارد والاستراتيجيات،وذلك عام 2003
وركزنا في تحليلنا النقدي لهذا التقرير الخطير، الذي يقدم لصانع القرار الاميركي لأول مرة استراتيجية معرفية متكاملة تكفل للولايات المتحدة بعبارات التقرير المساهمة في عملية اعادة بناء الدين الاسلامي، من خلال استبعاد الاتجاهات الاصولية والتقليدية، ودعم الاتجاهات العلمانية والحداثية باصطناع شركاء من العالم الاسلامي يقومون بهذه المهمة. وهؤلاء الشركاء سيتلقون دعماً اميركياً مالياً مباشراً. وقد لفت نظري ان الباحثة الاميركية أفردت ملحقاً خاصاً لمناقشة السنّة النبوية والتي تتمثل في الاحاديث، وقررت انه من الضروري تنقية هذه الاحاديث، لان بعضها يستخدم كأساس للفتاوى الدينية التي تستند اليها الجماعات الاسلامية المتطرفة في كراهية الآخر والهجوم على الغرب سياسة وثقافة.
وفي مقالنا عن التشخيص الاميركي للحالة الاميركية التفتنا الى أهمية العنوان الفرعي لتقرير شيرلي بينار الشركاء والموارد والاستراتيجيات وقررنا ان اشارة العنوان الفرعي الى الموارد معناها ببساطة تخصيص موازنات ضخمة للانفاق على المشروع من خلال وكلاء يقومون بمهمة تجنيد الانصار ونشر الكتب واصدار المجلات، التي تحمل الفكر الاصلاحي الاسلامي الجديد ، وأضفنا انه تطبيقاً لذلك فقد صدر قرار من الكونغرس الاميركي بتخصيص منحة مالية ضخمة للوكيل الاميركي المعتمد في مصر، لتنفيذ هذا البرنامج، وإمعاناً في التحدي تقرر ان تكون هذه المنحة حسماً من المعونة الاميركية للحكومة المصرية.
التطبيق العملي
حين كتبنا ذلك في تموز الماضي لم نكن نتصور في الحقيقة ان تشرع الولايات المتحدة بهذه السرعة في تنفيذ خطتها الاستراتيجية التي حددت خطوطها الرئيسية شيرلي بينار، في بحثها الذي سبق ان حللناه بطريقة نقدية.
وقد تولى مركز ابن خلدون الذي يديره الدكتور سعد الدين ابرهيم تنفيذ التوصيات الاميركية الخاصة بالمساهمة في اعادةبناء الدين الاسلامي بما يتفق مع القيم الاميركية، ونظم في القاهرة مؤتمراً موضوعه الاسلام والاصلاح بمشاركة20 باحثاً من جنسيات عربية وأوروبية واميركية بالتنسيق مع ثلاثة مراكز بحثية دولية، هي مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط التابع لمعهد بروكنغز، ومركز دراسات الاسلام والديموقراطية بواشنطن، ومنبر الحوار الاسلامي بلندن. ومن أبرز الشخصيات التي شاركت في المؤتمر جمال البنا من مصر، والذي وصفه سعد الدين ابرهيم في مؤتمره الصحافي بعد نهاية المؤتمر بانه دينامو العمل والدكتور سيد القمني، وفابيولا بدوي من مصر (مقيمة في باريس)، وعبد الحميد الانصاري من قطر، ومحمد شحرور من سوريا، وشريفة مكارندس من الفيليبين، وصلاح الدين الجورشي من تونس، وعبدالله علي صبري من اليمن، ورضوان المصمودي من الولايات المتحدة، ونجاح كاظم من
العراق. بالاضافة الى باحثين اميركيين وأوروبيين.
وقد صدر بيان عن المؤتمر ذكر فيه انه تبنى الدعوة الى اعادة نسق معرفي جديد للفكر الاسلامي ومراجعة التراث الاسلامي مراجعة جذرية، والتصدي لافكار لمؤسسات التي تحتكر الحديث باسم الدين، ومواجهة وتفنيد مقولات ورؤى وأفكار التيارات الدينية المتطرفة، وتكثيف الحوار مع القوى المعتدلة والمستنيرة في المجتمعات الغربية عامة والمجتمع الاميركي خاصة، وأهمية ادماج الحركات الاسلامية في العملية الديموقراطية، وتمكين الحركات المعتدلة من حق الوجود السياسي اذا قبلت بالديموقراطية كخيار استراتيجي، وأقرت بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها قيم المجتمع المدني والدولة المدنية الحديثة، وضرورة اجراء حوار عام موسع مع تيارات الاسلام السياسي السلمي .
غير ان أخطر توصية تبناها المؤتمر دعوته الى تنقية التراث الديني من الحديث النبوي الشريف، والاعتماد فقط على نصوص القرآن كمرجعية وحيدة، والتصدي لافكار المؤسسات التي تحتكر الحديث باسم الدين وخلق مدرسة اجتهاد جديدة في القرن الحالي.
وابتداء يمكن القول ان هذه التوصيات تكاد تكون اعادة انتاج شكلاً ومضموناً لتوصيات شيرلي بينار في تقرير مؤسسة راند ، وخصوصاً في ما يتعلق برأيها في السنة وخطورة الأحاديث النبوية. ومعنى ذلك بكل بساطة ان المؤتمر الذي نظمه مركز ابن خلدون ومولته الولايات المتحدة، كان تطبيقاً عملياً لتوصيات تقرير راند عن الاسلام المدني الديموقراطي.
ويلفت النظر بشدة ان المؤتمر لم يقنع باصدار هذه التوصيات المثيرة للجدل الشديد، ولكنه خطا خطوة أبعد ولها دلالة مهمة حين اعتبر بيان المؤتمر الحاضرين فيه نواة أساسية لحركة جديدة تسمى الاسلاميون الديموقراطيون في العالمين
العربي والاسلامي، يتم دعوتهم بصفتهم الشخصية مرتين في العام لمتابعة التوصيات الختامية للمؤتمر.
ومعنى ذلك ان توصيات التقرير الذي نشرته مؤسسة راند الاميركية والتي تمثل العقل الاستراتيجي الاميركي لشيرلي بينار عام 2002 تم تطبيق توصياته باسم الاسلاميين الديموقراطيين كما أوصت بذلك شيرلي بينار، حين دعت لتوحيد صفوف الاسلاميين الحداثيين بل وبعض الاسلاميين التقليديين، الذين يوافقون على تحديث الدين الاسلامي بناء على الرؤية الاميركية.
ردود الأفعال
وقد قوبلت توصيات المؤتمر التي أعلنت في مؤتمر صحافي في نهايته باعتراضات عنيفة من الحضور كما نشرت ذلك الصحف القاهرية: الاسبوع و المصري اليوم وكذلك نشرة ايلاف الالكترونية، والتي أفاضت في ذكر الهجوم العنيف على منظم المؤتمر والمشاركين فيه، واتهامهم المباشر بالعمالة لاميركا، وتحول المؤتمر فوضى عارمة حين أصر بعض الحضور على اقامة صلاة المغرب في القاعة نفسها التي كان يعقد فيها المؤتمر الصحافي، مما أدى في النهاية الى فشل ذريع للمؤتمر الصحافي.
وبغض النظر عن هذه الاحداث، فان ردود فعل شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وعديد من علماء الازهر كانت بالغة الحدة والعنف، وخصوصاً في ما يتعلق بتوصية المؤتمر بحذف السنّة النبوية الشريفة، والاعتماد فقط على القرآن كمرجعية وحيدة.
وقد جاء في تصريحات شيخ الازهر ان الذين يدعون الى ذلك جهلاء لا يفهمون شيئاً من الاسلام وتعاليمه. وصرح لجريدة المصري اليوم في 8/10/2004 قائلاً بأن الجماعات أو الأصوات التي ظهرت مؤخراً وتطالب باغفال السنّة النبوية واعتماد النص القرآني مرجعية حاكمة وحيدة يسعون بذلك لبتر نصف الدين، لقول المولى عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . ورفض الشيخ ابرهيم الفيومي الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية التدخلات الاجنبية سواء من المستشرقين أو من غيرهم للمطالبة بالاعتماد على القرآن الكريم فقط دون السنّة.
واذا كان من الممكن ان يتهم من نظم مؤتمر الاسلام والاصلاح أو أعضاؤه هذه الآراء التي انتقدت بعنف توصيات المؤتمر، على أساس انها تعبر عن الأزهر وهو في نظرهم معقل الفكر الاسلامي التقليدي، فان آراء نقدية عديدة أخرى صدرت هذه المرة عن عدد من الشخصيات الاكاديمية المصرية البارزة، كشفت فيه ابعاد المخطط الاميركي للتدخل غير المشروع في عملية تجديد الفكر الاسلامي والذي له دعاته واعلامه ورموزه من المفكرين الوطنيين الحريصين على ألا يكونوا أبواقاً لأميركا، يرددون المقولات الاميركية بصدد تجديد الخطاب الديني بغير تبصر، وبغير علم حقيقي بتاريخ الشريعة الاسلامية، ولا بتطورات الفقه الاسلامي، ولا بمدارسه الفكرية.
وقد أجمع هؤلاء الأكاديميون الذين نشرت آراءهم جريدة الاسبوع القاهرية (في 10/1/2004) على ان الجماعات التي يرتبط اسمها باسم اميركا وتدعي انها تدافع عن الديموقراطية في بلادها ما هي الا جماعات عميلة تحرص اميركا على تكوينها داخل الدول العربية والاسلامية وهي جماعات لا تهمها مصالح شعوبها.
وتميز رأي الدكتور حسن أبو طالب رئيس تحرير تقرير الاهرام الاستراتيجي ، لانه تحفظ عن تسمية هذه الجماعات بالجماعات الديموقراطية، مشيراً الى انه يمكن ان نطلق عليها الجماعات غير الحكومية التي تطرح اميركا من خلالها فكرة الشرق الاوسط الكبير والدور السياسي الجديد للحلف الاطلسي. ويضيف ان اميركا تتعامل مع العالم العربي على ثلاثة مستويات: الاول مستوى الحكومات، والثاني مستوى القطاع الخاص، والثالث مستوى الجماعات والمجتمع المدني التي ترفع شعارات الدفاع عن الديموقراطية، مقرراً ان اميركا رصدت مبلغ 29 مليون دولار تخصص لدعم هذه
الجماعات.
واذا كانت هذه هي خطة التدخل الاميركي ليس في المجال السياسي فقط بل في المجال الثقافي، مع التركيز على تغيير الافكار الدينية، فمعنى ذلك ان الولايات المتحدة نجحت حتى الآن في غزو الحكومات العربية من خلال اجبارها من طريق الابتزاز السياسي بالانضمام الى منبر المستقبل الذي سينعقد في المغرب لتلقينهم أصول الديموقراطية على الطريقة الاميركية، كما نجحت في غزو القطاع الخاص من خلال أساليب شتى، وأخيراً تحاول غزو مؤسسات المجتمع المدني العربي.
قد تكون هناك حكومات عربية ضعيفة تخضع للابتزاز السياسي الاميركي، وقد يكون هناك قطاع خاص عربي طفيلي مستعد لان يكون مجرد تابع للاقتصاد الاميركي، ومن المؤكد ان عدداً من الجمعيات غير الحكومية العربية أصبحت من خلال التمويل الأجنبي، أدوات لتنفيذ السياسات الاميركية، غير ان الصورة ليست قاتمة تماماً ! ذلك ان هناك تيارات سياسية قومية عربية مصممة على رفض الهيمنة الاميركية، وعلى رأسها مثقفون عرب ملتزمون قادرون على فتح طريق المستقبل من خلال مشروع نهضوي عربي للعبور بالعرب من التخلف الى التقدم.