إنفلونزا الثورة؟!

إنفلونزا الثورة؟!

صلاح حميدة

[email protected]

منذ الثورة الإيرانية التي جاءت بالنظام الحالي في إيران، والكثير من دول العالم تتعامل مع هذا النظام على أنه حالة مرضية يجب محاصرتها، ومنعها مما يعرف ب (تصدير الثورة)، وبالتالي كان الحصار والحرب وغير ذلك.

إيران الخوميني وإيران خامنئي استمرت في ما تعتبره ثورة، وأخذت على عاتقها دعم قوى المقاومة التي تعتبرها مناوئة لما تعرفه ب (الشيطان الأكبر)، وعلى هذا الخط نسجت تحالفاتها الاقليمية والدولية، وهذا زاد من إزعاجها للكثيرين، طبعاً بالتأكيد لإيران أهداف إستراتيجية كقوة إقليمية، وكدولة تعتبر أنها حامية حمى الشيعة في العالم، فهي تعتبر نفسها دولة الشيعة، وتسعى لجعل نفسها مرجعهم في العالم أجمع.

بقي المحيط العربي، وخاصة المتحالف مع الولايات المتحدة متوجساً من الثورة الايرانية، وظل يعيش هاجس ما يعرف بتصدير الثورة، وأثّر هذا على طبيعة العلاقات الداخلية بين مواطني هذه الدول، وظلت العلاقات متوترة بين الكثير منهم وبين دولهم، ولا حاجة لتفصيل ذلك في لبنان والعراق والبحرين والسعودية، وانتقل ذلك ليصل إلى القطيعة الدبلوماسية الكاملة مع إيران، مثلما حصل من المغرب، والبرود الدبلوماسي مع بقية ما يعرف بدول (الاعتدال) العربي، فيما انفردت قطر وعمان وسوريا بعلاقات مميزة مع إيران، وفاجأت الامارات العربية المتحدة الجميع، بتفوقها على كل المعتدلين العرب في علاقات مميزة جداً مع إيران، واعتبرت أنها الأولى في التبادلات التجارية معها.

هناك من يعزو ما تقوم به دول (الاعتدال) العربي من تعزيز فكرة (فوبيا إيران) أو (فوبيا التشيّع) بأنه لا يعدو عن خوف من السياسات وليس خوفاً من المذهب، ويعزون ذلك إلى أن إيران الشيعية الفارسية قبل الخميني كانت من حلفاء أمريكا، وكانت الحليف الأكبر للمعتدلين العرب، بل ان الشاه الذي احتل جزر الامارات لم يجد له مكاناً يستقبل ويدفن فيه الا في مصر ( الاعتدال) مصر السادات؟!.

إستمرت دول (الاعتدال) العربي في الحرب ومحاولات تحجيم أي حركة عربية تحمل أفكار ثورية، واعتبرت أن هذه الحركات امتداد لإيران ولأفكارها، وتعاملت معها على أنها حالة مرضية، تستدعي الحجر والحصار وأحيانا القتل والاستئصال، وإلى حد ما، استطاعت تلك القوى حصار الحركات الثورية في العالم العربي، ولكنها لم تستطع استئصالها، ولذلك وصلت هذه الدول ومعها الدولة العبرية الى قناعة أنه يجب ضرب إيران بما تمثله من فكر ثوري داعم لتلك الحركات، ولكن القضاء على إيران ليس بالأمر السهل، ولو كان يسيراً لتم منذ زمن بعيد، ولشنق أحمدي نجاد كصدّام حسين.

شكلت الانتخابات الايرانية الحالية مدخلاً مهماً لمن لهم ثأر مع إيران، ففيما نطق الساسة والاعلاميون الغربيون ودعموا حراك موسوي وأنصاره، تجنّد إعلام دول الاعتدال العربي، بل هناك من يتهم مخابراتهم بمرافقته وتوجيهه أيضاً لتفعيل الاحتجاجات دعماً لموسوي وكروبي ضد نجاد، وارتكز هذا الدعم على الترويج لقضايا رئيسية مهمة:-

القضية الأولى:-أن إيران نظام دكتاتوري شمولي، الولي الفقيه هو الآمر والناهي، وهو يصادر كل ما سواه من حقوق، وكأن جميع الدول العربية بلا استثناء دول ديمقراطية ولا يحكمها دكتاتور يتمنى أن يبقى على كرسي الحكم حتى بعد موته.

القضية الثانية:-

مصادرة الحقوق الانتخابية للمواطنين الايرانيين، وتزوير الانتخابات، وهنا يضحك أي مراقب كثيراً عندما يرى من لا يفوز الا ب99% من الأصوات، والتزوير(عيني عينك) كما يقول المثل، ويتباكى على الحقوق الانتخابية والتمثيلية للشعب الإيراني.

القضية الثالثة:-

تسليط الضوء على ما اعتبر تعاملاً وحشياً مع المتظاهرين، وهنا يبرز سؤال هام حول طبيعة العلاقة بين أجهزة الأمن في هذه الدول مع مواطنيها؟ فلو افترضنا أن شعباً عربياً سيثور كما ثار الإيرانيون، فكم من القتلى والمعتقلين سيسقطون ويعتقلون؟ بالتأكيد لو رجعنا إلى الأرشيف، لوجدنا العجب العجاب!.

لم أنظر لما يدور في إيران بأنه سلبي، بل أعجبت بجرأة ورغبة مجموعة من الايرانيين على الاصرار على التظاهر، وطرح مطالبهم عبر هذه الوسيلة الجماهيرية، بالرغم من أنني لا أعلم مدى أحقيتها وصدقيتها، وبالرغم من أن كروبي له تصريحات معادية للمحيط العربي، ويعتبر أن نجاد عروبياً؟! ولامه على المشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي! وكذلك الأمر مع موسوي، ويعتبران أنه يجب التعامل بشدة مع العرب، فقد قام المعتدلون العرب بحشد إعلامهم لدعمهما والترويج لحركة اتباعهما الجماهيرية على أنها حركة الحرية والديمقراطية ضد نظام الولي الفقيه! فهل هذا الدعم العربي يعود بالأساس لأن موسوي أعلن رفضه لدعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية؟!.

بالرغم من أن هذا الحراك الشعبي تحت السيطرة، ولم يخرج عن الطوق، إلا أن الترويج والتسليط الإعلامي الكبير لإعلام (المعتدلين) العرب على هذا الحراك، قد يكون له أثر عكسي عليهم، ففي زمن الانفلونزا العابرة للحدود، قد تنتقل عدوى إنفلونزا الثورات والحقوق والانتخابات الحرة من إيران إلى أقرب داعميها والمروجين لها، وقد ينبه هذا التسليط الإعلامي الكبير لهذا الإعلام على ما يعتبره الحقوق المهدورة للشعب الإيراني المظلوم، قد يثير انتباه الجماهير العربية التي أنساها القمع أن لها حقوقاً فردية وجماعية، وأنها تعيش في ظل أنظمة دكتاتورية بسقف أخفض بكثير من السقف الإيراني.

أتمنى على وسائل الاعلام العربية التي تروج لهذا الحراك الشعبي ألّا تنتبه بعد مقالي هذا، وتعيد النظر باندفاعها لتسليط الضوء على ما يجب أن تحظى به الشعوب من حريات، وأتمنى أيضاً ان تنتشر ( انفلونزا الثورة) وتخرج من حدود إيران لتصل إلى الدول العربية كلها، عل وعسى نتخلص من الديناصورات التي تحكمنا.