زَيْفُ المصطلحات

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

لكلّ عِلمٍ مصطلحاته التي تُستخدم للتعبير عن حقائقه العلمية، ولكلّ فنٍّ كلماته، التي تشرح أصوله وفروعه وجزئياته .

السياسة عِلْمٌ من جهة، وفنٌّ من جهةٍ ثانية .. لذلك فهي تزخر بالمصطلحات العلمية والفنية، التي تدلّ على الموقف أو الظرف أو الحادثة في مكانٍ وزمانٍ معَيّنَيْن .. وبما أنّ السياسة في عصرنا الحاليّ، الذي ينعم فيه العالَم بنعيم النظام الأميركي الجديد!.. بما أنها لم تَعُد عِلماً ولا فنّاً، فقد حوّلها (رعاة البقر) وأذنابهم، إلى أكوامٍ من (الخزعبلات) و(الخرافات)، فأصبحت السياسة عِلم (اللفّ والدوران) وفنّ (الاحتيال والتلاعب والخداع والنفاق)، وتحوّل العالَم إلى مسرحٍ أقرب للشعوذة منه إلى السياسة الحقّة، وتكاثر المشعوذون بشكلٍ مذهلٍ، فأصبحت السياسة مهنة كلّ المخاتلين، الذين وجدوا فيها سِتاراً لنفاقهم وغشّهم ومواهبهم الخادعة الباهرة !..

وتكاد السياسة تصبح مهنةً عسكريةً، حين توالت عمليات القفز على السلطة التي أتقنها العسكريون، للتربّع على كرسيٍّ سياسيّ !.. وأصبح المشهد أمام كلّ مواطنٍ في العالم الثالث، يبعث على الضحك والبكاء والمرارة في آنٍ!.. مشهد العسكريّ المُغرق في عسكريّته، الذي يقفز بانقلابٍ عسكريٍّ أبيض أو أحمر، فيجد نفسه على كرسيّ الحكم، فارِضاً حُكْمه وجنوده وزبانيته على ملايين البشر، باسم الديمقراطية والتصحيح والإصلاح وحقوق الإنسان!.. متى؟!.. في زمن النظام الأميركي الجديد، الذي يحظى فيه (رعاة البقر) بنصيبٍ كبيرٍ من ممارسة السياسة!..

إنّ للعولمة بعض مزاياها الإيجابية القليلة، لكنها متخمة بالسلبيات الكثيرة، وأهم ما في العولمة من سلبيات، أن يتحوّل العالَم بمؤسساته وسياسيّيه إلى: (جَوْقةٍ) ممتدّةٍ لا تغيب عنها الشمس!.. تُردّد ما يُردّده قائد (الكَوْرَس)، بحسن نيّةٍ أحياناً، وبسوء نيّةٍ في أغلب الأحيان، فيصبح العالَم بكلّ مؤسساته السياسية والإعلامية، أسراباً من (الببّغاوات)، يسوقها غُرابٌ واحد!..

عندما نقول أو نسمع كلمة: (خرير)، لا بد أن نتوقّع أنّ الكلمة التي تليها هي: (المياه)،  فتصبح: (خرير المياه) .. وكذلك الحال بالنسبة لمصطلحاتٍ أخرى غيرها، من مثل: (خوار الثور) و(صرير القلم) و(فحيح الأفعى) و(حفيف الأوراق) و(زئير الأسد) و(مُواء القطة) و(نباح الكلب) و.. وهكذا لا يصحّ مطلقاً أن يتغيّر المصطلح إلى غير التركيب الذي رُكِّبَ عليه .. وإلا فإنّ المشهد سيكون غريباً ومضحكاً !.. فلا يمكن أن نقول مثلاً: (زئير الأفعى) أو (صرير الثور) أو (مواء المياه) أو (فحيح الكلب) أو (خرير القطة).. أو!..

لكنّ كلّ شيءٍ ممكنٌ في زمن السياسة العرجاء، وعصر المصطلحات العوراء!.. والزمن الصليبيّ اليهوديّ، وعالَم (رعاة البقر)!.. فالقتل واسترخاص الدم البشري يصبح: (إفراطاً) في الغضب!..أو(دفاعاً) عن النفس!..

والتشريد والتدمير واقتحام البيوت وهدمها فوق رؤوس ساكنيها، وإبادة البشر والشجر والزرع والضِّرع تصبح: (مبالغةً) في العنف!.. و(خطأً) بشرياً مبرّراً!..

وانتهاك سيادة الدول وخرق القوانين الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة، وشنّ الحروب الغارات وعمليات التجسّس والاغتيال السافر تصبح: (تصعيداً) أو (تسخيناً)!.. أو (مكافحةً) للإرهاب!..

والانسحاب من أرضٍ أو مجموعةٍ من الأراضي المحتلة يصبح: (إعادة انتشار)!..

والحرب تصبح: (السلام)!..

والجهاد لتحرير البلاد والعباد من رِجس المحتلّ الغاصب يصبح: (إرهاباً)!..

والتحريك يصبح: (تحريراً)!..

والهزيمة تصبح: (نصراً مؤزّراً)!..

والمغتصِب يصبح: (حبيباً) و(حليفاً)!..

والاعتداء على المواطن واغتصاب ماله وعِرضه، ومصادرة بيته وممتلكاته يصبح: (أمناً)!..

والفساد في الأرض يصبح: (تطهيراً)!..

وبائع الأرض بثمنٍ بَخْسٍ، وهاتك العِرض، وقاتل الأحرار ومعذّبهم يصبح: (زعيماً تاريخياً)!..

والاستخذاء والاستسلام والجُبن يصبح: (ضبطاً للنفْس)!..

والخروج عن أبسط معاني الشرف والقِيَمِ والدّين والخلق القويم السويّ يصبح: (تقدّماً وتحضّراً)!.. و(خيراً) في مواجهة (الشرّ)!..

والحكم الوراثي يصبح: (جمهورياً)!..

والانقلاب العسكريّ يتحول بقدرة قادرٍ إلى: (اقتراعٍ) انتخابيٍ واستفتائيٍ نزيه!..

واللصّ يصبح: (شريفاً)!..

والنَّحْرُ يصبح: (انتحاراً)!.. والخيانة: (حُنْكةً)!.. والعبث: (خياراً استراتيجياً)!.. والعبودية والمهانة والذل: (تحرّراً)!.. والاحتلال بكلّ أشكاله: (تحريراً واستقلالاً)!.. والتحيّز السافر: (حياديّةً)!.. والتواطؤ مع المجرمين والظلم والظالمين: (نزاهةً) و(إحقاقاً للحقّ)!.. و.. إلى آخر كلمةٍ من المعجم السياسيّ العالميّ اليهوديّ الصليبيّ.. الفضيحة!..

إنها لعبة المصطلحات وسِحرها، ومعاجمها المعاصرة، بكلّ شعوذتها ونفاقها ودَجَلِها، وجهلها   وجاهليّتها!..