من يعتذر؟

من يعتذر؟

خالد الأحمد*

    سبقني الأخوة الأحباب إلى توضيح الالتباس في رسـالة الأستاذ ميشيل كيلو ، وقد أجادوا  جزاهم الله خيراً ، ولكن جرائم النظام السـوري بحق شـعبه لايحصيها بضعة كتّـاب، ولاتسـعها المجلدات ، لذا رأيت أن أعدد على عجالة مايعلق في أذهاننا من جرائم النظام بحق الشعب العربي السوري ، كي يعرف القاصي والداني ، وكل ذي بصيرة أن النظام هو الذي ارتكب الجرائم ، وعليه أن يصلح مايستطيع إصلاحه ، ثم يعتذر للشـعب عن تلك الجرائم .

1 ـ اعتقل آلاف المواطنين في الفترة ( 80 ـ 82 ) ، اعتقلوا مع آبائهم ، أو  كرهائن عن ذويهم ، واستمروا في المعتقلات حتى ( 1992) حيث أفرج عن خمسة آلاف يومها

معظمهم من الرهائن الذين سـجنوا عشر سنوات أو تزيد ،

ضاعت من شبابهم ، لأن أباهم أو أخاهم فلان من الناس . وأعرف الكثير منهم طلاباً في المرحلة الثانوية ، وفي الصف ألأول الثانوي أخذوا مع آبائهم ، وخرجوا بعد عشر سنوات ، بعد أن تخرج زملاؤهم من الجامعات وأنتهوا من خدمة العلم .

 2 ـ اعتقل آلاف الشباب لأنهم طلاب في كلية الشريعة ، ولأنهم يصلون إماماً في حيهم أو قريتهم ، ويخطبون الجمعة إذا تغيب الإمام .  وأحدهم اعتقل في (82 ) وبعد ( 15) عاماً أعـد للخروج من السجن ، وطلب منه ومن الجميع أن يكتب اعتذاراً يندم فيه ويعلن توبتـه ، فقال لمدير سجن صيدنايا : عن أي شيء أعتذر ؟ هل أعتذر عن دخول كلية الشريعة !؟ هل اعتذر عن صلاتي إماماً يوم الجمعة !؟ وقد ثبت لكم خلال (15) سنة أنه لاصلة لي بأي تنظيم داخل سوريا أو خارجها ، فعن أي شيء أعـتذر ؟ وحاول مدير السجن أن يقنعه بأن هذا إجراء شكلي ولابد منه ، وكتب الجميع هذا الاعتذار كما أملاه مدير السجن ، إلا هذا الأخ رفض ورجع إلى السجن ، ليمكث سبع سنوات أخرى حيث يقبل الجلادون أن يخرجوه من السجن بدون اعتذار .

3 ـ اعتقل آلاف المواطنين ، وانقطعت أخبارهم تماماً ، وبعد أكثر من عشر سنوات تزوجت زوجات بعضهم ، وأحياناً تزوجها شقيق الأخ السجين ليربي أبناء أخيه في بيتـه ، وبعد ذلك الزواج ببضع سنين وقد أنجبت المسكينة من الزوج الثاني أكثر من طفل أفرج عن زوجها الأول ، ليواجه الجميع واقعاً مؤلماً تتفطر منه القلوب ، وقد تكررت هذه الفاجعة عشرات المرات في قطرنا المنكوب .

4 ـ وماذا عن سجون النساء التي ذكرتها الأخت هبة الدباغ !!؟ 

       خمس دقائق امتدت إلى تسع سنوات ، ولاصلة لها بأي تنظيم ، بل شمل الاعتقال حوالي عشرة من الطالبات معها في السكن ، جريمة هبة أن أخاها من الشباب المسلم ، وهو خارج سوريا ، وجميع النساء لاصلة لهن بالتنظيمات ، لكن بعضهن التحق بكلية الشريعة ، ولبست الحجاب ، وكأن هذا يكفي لتكون مجرمة في نظر نظام البعث .

وهل سمعت عن سـجن كفر سوسة ، وعن الزنزانة الفردية القذرة التي حشرت فيها تلك المسلمات الجامعيات ، والطبيبات ، والصيدلانيات ، والمدرسات ، لأنهن لبسن الحجاب ، والتحقن بكلية الشريعة ، وحافظت كل منها على دينها وعرضها .

وهل عرفت أن عقوبة بسـاط الريح لم تسلم منها هؤلاء النساء المسكينات ، وأن الماء البارد كان وسيلة إنعاش هذه الفتيات من الغيبوبة على بساط الريح .

وهل عرفت أن الحاجة ( مديحة ) قص لها ( عمر حميدة ) قطعة من لسانها !!؟ بعد أن عراها من ملابسها .

إذا لم تسمع بذلك من قبل فأرجو أن تقرأ كتاب هبة الدباغ ( خمس دقائق تسع سنوات في سجون البعث ) .

5 ـ وهل قرأت كتاب (تدمر شاهد ومشهود ) الذي ذاع صيته في العالم ؛ لتعلم أن النظام أعدم في تدمر قرابة خمسة عشر ألفاً من خيرة ابناء سوريا ، وأن الإعدام استمر يومي الاثنين والخميس لبضعة أعوام . ولتعرف مدى الوحشية التي كان الجلادون يعاملون فيها الأطباء والعلماء والمهندسون وطلاب الجامعات .

وهل سمعت عن فنون التعذيب التي مارسها الجلادون ضد خيرة أبناء الوطن ومنها على سبيل المثال لاالحصر :

بساط الريح ، الصعق بالكهرباء في الأعضاء التناسلية ، الضرب بكبل الحديد ، الجرذان ( الواحد كالقط ) والقمل ، الحلاقة بالموس ، الكرسي الألماني ، الكوليرا ، ورشات الإعدام ، الجرب ، وغيرها .

6 ـ هل تابعت إذاعة عمان الأردنية في بداية الثمانينات لتسمع بأذنك أقوال ( الرقيب عيسى ابراهيم فياض ) و ( العريف أكرم علي جميل بيشاني ) وكلاهما من سرايا الدفاع التي شكلها وقادها رفعت الأسـد نائب رئيس الجمهورية للشئون الأمنية  ؛ الذين أرسلوا لاغتيال رئيس وزراء الأردن يومذاك السيد مضر بدران ، والذين ساهموا في مجزرة تدمر صيف (1980م) ، وكيف أطلقوا النار من الرشاشات والقنابل اليدوية على المساجين من الإخوان المسلمين في مهاجع السـجن ، وراح ضحية هذه الجريمة الوحشية قرابة ألف من خيرة أبناء سوريا.

7 ـ هل تعرف أم هل سمعت مايعاني وما يقاسي منه أبناء وأحفاد المهجرين القسريين في بلاد الـغربة ، يطلبون جواز السفر فيأتي الرد من وزارة الداخلية ( مع عدم الموافقة ، لضرورة المصلحة ) ، هذا الحفيد الذي ولد خارج سوريا ، لم يسجل في الأحوال المدنية السورية حتى الآن ، لماذا !!؟ لأن جـده متهم غير مدان !!؟ جــده لم يســكت كما سـكت الآخرون ، قال للظالم : ياظالم ، عاقبة الظلم وخيمة على الوطن كله ، لأجل ذلك طــرد هذا الجــد من بلده ، وحـرم أولاده وأحفاده من حقوقهم المدنية !!!؟

8 ـ هل قرأت أم سمعت ما جرى عام (1964م) في حماة !!؟ وخلاصته أن مروان حديد أراد أن يقوم بعمل سياسي ( إضراب ، مظاهرات ، اعتصام بالمسجد .....) ـ ولم توافقه جماعة الإخوان على ذلك ـ وأكبر دليل على نواياه السلمية أنه لم تدخل قطعة سلاح واحدة إلى المسجد ، ظن مروان أن الجيش والشرطة لاتدخل المسجد كما كان الفرنسيون !!! ، وأراد أن يتكلم من إذاعة المسجد ويحث الحمويين على الإضراب ،  فماذا كان رد النظام !1؟ هـدم مسجد السلطان بدبابات ( ت54) ، وهدم المئذنة ( أطول مئذنة في حماة ) ، وقتل عشرات الأطفال وتلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة .. واعتقل مروان ومن معه من طلاب المدارس المتوسطة والثانوية ، وحكم عليهم بالإعدام .... وهذا

كان بداية الشرارة التي انفجرت فيما بعد ، والنظام هو السبب ، والتاريخ يشهد على ذلك .

9 ـ هل عرفت جواب حافظ الأسـد لرئيس جمعية العلماء في حماة عندما ذهب يتشفع في مجموعة من المعلمين في المرحلة الابتدائية اعتقلوا على أثر أحداث الدستور عام (1973) ، وقطعت الرواتب عن اسرهم الفقيرة ، غضب الأسد وقال بعنف : لأقطعن اليد التي لم يستطع جمال عبد الناصر أن يقطعها ، وطرد الشيخ من مكتبه . ولما أرادت نقابة المعلمين في حماة دفع سلفة من رواتب هؤلاء المعلمين الموقوفين لأسرهم كي يقتاتوا بها ـ حسب لوائح النقابة ـ غضب امين فرع الحزب ( يوسف الأسعد ) وقال : نحن نريد أن تخرج نساؤهم المحجبات إلى الشوارع يمتهن الدعارة ليطعموا أولادهن .

وبعد هذا غيض من فيض ، فمن يعتذر !!؟ الضحية أم الجلاد !؟ أم أن الكيل بمكيالين صار ميزان العصر !!؟ حسبنا الله ونعم الوكيل .

                   

* (كاتب سوري في المنفى)