الانتخاب أمانة

الانتخـاب أمـانــة

يقول الدكتور صلاح الصاوي ( وهو أول من قرأت له في هذا الموضوع في كتاب قضية تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي ص172 ) : لقد تمهد في فقه الشريعة أن ولاية أمور الناس من أعظم الأمانات ، وقد أمر اللـه جل وعلا بأداء الأمانات إلى أهلها - فقال عزوجل : { إن اللـه يأمـركـم أن تـؤدوا الأمـانـات إلى أهـلها } - النساء : 58 -. يقول ابن كثير (1/516) : نزلت هذه الآيــة في عثمان بن أبي طلحة لما أخذ رسول اللـه r مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده إليه ، وكان قد قام إليه علي

بن أبي طالب t ؛ ومفتاح الكعبة في يـده ، فقال يارسول اللـه اجمع لنـا الحجـابة مـع السـقايـة صلى اللـه عليك ، فقال رســول اللـه r أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له ، فقال له : [هاك مفتاحك ياعثمان ، اليوم يوم وفاء وبـر] ، والآية وإن كانت نزلت في ذلك فإن حكمها عام فتعم كل أمانة وتشمل كل أحد ، قال ابن كثير رحمه اللـه (وسواء نزلت في ذلك أم لا فحكمها عام ، ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية : هي للبر والفاجر، أي هي أمر لكل أحد) . أي هي أمر لكل حاكم بأن يعطي الولاية لممن يستحقها من أهلها ؛ دون النظر إلى قرابة أو منفعة شخصية أو قبلية أو حزبية أو طائفية ، وهي كذلك أمر للناخب المسلم - وقد أعطي حق تولية المرشحين - بأن يعطي صوته لمن يستحق هذه الولاية .

وفي روح المعاني للألوسـي (5/63) : ( وقد روي عن زيد بن أسلم واختاره الجبائي وغيره أن هذا خطاب لولاة الأمر ، أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة ، وعدوا من ذلك تـوليـة المناصب مسـتحقيها ، وجعلوا الخطاب الآتي لهم أيضاً ) .

وقوله تعالى { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنـه كان ظلوماً جهولاً } - الأحزاب : 72 - قال الإمام القرطبي : ( الأمـانــة تعـم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور ... وهي الفرائض التي ائتمن اللـه عليها العباد ) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :      ( إن ولايــة أمـر الناس من أعظــم واجبات الديـن ، بـل لاقيـام للديـن إلابهـا ) ـ السياسة الشرعية 184ـ  وقال رســـول اللـه r لأبي ذر t لما سـأله الإمــارة : [ إنهـا أمـانـة ، وإنهـا يـوم القيـامة خـزي وندامـة ، إلا من أخذها بحقـها ، وأدى الذي عليه فيها ] ([1]). قال الوزير ابن هبيرة : ( دل هذا الحديث على خطر الإمارة وأنها أمـانـة ، وأي أمـانـة ، وأنها على الأكثر والأغلب خـزي ونـدامـة في يـوم القيامـة ، إلا من أخذها بحقها ، ويعني بقوله [ إلا مــن أخذها ] بما فيها من حـق مجمعــاً على أدائـــه فيهــا . ثـم قــال [ وأدى الذي عليه فيهـا ] والمعنى أن يفي بأداء تلك الحقوق ) ([2]) .

والانتخـاب توليـة للمناصب ، وقـد أعطيت هذه الأمانة للناخبين كي يولوا هذه المناصب مستحقيها ، ممن هم كفـؤ لها ، أي قد حملوا أمانـة ، وكما أن الأمير أو الإمام مكلف شرعًا بأداء الأمانات إلى أهلها أي أن يولي ويوظف القوي الأمين كما أراد الشـرع ، وإن هو لم يفعل ذلك فقد خان الأمانـة كما سنبين ، كذلك فإن الناخب أعطي هذه الأمـانـة وهي توليـة من يعتقـد أنـه الأصلح للمنصب الذي ينتخـب لـه ، وعلى الناخب أن يـؤدي الأمانـة ولايضيعـهـا .

يقول الدكتور الصاوي (ص175) : ( وإذا ثبت أن تولية أمور الناس من جنس الأمانات ، فقد أمر اللـه عزوجل في هذه الآية وغيرها من أدلة الشرع بأداء الأمانات إلى أهلها ، وقد جعل النبي r إضاعة الأمانة بتوســيد الأمر لغير أهله من علامات الساعة ، وجعل خيانة الأمانة خصلة من خصال النفاق فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة t : قال رسول اللـه r : [ آية المنافق ثلاث - زاد مسلم : وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ، ثم اتفقا - إذاحدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر، وفي رواية لهما وللترمذي والنسائي مثله ، والثالثة : إذا اؤتمن خــان ] ([3])، كما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد اللـه بن عمرو tما قال : قال رسول اللـه r [ أربع من كن فيه كان منافقـاً خالصـاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق ، حتى يدعها، إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهدغدر، وإذا خاصم فجر] ، وبين أن من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى للـه منه ؛ فقد خـان اللـه ورسوله والمؤمنين . كما روى ابن عباس t قال: قال رسول اللـه r : [ من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هوأرضى للـه منه فقد خان اللـه وخان رسوله وخان المؤمنين] ([4]) ، والناخب يستعمل رجلاً من عصابة (أي يوليه) عندما ينتخبه ، فعليه أن يحذر خيانة اللـه ورســوله والـمؤمنـين .

وعن يزيد بن أبي سفيان قال : قال لي أبو بكر الصديق t حين بعثني إلى الشام يايزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، ذلك أكثر ما أخاف عليك ، فقد قال رسول اللـه r : [ من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محـاباة فعليه لعنة اللـه ، لايقبل اللـه منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهـنـم ] ([5]) . وأخــرج الشيخان عن معقل قـال : سمعت رسول اللـه r يقـول : [ مامن عبد يسترعيه اللـه رعيـة يمـوت يـوم يمـوت وهـو غـاش لـرعيته إلا حـرم اللـه عليه الجنــة ] ([6])  .

يقول ابن تيمية رحمه اللـه : ( فليس عليه أن يستعمل إلا الأصلح الموجود ، وقد لايكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسـبه ، فإذا فعل ذلك بـعد الاجتهاد التـام ، وأخـذ للولاية بحقـها ، فقـد أدى الأمـانـة وقام بالواجب في هذا ) ( السياسة الشرعية 25 ) .

ويشرح ابن تيميـة رحمه اللـه ذلك فيقول : ( إن الرجل لحبـه لولـده ... قد يؤثره في بعض الولايات ، أو يعطيه ما لايسـتحقه ، فيكون قـد خـان أمـانتـه .. أو محاباة من يداهنـه في بعض الـولايــات فيكــون قد خـان اللـه ورسـوله وخان أمانته) ( السياسة الشرعية 21 ) .

المستشــار مـؤتـمـن :

والناخب المســلم مستشار من قبل الأمـة في تولية من يصلح لعضوية مجلس الأمـة ، أو لانتخاب من يصلح لرئاسـة الدولة ، والمستشار مؤتمن ، أي يجب عليه أن يـؤدي الأمــانة التي استشارته الأمـة فيها ، فلا يغـش أمتـه لأن رسول اللـه r قال : [ من غشــنا ليس  منـا ] ، ويغــش أمتـه عندما يولـي ( ينتخب ) قريباً أو صديقاً وهو يعلم أن المرشـح الآخر أرضى منه للـه ورسوله، فقد روت أم سلمة وأبو هريرة tما قالا : قال رسول اللـه r : [ المستشـار مؤتمــن ]([7]) .

وعـن أبـي هـريـرة t أن رسول اللـه r قال : [ من أُفتيَ بغير علم، كان إثمه على من أفتـاه] ، وزاد في رواية [ ومن أشــار على أخيه بأمر يعلم أن الرشــد في غيره ، فقد خانه ] ([8]).

 

أهــل الأمــانــات

ويبنبغي أن يعرف الناخب المسلم أهل الأمانات ،كي يؤدي إليهم أماناتهم ، وبعبارة أخرى يجب أن يعرف الناخبون صفات المرشـــح الذي يصلح لمجالس البلديات ، أو مجالس الولاية (المحافظة) أو مجلس النواب ، كي يختاروا من تتوافر فيه تلك الصفات ، فيؤدوا الأمانات إلى أهلها .

شــروط الحاكم المســلم :

وهذه الشروط يجب توفرها في رئيـس الدولة المسلمة ، وعلى الناخبين المسلمين ( أعضاء مجلس النواب ) أن يتأكدوا من توفر هذه الصفات في المرشح الذي ينتخبونه ،كي يكون انتخابهم موافقاً لشرع اللـه عزوجل .

1- الإسـلام : ويتحرى الناخبون صحة عقيدته ودينه ، فليس كل من ولد من أبوين مسلمين مسلماً بالضرورة ، وهناك نواقض للشهادتين([9]) ينبغي إشاعة ذكرها وتعلمها من قبل المسلمين ، حتى يعرفوا المسلم من غير المسلم .

2- الذكـورة : وقد اتفق سلف هذه الأمة وخلفها على أنه لايجوز للمرأة أن تلي رئاسـة الدولة المسلمة ، لقوله r [ ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] ([10]). ولقوله عزوجل :{ الرجال قوامون على النســـاء } ( النساء : 24 ) والآية وإن نزلت بخصوص القوامة في الأسرة ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الســبب، وإذا كانت المـرأة أقل كفاءة من الرجل في إدارة شؤون الأسرة ، فمن باب أولى أن تكون أقل كفاءة في إدارة شـؤون الدولة (محمد عبد القادر أبو فارس ، 182) .

3- العـدالـة : وتتحقق العدالة عند من قام بالفرائض والأركان وتوقى الكبائر من الآثام ، لايصر على الصغائر ، وأن يكون صادق اللـهجة ، ظاهر الأمانة ، بعيداً عن الريب ، مأموناً وقت الرضا والغضب ، لايجاهر بمعصية ، ولايجور في الحكم . (مقدمة ابن خلدون 212) . وعلى هذا فلا تجوز إمارة الفاسق لأنه متهاون في الدين ، والخليفة مأمور بتأديب الفسقة ، فكيف يكون منهم !؟ يقول ابن خلدون (ولاخلاف في انتفاء العدالة  بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات) .

4-  الكفـاءة : قال تعالى : {إن خير من اسـتأجرت القوي الأمين} ( القصص:26 ) ، والقوة للرئـيس أن يكون شجاعاً ، ذا رأي سديد ، وحنكة سياسية ، يقظاً بعيداً عن الغفلة ، وأن تتوافر فيه معظم شروط القوة . ومنها سلامة الحواس والأعضاء .

5- العـلـم  : واشترط العلماء المتقدمون أن يكون مجتهداً ، ومنهم الماوردي الشافعي والفراء الحنبلي ، وابن خلدون ، والبغدادي ، وغيرهم . وأفتى فقهاء المذاهب المتأخرون بجـواز إمامة غير المجتهد ، لكن له من العلم ما يكفيه لمناقشة القاضي في حكمه ، والوالي في تدبيره ، عالماً بالحلال والحرام ، والكتاب والسنة .

ومن علمه أن لايطلب الإمارة لأن الرسول r قال : [ وإنا واللـه لانولي هذا الأمر أحداً سأله أو حرص عليه ] ، ومن أعطاه اللـه علماً لا يطلب الإمارة ؛ لأنه يعرف أنها حسرة وندامـة ، ومن أعطاه اللـه علماً يؤثر الآخرة على الأولى . ومن علمه أن لايرشـح نفســه ولايزكيها ، ولكن حـزبـه أو جماعتـه هي التي ترشـحه وتلزمـه بذلك .

ونضيف إلى شـرط العلم أن يكون مطلعاً على ما نسميه اليوم العلوم الإنسانية ، ومنها علم الاجتماع وعلم النفس ، وعلم الاقتصاد ، وعلوم الإدارة والسياسة ، ومسايراً للفكر المعاصر . فيجمع بين الأصالة والتجديد .

6- النسـب القـرشــي : وقد تغايرت وجهات نظر العلماء في هذا الشرط ، وجمهور العلماء يراه شرطاً لازماً ، مستدلين بالحديث الشريف [ الأئمة من قريش ] ، وأجمع الصحابة على هذا ، والفريق الثاني لايرون هذا الشرط واستدلوا بما يلي :

أ- قول رسول اللـه r [ اسـمعوا وأطيعـوا وإن اســتعمل عليكم عبد حبشي كأن رأســه زبيبــة ] (فتح الباري بشرح البخاري 16/239) .

ب- يقول الجويني : (225) ( وليس اشتراط القرشية تشريفاً لشجرة النبوة فحسب كما ذهب قوم ، بل هو شــرط زمنـي) ، وكان شرط كمال لها في حينه لفضيلة في قـريش لأنهم كـانوا أهـل غلب تنقطع بهم الفـتن . ثم ذهبت قريش كما ذهب غـيرها ، وبقيت حــاجة المسلمين للإمـام قائـمة . وقــد أخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني والبــزار ببعضـه عـن أبي هريرة t قال : قال رسول اللـه r : [ أسـرع قبائـل النـاس فنـاء قريــش ] ([11]).

ج- وقول عمر t :[ لوكان ســالم مولى أبي حنيفــة حياً لوليته ، أو لما دخلتني فيه الظنة ] ( المسند رقم 129 ) وقوله أيضاً [ إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني اللـه : لم استخلفته على أمة محمد r ؟ قلت : إني سمعت رسول اللـه r يقول [ لكل نبي أميناً وأميني أبو عبيدة عامر بن الجراح ، فأنكر القوم ذلك وقالوا : ما بال علياً قريش ؟ يعنون بني فهر ، ثم قال : فإن أدركـني أجلـي وقد تـوفـي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل ] ( المسند رقم 108)  . ووجه الدلالة في قول عمر t أنـه يـرى استخلاف غير القرشـي كسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل الأنصاري ، وهما ليسا قرشـيين .

رأي ابـن خـلـدون : يرى ابن خلدون أن قريش هي العصبية الغالبة في الأمة ، فحيثما وجدت هذه العصبية الغالبة كانت الإمامة فيهم، ومعنى ذلك أن قريش عند ابن خلدون رمز للقبيلة القوية أيام الرسولr، وعندما تضعف قريش أو تتلاشى ، وتوجد القوة في قبيلة غيرها فيجب أن يكون الخليفة من القبيلة القويـة عند ذلك . لأن الحكم عند ابن خلدون يقوم على العصبية ، ولابد له منها ، أي لابـد مـن وجـود جـماعـة تتعصب للخليفـة وتلتـف حولـه ، تحميه وتسدده وتعينه على أمره . ويرى بعض المعاصرين أن الحـزب هو العصبـة اليوم ، وبالتالي يجب أن يكون الرئيـس مـن الحزب الأقوى في الأمة ، كي يساند هـذا الحـزب رئيـس الدولة في مشاريعه .

يقول الجويني في غياث الأمم (229) : (إذا وجد قرشي ليس بذي دراية وعاصره عالم تقي ، يقدم العالم التقي ، ومن لاكفاية فيه فلا احتفال به ، ولا اعتداد بمكانه أصلاً ) .

شـروط أهل الشورى ( أعضاء مجلس النواب ) :

ونسميهم اليوم مجلس النواب ، أو مجلس الأمـة ، أو مجلس الشـعب ، ينتخبون من قبل المجالس الولائية  - كما في الشورى وهو الأصـح - أو من قبل مجالس البلديات ، أو من قبل عــامة الشــعب ـ كما هي الديمقراطية ـ ، وتبيين شــروطهم ضروري ليعرف الناخب المسلم مـن ينتخب ؟ ويعرف كيف يؤدي أمانة الانتخـاب التي أنيطت بـه عـلى وجهها الصحيح ، الـموافق لكتاب اللـه وسنة رسوله r . وهذه أهم الشـروط :

1- الإسـلام  : ويتحرى الناخبون صحة عقيدته ودينه ، فليس كل من ولد من أبوين مسلمين مسلماً بالضرورة ، وهناك نواقض للشهادتين ينبغي إشاعة ذكرها وتعلمها من قبل المسلمين ، حتى يعرفوا المسلم من غير المسلم ، وليس كل من يدعي الإسلام مسلماً . ومجلس الشورى هم أهل الحل والعقد ، وينبغي أن يكون مسلماً ، لأنه مجلس شورى يسـن القوانين المستنبطة من كتاب اللـه وسنة رسوله r، ولايستطيع غير المسلم أن يفعل ذلك . يقول المودودي : ( والذمـي الذي يعيـش في دار الإسلام لايجوز أن يكون من أهل الشورى ، ولم نجد واحداً منهم في عهد النبوة أو الخلافة الراشدة صار من أهل الشورى ، أو صار أميراً على قطر من الأقطار الإسلامية ، أو قاضياً ، أو قائـداً في الجيـش ، وكان عـددهم عشرات الملايين في عهد الخلافة الراشدة ) ـ نظرية الإسلام وهديه (302) ــ .

2- الـذكورة  : والرجال أقدر على معالجة القضايا العامة ، وقضايا تطبيق الشريعة الإسلامية ، ومع ذلك يرى بعض العلماء المعاصرين مثل القرضاوي وغيره ؛ جواز أن تكون المرأة نائبة في مجلس الأمـة ، وليس هنا مجال مناقشة ذلك  لكن استناداً إلى فقه الواقع وهو أننا نشارك في مجالس نيايبة وانتخابات سـن دستورها غيرنا ، نشارك فيها كما هي ، فإذا كان الدستور يقرر أن تكون نسبة معينة من النساء  سمحنا لنسائنا بالترشح لهذه المجالس . والأرجح ( عندما نسن القوانين حسب الشريعة الإسلامية ) أقول الآرجح عدم جواز ذلك وهذه أدلة ساقها أنصار المنع وهي ( انظر حكم تولي المرأة الإمامة والقضاء والوزارة ، للأمين الحاج محمد أحمد ) :

1- لم تستشر امرأة واحدة يوم السـقيفة .

2- لم يستشر الصديـق t امرأة واحدة يوم الردة .

3- لم تستشر امرأة واحدة يوم استخلاف عمر للستة رضي الله عنهم .

4- لم تستشر المرأة قط في مجلس شورى خلال حكم الراشدين .

ويقول الجويني (ص62) : ( فما نعلمه قطعـاً أن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام - وعقد الإمامة - وهذا هو عمل مجلس النواب فإنهن ما روجعن قط ، ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة عليها السـلام ، ثم أمهات المؤمنين t ، ونعلم أنه لم يكن لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومكر الدهور ) .

وقد ذهبت لجنة فتوى كبار العلماء بالأزهر وعلماء آخرون معاصرون إلى عدم جواز عضوية المرأة لمجلس الشـورى وهذه أدلتهم :

1- من الكتاب :

أ- قوله تعالى : { ولهن مثـل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } ( البقرة : 228 ) .

ب- { الرجال قوامون على النسـاء ..} ( النساء : 34 ) .

ج - { وقرن في بيوتكن .. } ( الأحزاب : 33 ) .

2 ــ من الســــنة  :

أ- [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] . ومجلس الشورى ( النواب ) له ولاية عامة قد تكون أقوى من ولاية رئيس الدولة .

ب ــ [ المرأة عورة إذاخرجت استشرفها الشيطان] (الترمذي 3/476) .

ج- [ وإذا كانت أمراءكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاؤكم ، وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ] (الترمذي 4/529).

هـ- [ لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم ] ( البخاري 9/243) .

و - روي عن رسول اللـه r أنه قال : [ كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النسـاء غير مريم بنت عمران ، وآسيا امرأة فرعون... ] ( رواه مسلم في فضائل خديجة 2431 ) .

3- دليل الواقع والتاريخ :  لم تسهم المرأة في سقيفة بني ساعدة ... كما مرآنفاً .

4- المعقـول : عدم جواز الاختلاط يؤدي إلى عدم جواز المساهمة في مجلس النواب يقول مصطفى السباعي يرحمه اللـه ( إني أعلن بكل صراحة أن اشتغال المرأة بالسياسـة يقف الإسلام منـه موقف النفـور ؛ إن لم يكن موقف التحريـم ، لا لعدم أهلية المرأة لذلك ، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنـه ، وللمخالفات الصريحة لآداب الإسلام وأخلاقـه ، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها ) ( المرأة بين الفقه والقانون ، ص156 ) .

وقد بين الماوردي عدم لـزوم كون المرأة مفتية أن تكون قاضية ([12]) بقوله : ( كل من يفتي في الشرع جاز أن يشاوره القاضي كالأعمى والعبد والمرأة وإن لم يجز أن يكون واحد منهم قاضياً ) ( أدب القاضي 1/164 ) . ومن باب أولى أنه لا يصح لها أن تكون نائبة في المجلس ( أبو حجير ص 472 ) . وقـد منـع الإمام البنـا تولي المرأة الولايات العامة كالقضاء والحكم والوزارة وأن تكون من أهل الحل والعقد الذين يقررون مصير الأمـة في السلم والحرب ( أبو فارس ، 63 ) .

3- الـعـلـم  : أخرج البخاري عن عبد اللـه بن عباس t قال : [ قدم عيينة بن حصن بن حذيفـة بن بـدر فنزل على ابن أخيـه الحـر بن قيـس بن حصن وكان من النفـر الذين يدنيهـم عمـر وكان  القــراء أصحـاب مجلـس عمـر ومشاورته كهولاً أو شـباناً ] ([13])وذلك بأن يلم بالشريعة الإسلامية ، ومعرفة الأحكام الشرعية ، حتى لا يخالف اجتهاده حكماً شرعياً ثبت بالكتاب والسنة أو الإجماع . وقد اشترط بعضهم أن يصل مرتبة الاجتهاد - كما هو الإمام - ، ولم ير بعضهم هذا الشرط لازماً ، واكتفوا بأن يكون عالماً بكتاب اللـه وسنة رسوله r .

ونضيف إلى شرط العلم أن يكون مطلعاً على ما نسميه اليوم العلوم الإنسانية، ومنها علم الاجتماع وعلم النفس ، وعلم الاقتصاد ، وعلوم الإدارة والسياسة ، ومسايراً للفكر المعاصر . فيجمع بين الأصالة والتجديد . ومن العلم أيضاً أن لايزكي نفسـه ، ولا يرشـح نفســه ، ولكن حزبـه أو جمـاعتـه هي التي ترشحه وتلزمه بقبول ذلك .

ويرى عبد القادر عودة أنه لا يشترط لأهل الشورى أن يكون ملماً بكل العلوم ، بل بأحدهـا ، ويكفي أن يتوفر الاجتهاد في مجمـوعهـم لا فـي كـل فرد منهم ( أوضاعنا السياسية ، ص210 ) .

4- العدالـة  :  وهي أن يكون قائماً بالفرائض والأركان ، مجتنباً الكبائر من الآثام ، غير مصر على صغيرة ، لايتحكم بـه هواه . قال الماوردي ( أن يكون صادق اللـهجة ، عفيفاً عن المحارم ، متوقياً للآثام ، بعيداً عن الريب ، مأموناً في الرضا والغضب ، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه ) ( ص 64 ) .

5- القـوة  : وفي مقامنا هذا تعني القــوة لعضو مجلس الأمـة أن يكون ملتزماً بالإسلام عقيدة وشريعة ، وأن يكون قادراً على إقامة الحجـة والانتصار للشريعة ، ودحـض شــبهات خصـومها ، والدرايـة بمكائد هؤلاء الخصوم ، وأراجيح السياسـة ، والقدرة على التعامل مع هذه الأجـواء بقدرة وكفاية وديانة ، فلا تحمله الكفاية والدهاء على التخوض في محارم اللـه ، أو أن يستعمل من الحيل والأساليب ما يسخط اللـه ، ولا تحمله الديانة على الإفراط في حسـن الظـن ، والغفلة عما يجري حولـه فينخدع ويغبن ، ويتحول إلى أضحـوكة بل ألعـوبة في يـد خصوم الشريعة من خبراء الدجـل ودهاقنـة السياسـة ، والخلاصة أن يكون كما قال عمر t ( لست بالخب ولا الخب يخدعني ) . (صلاح الصاوي ، 175) .

وبعد : أخي الناخب المسلم ، هذه شروط أعضاء مجلس الشعب (النواب) الذين ينوبون عنك في السهر على تطبيق الشريعة الإسلامية ، والمجلس النيابي أعلى هيئـة تشريعية في المجتمع لذا لابد أن تتوافر فيه هذه الصفات ، ليتمكن من القيام بعمله ، فانتبه أخي الناخب المسلم إلى أنك حـُمّلّتَ أمانة ، وهو صوتك الانتخابي ، إنه أمانة تضعها فيمن توفرت فيه هذه الشروط ، كلها أو معظمها ، عندما لانجد من تتوفر فيه هذه الشروط كلها ، وعندئذ نخـتار الأمثل فالأمثل . واحذر أخي الناخب المسلم أن تخون الأمانة ؛ من أجل عشيرتك أو حزبك ، فلا عشيرتك ولاحزبك يغنيان عنك من اللـه شيئاً يوم لاينفع مال ولابنون ولاحزب ولاعشيرة إلا من أتى اللـه بقلب سليم وعمل صالح .

والحمدلله رب العالمين

         

الهوامش


 


([1]) مسلم 3/1457، رقم الحديث 1826 ، في الإمارة .

([2]) الإفصاح عن المعاني الصحاح 2/197، رقم الحديث 385 في فؤاد عبد المنعم أحمد ، شيخ الإسلام ابن تيمية والولاية السياسية الكبرى في الإسلام . ص 214 .

([3]) رواه البخاري (1/83)في الإيمان وغيره ، ومسلم رقم 59 في الإيمان ، والترمذي رقم 2633في الإيمان ، والنسائي 8/117في الإيمان .

([4]) أخرجه الحاكم في المستدرك ك الأحكام ب الإمارة أمانة عن ابن عباس بألفاظ متقاربة (4/95). وقال صحيح الإسنادولم بخرجاه ووافقه الذهبي .

([5]) أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي بكر وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافـقه الذهبي ، وأخرجه مسددبإسنادحسن (2/233)، المطالب العالية وأخرجه أحمد بطريق فيه مجهول(1/6).

([6]) الحديث لفظ مسلم أخرجه في موضعين ك الإيمان ب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار (1/350) والـثاني ك الإمارة ب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر (4/492) . وأخرجه البخاري في ك الأحكام ب من استرعى رعية فلم ينصح (9/80) .

([7]) أخرجه الترمذي رقم 2823 ، وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة رقم 5128.وهو حديث حسن .

([8]) أبوداود رقم 3657، والدارمي 1/57، والحاكم في المستدرك .

([9]) ذكر الشــيخ سعيد حوى في كتابه (الإسلام) عشرين ناقضاً للشهادتين ، وقد أخذها من مجموعة التوحيد النجدية ، وهذه أهمها :

1- الشرك في عبادة اللـه . 2- من جعل بينه وبين اللـه وسائط يتوكل عليهم . 3- من لم يكفر المشركين ومن يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم ؛ كفر . 4- من اعتقد أن هدي غير الـنبي r أكمل من هديه ، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ، كمن يفضل حكم القوانين (الوضعية ) على حكم الإسلام . 5- من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول r ولو عمل به كفر . 6- من استهزأ بشيء من دين الرسول r أو ثوابه أو عقابه كفر . 7- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين . 8- الإعــراض عن دين اللـه لايتعلمه ولايعمل به . (انظر مجموعة التوحيد النجدية 37-39) .

([10]) البخاري (13/45) في الفتن والمغازي ، والـترمذي (2263) في الفتن ، والـنسائي (8/227) في القضاة ، وأحمد في المسند (5/38) .

([11]) أحمد في المسند 2/336 ، وفي مجمع الزوائد 10/28، وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ببعضه والطبراني في الأوسط ورجال أحمد وأبو يعلى رجال الصحيح . 

([12]) من المؤلم المبكي أنه في كثير من البلدان المسلمة تجد قاضياً غير مسلم ، لأن القاضي عندهم يحكم بالقوانين الوضعية التي يدرسها الطالب في كلية الحقوق ، وأكثر من ذلك تجد المرأة قاضية ، وأي امرأة !! سافرة متبرجة نصف عارية ، تحكم بين المتنازعين بغير ماأنزل اللـه ،ومما لايكاد يصدقه عقل المسلم أن بعض قضاة المسلمين مرأة نصرانية معروفة بعدم الاستقامة في سلوكها الشخصي .  ولاحول ولاقوة إلا باللـه العلي العظيم .

([13]) البخاري ، ك الاعتصام ، ب قول اللـه {وأمرهم شورى بينهم }،9/113 . والقراء هم العلماء .