من الذي يجب أن يتعذر؟

من الذي يجب أن يعتذر؟

ناصح أمين

وصلتني نشرة كلنا شركاء الالكترونية بتاريخ (21-9-2004)فوجدت فيها مقالا للأستاذ ميشيل كيلو تحت عنوان (رسالة الى أخ مسلم)قرأت المقال أكثر من مرة لأنني وجدت فيها غير الذي عهدناه من الأستاذ ميشيل حيث عرفناه منصفا منطقيا لايظلم أحدا .

ولقد فهمت من مقالته التالي :

-        أن الاخوان المسلمين في السبعينات انعطفوا نحو العنف الطائفي وبسبب ذلك حصلت كل الكوارث السياسية التي عانت منها البلاد وماتزا ل تعاني .

-        يطالب الاخوان المسلمين بالاعتذار الصريح حول الأحداث التي حصلت في الثمانينات بحيث لايحتمل الاعتذار أي تأويل .

-        هناك هوة بين كلام الاخوان المسلمين وأفعالهم .

ان تقييم أي مرحلة أو حدث يحتاج أن يقدم كل طرف شارك بالحدث وجهة نظره ليكون القارئ على بينة من الأمور ولاتبقى التحليلات والتأويلات ملكا لطرف واحد وبناء عليها يصدر أحكامه بحق الأخرين .

فكان لزاما على الأستاذ ميشيل أن يسمع للطرف الأخر ( الاخوان ) فيطلع على وجهة نظرهم كاملة ثم بعد ذلك اذا كان فعلا يريد أن يكون منصفا وغيورا على البلد أن يتكلم بما يمليه عليه ضميره لكنه الظاهر سمع طرفا بسيطا من وجهة النظر الأخرى بينما تبنى وجهة نظر النظام بالكامل وكأني به ناطقا رسميا لهذا النظام فيتكلم بلسانه وبنفس الشعارات التي يطلقها النظام وهذا هو الظلم بعينه أن يتبنى الانسان رواية طرف دون آخر .

والأن نأتي الى كلام الأستاذ ميشيل في مقاله لنوضح للقارئ من الطرف الذي كان وراء تكريس الطائفية ومن الذي استغل الطائفية في أبشع صورها ومن الذي استخدم العنف السياسي والعسكري بحق الأخر وبصورة طائفية ممجوجة, ثم لنرى هل فعلا أن الاخوان هم من بدأ بمسلسل العنف الطائفي ,ثم بعد ذلك نعرج الى التناقض مابين أقوا ل الاخوان وأفعالهم , وقبل الدخول في التفاصيل لابد من وضع بعض النقاط المهمة كا ستهلال لابد منه :

-        كنت أتمنى أن لايتم التعرض للقضية الطائفية ولكن طالما أن الاستاذ ميشيل تعرض لها فيصبح من الواجب التعرض لها لأن نصف الكلام لايعطي جوابا شافيا.

-        فهمت من كلامه وكأن الكاتب الطاهر ابراهيم متحدث رسمي للأخوان ولكنني قرات له أكثر من مقال فسألت أحد اعضاء الاخوان لاعتقادي أنه مقرب من قيادتهم فكان جوابه بعد مدة أن المذكور لايمثل الجماعة بل هو عضو عادي رغم أنه من الاخوان القدامى وأن للجماعة قنوات رسمية تتحدث باسمهم .

-        انني لست من الاخوان لكنني قريب منهم بسبب خلفيتي الاسلامية وقد عاصرت  الاحداث وسمعت من الكثيرين اخوان ويساريين وعلمانيين وبعثيين ومستقلين وشخصيات كان لها دور في العمل السياسي في سورية وكلهم على دراية بالذي حصل وهذا يدفعني أن أوضح بعض الامور التي قد تكون غائبة عن الكثيرين.

-        لاينكر عاقل أن الاعتراف بالخطأ فضيلة والاعتراف خير من التمادي ولكن طالما أن هناك جهتين شاركت بالاحداث فالواجب على كل طرف أن يعترف بالطريقة التي يوضح فيها حجم الخطأ الذي ارتكبه .

والأن لنبدأ بتفنيد كلام استاذنا وليعذرني القارئ الكريم عن الاطالة لأن الموضوع خطير ومهم وحساس ويتطلب عرض الامور بشكل مفصل دون اختزال .

أولا – وصول حزب البعث للسلطة والاستغلال الطائفي

-        في الثامن من أذار وصل البعث للسلطة بانقلاب عسكري  بينما الاخوان رفضوا هذا الاسلوب وعلى لسان مسؤول الجماعة أنذاك الاستاذ عصام العطار وهذا معروف لكل من عاصر الحياة السياسية في ذلك الحين .

-        البعثيين وغيرهم ممن وقع على وثيقة الانفصال عن مصر بينما رفض الاخوان التوقيع عليها وهذا ماسبب لهم بعض المشاكل مع الحكومة أنذاك

-        ذكر الرئيس السابق أمين الحافظ في برنامج الجزيرة شاهد على العصر كيف كان يتم تسريح بعض الضباط من الجيش وجلهم من أهل السنة وأكد ذلك الاستاذ أحمد أبو صالح ذلك .

-        مجرد وصول حزب البعث للسلطة تم فرض قانون الطوارئ والأحكام العرفية وما نشأ عنها من قوانين استثنائية استخدمت كلها بكل قسوة مع مكونات الشعب السوري واكتشف المواطنين أن اسرائيل هي سورية .

-        تم انشاء أكثر من سبعة عشر جهاز أمن ومخابرات ومئات فروع التحقيق المنتشرة في كل محافظات القطروجل هذه الاجهزة يرأسها اشخاص من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها حافظ الأسد , كما تم تشكيل مليشيات خاصة خارج نطاق الجيش وسيطرته ويشكل العلويين خمس وتسعين بالمائة من أفراد هذه المليشيات .

-        أقدم حافظ الأسد على تسريح الاف الضباط واغلبهم من أهل السنة وسجلات المؤسسة العسكرية شاهدة على ذلك , كما تم استبعاد أو قتل أو اعتقال أو نفي كل الشخصيات البعثية التي يتوقع حافظ السد أن تشكل له أي معارضة مثل قتل صلاح البيطار وميشيل عفلق وصلاح جديد وغيرهم كثير .

-        في سنة 1964 قاد الاخوان مظاهرات سلمية أبدوا فيها أعتراضهم على نهج حزب البعث الاستئصالي والمعادي للاسلام وحينها صرح حافظ السد في حماة بانهم سيصفون الاخوان جسديا .

-        وفي نفس العام قاد العسكريين البعثيين ( العلويين ) حملة عسكرية على مدينة حماة وتم تهديم جامع السلطان وقتل العشرات وذكر الضابط نبهان أن تدمير حماة كان مخطط له منذ ذلك الوقت .

-        لدى وصول حافظ الأسد للحكم بداية السبعينات صرح رفعت الأسد أنه سيعمل على محو مدينة حماة من الخارطة السورية , وفي سنة 1980 قال ايضا انه كان في سورية ثلاثة الله والاسلام والبعث ولقد قضينا على الأثنين وبقي البعث .

-        وفي 25-6-1967 كتب ابراهيم خلاص في مجلة جيش الشعب بالعدد 794 :الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هي خلق الانسان الاشتراكي الجديد الذي يؤمن أن الله والأديان والاقطاع ورأس المال والاستعمار وكل القيم التي سادت في المجتمع السابق ليست الا دمى محنطة في متاحف التاريخ .

-        كل الضباط والعسكريين والساسة أكدوا أن القنيطرة سقطت ببلاغ عسكري كاذب على لسان وزير الدفاع حافظ الاسد وأن سقوط الجولان يمثل خيانة عظمى ويكفينا كتاب سقوط الجولان للضابط خليل مصطفى بريز وكتاب كسرة خبز لوزير الاعلام سابقا سامي الجندي وكتاب المؤامرة ومعركة المصير لرئيس وزراء اردني سابق سعد جمعة وشهادة وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن الاكتع وشهادة الدكتور دريد المفتي المفوض بالسفارة السورية في مدريد وشهادة اللواء أحمد سويداني وغيرهم كثر حيث اكدو أن سقوط القنيطرة والجولان كانت خيانة عظيمة لم يحاسب عليها وزير الدفاع والضباط الكبار .

-        وفي عام 1974 نشرت مجلة جيل الثورة في العدد 85 صورة امرأة عارية متكئة على قبة مسجد وقد كتب على عورتها المغلظة لفظ الجلالة .

-        وفي عام 1980 تم لقاء بين حافظ الاسد ومساعد وزير الجارجية الامريكي فيليب حبيب وكان المترجم الطبيب الخاص لحافظ الاسد جوزيف الصايغ الذي قتله النظام لانه كشف عن حيثيات اللقاء والذي ابدى فيه حبيب استعداد أمريكا لمواصلة دعم حافظ الاسد بما في ذلك تدمير مدينة حماة والقضاء على الاخوان مقابل قضاء الاسد على الفلسطينيين في لبنان .

-        وجاء في مقررات المؤتمر القطري لحزب البعث لعامي 1965و1980 ماقترحه حافظ الاسد بالعمل على القضاء على الاخوان .

-        وفي المؤتمر الطلابي في جامعة دمشق عام 1975 حرض حافظ الاسد الطلبة البعثيين والعلويين على القضاءوتصفية الاساتذة الرجعيين الاسلاميين تحت حجة عرقلة مسيرة الحزب والثورة .

-        وفي الشهر العاشر عام 1981 صدرت الاوامر بنزع الحجاب عن المسلمات في كل محافظات القطر ومنع كل محجبة من دخول الجامعة او المدرسة او مكان العمل .

-        وفي الشهر الثاني عام 1980 نشرت مجلة الفرسان العدد 127 على لسان رفعت الاسد :أريد من حكام العرب أن يفهموا من سورية كل شئ وليجعلوا من الرفيق الاسد قبلة يعبدونها بدلا من الركوع أمام أوثان الاسلام .

-        وفي الشهر التاسع عام 1979 صدرت المراسيم ذات الارقام 1249 و1250 و1256 والتي بموجبها تم ابعاد وتسريح المعلمين والمدرسين ذوي الاتجاه الاسلامي .

-        وفي عام 1971 تم تشكيل المجلس الاعلامي من سبعة عشرة شخصية ( 12 علوي و 4سنة و1 مسيحي ).

-        ان سجلات البعثات التعليمية تسجل ان اكثر من 95 بالمائة منها كان حصرا على الطائفة العلوية .

-        وفي عام 1979 عندما وقعت حادثة مدرسة المدفعية ثبت ان اكثر من 90 بالمائة من الطلاب كانوا علويين , ولقد اصدر الاخوان بيانا واضحا استنكروا فيه الحادثة حتى أن حافظ الاسد قال لاعلاقة للاخوان بهذه الحادثة .

-        ان القيادات العسكرية ورؤساء أجهزة الامن والمخابرات وبعض الوزارات وخاصة الحساسة والمهمة والمليشيات الخاصة والحرس الجمهوري منذ (1963 والى يومنا هذا )

كلهم من الطائفة العلوية ومن أراد الدليل فانني مستعد أن أزوده بقوائم الاسماء والرتب والوظيفة لكل هؤلاء .

-        صرح عبد الحليم خدام عام 1982 عندما كانت المؤسسة العسكرية تستعد لتدمير مدينة حماة أن فيها مائتي مسلح , ومقابل هؤلاء قام الجيش والميليشيات الخاصة بقتل أكثر من ثلاثين ألف مقاتل وتدمير ثلث المدينة بمافيها ثمانون مسجد وأربعة كنائس .

-        ارتكبت قوات الجيش والميليشيات الخاصة عشرات المجازر الجماعية في سجن تدمر وحي المشارقة في حلب وجسر الشغور وسرمدا ومسجد الروضة في حلب واللاذقية ودير الزور وغيرها من محافظات القطر وقتل بسبب هذه المجازر عشرات الالوف من المواطنين .

-        وفي عام 1980 صدر قانون العار رقم 49 والذي يقضي بالاعدام على كل من ينتسب للاخوان في الوقت الذي لم تكن الاحداث على اشدها .

-        بلغ عدد المعتقلين والمفقودين من الاخوان ومؤيديهم عشرات الالوف وهؤلاء لابواكي لهم بينما غيرهم تقوم الدنيا ولاتقعد من اجلهم لكنه النفاق والكيل بمكيالين .

بعد كل ذلك ماذا تقول يا أستاذ ميشيل فمن الذي كرس الطائفية ومن بدأ بالعنف ومن الذي نصب العداء للاسلام والمسلمين في سورية .

ومع ذلك حسب علمي أن جماعة الاخوان دعت لتشكيل لجنة مستقلة تقوم بتقصي الحقائق لتسمع من كل الاطراف ثم تصدر قولها الفصل بالاحداث والاخوان مستعدين حينها لتحمل كامل المسؤولية بما يخصهم من أخطاء ارتكبوها .

ثانيا – رغم كل الذي حصل حاول الاخوان وفي كل مناسبة أن يعبروا عن منهجهم الاصيل لكن النظام أغلق كل الابواب والنوافذ وتركها مفتوحة لاجهزة الامن والمخابرات .

-        ومع استلام بشار الاسد للحكم بطريقة غريبة معروفة للجميع صرح الاخوان بالتعالي على الجراح ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة لكن النظام طنش كل ذلك وكأن الامر لايعنيه .

-        وبعد التهديدات الامريكية لسورية صرح الاخوان وفي أكثر من مناسبة أنهم لايمكن لهم أن يستقوا بالخارج على وطنهم .

-        لم تعقد ندوة أو حوار الا وكان الاخوان فيها ايجابيين يمدون يد التصافح بينما كان النظام يحظر على الاخرين الالتقاء مع الاخوان .

-        أصدر الاخوان ميثاق الشرف ومشروعهم الحضاري الذي عبروا فيهم عن رؤيتهم لسورية المستقبل ومع ذلك كان رد النظام على لسان المسؤولين بان الاصلاح وهم لا أحد يتوقعه وخاصة تصريحات عبد الحليم خدام الاخيرة .

-        صرح فاروق الشرع في عيد الصحفيين أن الاخوان تعرضوا للظلم , والمعروف أن من يعترف بظلمه للاخرين عليه المبادرة لرفع حيف هذا الظلم فهل فعل ذلك النظام .

-        كل الذين يلتقون مع شخصيات اخوانية يجدون أن الاخوان فعلا جادون في طروحاتهم وانني من الذين حاوروا عدة شخصيات اخوانية على مستوى القيادة فوجدت منهم عزم قوي في طرحهم بل وجدت منهم دفعا قويا بهذا الاتجاه أكثر من تيارات أخرى في المعارضة .

ثالثا – انني مع الاعتذار والاعتراف بالاخطاء من كلا الطرفين وكل حسب مساهمته بالذي  حصل أما أن يكون الاعتذار من طرف واحد هو الاخوان بينما الطرف الاخر متعجرف ومتعالي ويرفض كل أشكال المصالحة الوطنية بل يزيد الطين بلة عندما يكثف من الاعتقالات والعمل بقانون الطوارئ والاحكام العرفية ويرفض الحوار ويغلق الباب أمام أي بادرة فانني أعتقد أننا مازلنا نعيش العهد الماضي وكفانا ضحكا على أنفسنا .

          وكم أتمنى أن يكون في سورية مئات مثل الاستاذ رياض الترك الذي لم يرهبه سوط الجلاد والسجان فرغم سنوات الاعتقال الطويلة لم يجامل ويرواغ زكان ذلك بامكانه لكنه لايريد أن يكون امعة .

          واذا كان النظام جادا بمصالحة وطنية فأين جماعة ربيع دمشق وأين اعضاء مجلس  الشعب الذين اعتقلوا لمجرد انتقدوا تصرفا غير دستوري .

           وهل المصالحة تقتضي اعتقال حتى الاطفال واحالتهم الى محاكم أمن الدولة .

          عليك يا أستاذ ميشيل أن تكون صادقا مع نفسك قبل كل شئ وأن لاتضع واقية على عيونك لحجب الحقيقة التي ترفض أن تراها بل تريد اقناع نفسك وغيرك أن الامور تمام  فيكفيكم خداعا للشعب فما هذا الذي ينتظره منكم بل يريد منكم أن تقودوه نحو لحظة الخلاص من السيطرة الطائفية والسيطرة البعثية لان البعث هو القائد للدولة والمجتمع

          وأن تخلصوه من سيطرة قانون الطورائ وسيطرة الامن والمخابرات على ابسط الامور.

          ان هذا الشعب الصابر المتحمل لكل أشكال الضيم والاضطهاد لم يتأمل منكم أن تخدعوه  بعد أن عرف منكم الانصاف لكنكم فجأة تحولتم عن نهجكم وما عاد خطابكم يختلف عن  خطاب النظام.

         ثم الى متى سيصبر هذا الشعب وبلدنا تتهدده المخاطر وأصبحت حدودنا الشرقية محاطة بقوات غازية ستحيل البلد لاسمح الله الى قاعا صفصفا فهل أصبح الزعيم أهم من الارض والى متى ستبقى الرؤوس مدفونة بالرمال والى متى سنبقى كالنعامة والى متى سنبقى  سذج نتارجح بين وعود الاصلاح فينطبق علينا المثل القائل انني اسمع

جعجعة ولا أرى  طحنا .

         الى متى سنبقى نمجد الاصنام فينطبق علينا قول الشاعر عمر ابو ريشة رحمه الله

          أمتـي كم صنم مجدتـه    لم يكن يحمل طهر الصنم

          لايلام الذئب في عدوانه    إن يك الراعي عدو الغنـم