أوقفوا نزيف الدماء

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

1 – لحساب مَن هذا الاقتتال ؟

لحساب مَن هذه الحملات المسعورة من الاقتتال بين المسلمين ؟ ولحساب مَن هذه الدماء النازفة من الجهتين المسلمتين ؟ ولحساب مَن هذه المعاناة القاسية للنساء والأطفال والشيوخ ؟ ولحساب مَن هذا الفقدان الكريم لحياة النازحين عن منازلهم وأعمالهم إلى المجهول ؟! .

مَن المستفيد غير أمريكا والصهاينة , مِن تسخير الجيوش في حرب المسلمين , فبدلاً من أن تحول فوهات المدافع نحو المعتدي المتآمر , ها هى توجه نحو أشقاء الدين والإيمان والوطن ؟! .

- إنه إعلان صريح عن فشل المشروع الصهيوأمريكي في المواجهة , التي دأبت الهزيمة أن تلاحقهم , منذ حرب لبنان , ومروراً بصمود غزة , واليوم انتهاءً بالعراق وأفغانستان

-  إنه نوع جديد من الحرب يقوده أوباما , بطعم آخر , بعيد عن نكهة بوش ,  من قتل المسلمين للمسلمين , عقب الانهيار السريع لاقتصادهم , وفي أتون محاصرتهم بأزمة مالية طاحنة , رغم محاولات الإنقاذ المتوالية الفاشلة .

-  إنه التصميم القديم الجديد على تصفية الإسلام , رغم حقائق التاريخ التي بددت تصميمهم هذا , ( كلما أوقدوا ناراً للحرب , أطفأها الله ) المائدة 64, حيث لا ينكر ذلك إلا جاهل عقيم , أو غبي سقيم , أو متآمر لئيم , من حلفائهم الذين باتوا من أكابر المفضوحين عالمياً .

فهل وصل الحال بسفرائهم الأشاوس , ورجالهم الفوارس , إلى إنقاذ مشروعهم من التهاوي , ولو على حساب جماجم الأمة الإسلامية إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً وأخيراً عسكرياً ؟! , لماذا وصل الحال بهم إلى هذا التردي الذليل , في أن يكونوا عبيداً لأسيادهم ؟! , إنها صفات المنافقين , التي أصبحت فيهم كالطلاء بالنسبة للجدران , فلا هم عندهم النخوة لطردها , ولا هي تستطيع الانفكاك عنهم , ولذلك فهم كاذبون , مزيفون , غشاشون , مراوغون , خائنون , فماذا نطلب منهم بعد هذا الطلاء المتين ؟ فكل ما يقولونه , أو يفعلونه , وكل ما يسحرون به أعين الناس , أو يطربون به مشاعر البسطاء , في إعلامهم اوصحفهم أوفضائياتهم , مثل الأغاني الشبابية الأجنبية التي تملك قلوب العذاري , ويتراقض عليها البلهاء , وهم لا يفهمون لها أي معنى ! .

2 – فمَن يوقف سيل الدماء ؟

فمن يوقف هذا الخراب الداهم , وهذه الفوضى العارمة , وهذا النزيف الهاطل ؟

من يوقف هذه الحرب الصهيوأمريكية التي يقودها أوباما بنكهة أشد شراسة ؟

من يوقف هذه الجريمة النكراء , التي لا تغتفر في سفك الدماء بأيدينا وفي حقنا ؟

لقد سئل الشيخ جاد الحق , شيخ الأزهر الجرئ  : هل الاقتتال بين المسلمين جهاد في سبيل الله ؟ , فأجاب : ما بين المسلمين يدخل تحت الحديث : ( إذا التقى المسلمان بسيفهما , فالقاتل والمقتول في النار ) متفق عليه , وبذلك لا يكون جهاداً في سبيل الله , والواجب على الأمة التدخل للصلح بمقتضى قوله تعالى : ( وإن طائفتان من المسلمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما , فإن بغت إحداهما على الأخرى , فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله , فإن فاءت فأصلحوا بيبهما بالعدل , وأقسطوا , إن الله يحب المقسطين , إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم , واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات 9 ) .

فهل بعد هذا الإيضاح , يجوز للأمة أن تقف موقف المتفرج أو الشامت , والمعارك تطحن المتخاصمين ؟ وهل يجوز للأمة أن تتجمد مشاعرها نحو إخوانهم , وهم يرونهم أشلاء ممزقة ؟ وهل من برهة زمنية , تظهر الأمة فيها تقواها وإيمانها , رحمة بدماء إخواننا ؟ والله يأمرنا : ( واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات 10, هل من نصرة لإخوان الدين , بكل ما نملك ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم , ينادي كلاً منا : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) , قالوا يارسول الله : كيف ننصره ظالماً ؟ قال : ( تحجزه عن ظلمه فإن ذلك نصره ) متفق عليه.

 فإن سآل سائلون اليوم , كيف نحجز المتقاتلين عن الظلم ؟ كيف نوقف سيل الدماء ؟ كيف نوقف جريمة القتل ؟ فهذا رسولنا الأسوة , يجيب لنا على هذا التساؤل , فيقول صلي الله عليه وسلم  : ( سألت ربي ثلاثاً : فأعطاني اثنتين , ومنعني واحدة , سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسِّنة - الفقر والقحط -  فأعطانيها , وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق – السيول والطوفان – فأعطانيها , وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم شديد – الشقاق والاقتتال - فمنعنيها ) متفق عليه , فما الحكمة في ذلك ؟ لقد اتفق العلماء أن الله جعل هذا الخير في أمتنا , ما التزمت بأمرين , هما كوجهي العملة , لا ينفصل أحدهما عن الآخر بحال من الأحوال , وإلا كانت أقرب بيديها إلى الهلاك :

 الأول : آداء التكاليف الفردية العملية , كالصلاة والصوم والزكاة وغيرها من العبادات , والثاني : التكاليف الجماعية العملية , مثل التعاون والتآخي والتكافل والتناصروالتضامن والتعاضد , ولهذا كان التحذير الدائم من كل من : الاختلاف والتفرق والنزاع والشقاق والاقتتال , لأنها تحلق الدين , بمعني تزيل الدين , يقول صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قلنا : بلى يا رسول الله , قال : إصلاح ذات البين , وفساد ذات البين هى الحالقة , لا أقول تحلق الشعر , ولكن تحلق الدين ) رواه أحمد .

 فالامتحان ممتد في الزمان , والاختبار آت في أي لحظة , فهل نحن على استعداد لاستقباله ؟ وهل نحن على جاهزية لمواجهته ؟

3 – أين نحن من نزيف الدماء ؟

أما إذا وقع الاقتتال , كما هو اليوم , في مشاهده المروعة , في باكستان , وأفغانستان , والعراق , والصومال , والسودان , والفلبين , وأندونسيا , وسيريلانكا , هذا غير المعتم عليه إعلامياً , يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفهما , فالقاتل والمقتول في النار ) , قالوا : يا رسول الله هذا القاتل , فما بال المقتول , قال : ( لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) , ويقول صلى الله عليه وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) , بل اتفق علماء الأمة : على الجندي المسلم ألا يطيع قواته المسلحة , في قتال أي مسلم , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) متفق عليه , لأن في رفضه الاستجابة , أكبر سبب يدعو إلى عدم البغي , ففي رفض الجنود لقتل المسلم , نزع القوة التي بيد الباغي , وحجز له عن الظلم .

فأين نحن من التآخي والاتحاد ؟ والله يأمرنا :

-  ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) آل عمران 103

-  ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) الأنبياء 92 .

-  ( إنما المؤمنون إخوة , فأصلحوا بين أخويكم , واتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات 10 .

-  ( ولا تنازعوا , فتفشلوا , وتذهب ريحكم , واصبروا إن الله مع الصابرين ) الأنفال 46 .

وأين نحن من التناصر والتعاضد والتكافل ؟ والرسول يقول لنا :  

-  ( المؤمنون تتكافئ دماؤهم , ويسعى بذمتهم أدناهم , وهم يد , على من سواهم ) رواه أحمد .

-  ( المسلم أخو المسلم , لا يظلمه , ولا يخذله , ولا يحقره ) رواه مسلم .

-  ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض , ألا ليبلغ الشاهد الغائب ) متفق عليه . 

فما العلاج ؟ وما المطلوب ؟

إلى متى الصمت يا أبناء الأمة ؟

إلى متى تشارك جيوش الأمة في سحق أبنائها ؟

إلى متى الحياد الرهيب يا علماء الأمة وأئمتها ؟

إلى متي هذا الموت يا أحزاب الأمة وهيئاتها ؟

أبعد قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها , وغضب الله عليه , ولعنه وأعد له عذاباً أليماً ) النساء 93 , يكون ركود وقعود ؟

وهل أتى علينا ما حذرنا منه رسولنا صلى الله عليه وسلم ؟ وهو يقول : ( والذي نفسي بيده , ليأتين على الناس زمان , لا يدري القاتل في أي شئ قتل , ولا يدري المقتول في أي شئ قتل ) رواه مسلم  .

وهل يحق لنا أن نصدق تبريرات الخائنين , وهم يخرجون علينا في حملات إعلامية منظمة , زاعمين : أن حرب الجيوش لحماية الناس من المتمردين ! , ولحماية الدولة من الإرهاب ! ولمواجهة الأطراف التي تتحدى النظام ؟ والبطش بمن يزعج ويهدد و يعكّر ؟ غير عابئين بالاعتداء الأمريكي اليومي على الممتلكات والأرواح ؟ غير مبالين بالعبث الصهيوني المتواصل بمقدراتنا وثرواتنا وعقولنا ؟ .

فيا دعاة الأمة :

 حان دوركم , وقد سلّمتكم الأقدار أجلّ مهامكم , هذه فرصتكم , لإظهار الصدق والإخلاص والعمل , في اتباع الأسوة صلى الله عليه وسلم , وهو يقول : ( قل هذه سبيلي , أدعو إلى الله على بصيرة , أنا ومن اتبعني ) يوسف 108, فكونوا كالأوائل الذين صلحت بهم أمتنا حينما أعلنوا للناس في وضوح الآتي :

1 - مصلحة الأمة العامة فوق أية مصلحة , ولا رفعة للأمة , إلا بالاحتكام إلى الحق وشرع الله الحكيم , ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين , يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام , ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه , ويهديهم إلى صراط مستقيم ) المائدة 15 - 16.

2 – الإسلام يحافظ على المسلم , في صورة عملية , لم يشهدها العالم , يقول صلى الله عليه وسلم : ( لزوال الدنيا أهون على الله , من قتل رجل مسلم ) , وقد أعلن النبي ذلك في يوم عرفة , والعالم كله يسمعه , وهو ينادي بأعلى صوته :

( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم , كحرمة هذا في شهركم هذا , في بلدكم هذا , وستلقون ربكم فيسالكم عن أعمالكم , ألا ترجعون بعدي ضلالاً , يضرب بعضكم رقاب بعض , ألا هل بلغت ؟ ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) .

3 – الطائفتان وصفهما الله بالإيمان , مادامتا تحتكمان إلى شرع الله , فإن بغت إحداهما أو الاثنتين , فلابد من قوة تردهما إلى الشرع والصواب , فالغرض هو رد القوة الباغية إلى الصف , وليس الهدف القضاء على الباغي , لأن القتال ليس هدفاً في حد ذاته .

4 – الواجب يقع على جميع المسلمين , أفراداً و جماعات ومؤسسات وهيئات وحكاماً وشعوباً وحكومات , فالمؤمنون إخوة , لعلكم ترحمون من الشقاق والركون إلى الدنيا , فيقع البلاء على الجميع .

5 – واجب الوقت الآن , وجهاد اللحظة الساعة , في الاحتكام إلى القرآن , ودعوة الحكام إلى الحُكم به , لمواجهة هذه الحرب الجديدة , وقد كشف النبي صلي الله عليه وسلم , عن هذا السر في قوله :

( ومالم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) رواه ابن ماجة .

 فهل من أوبة إلى الحق ؟

وهل من  وقف لنزيف الدماء بين المسلمين  ؟