بين المبادرة العربية وخارطة الطريق

بين المبادرة العربية وخارطة الطريق

.... بقيادة أم المؤمنين

من فانتازيا الأدب الساخر

( من لم يتذوق ويفقه معنى وفلسفة الأدب الساخر فلا يلمني )

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

تزوج أحد زعماء الوطن العربي الكبير، ولكنه لم يتمكن من زوجته في ليلة الزفاف ، وأحضروا له كل الأطباء لتبييض وجهه مع صاحبة الصون والعفاف ، ولكن على غير فائدة .

 ذهب إلى العطار لعله ينقذه من ورطته ؛ فيحصل على وصفة من وصفات الطب العربي ، وقد أرّق الضعف الجنسي مضاجعه ، ونغّص عليه حياته ، حتى أصبح في بيته كماً مهملا لا قيمة تُذكر له ، ولكنه اتصل أخيرا بالرئيس الأمريكي بوش ، لعله يجد لديه وصفة تساعده الدخول على عروسته ، شاكيا له تأخر الطب عند العرب ؛ بسبب سوء حال البلاد والعباد ، رغم شهرة العرب الكبيرة بفحولتهم الجنسية ، فوصف له بوش وصفة لا نظير لها في عالم الدخلة وبياض الوجه ، ألا وهي خارطة الطريق .

لقد أصبح اليوم في كل بيت أكثر من خارطة طريق ، خارطة للصرف الصحي المنزلي ، وخارطة طريق لشراء الخضروات المنزلية من السوق ، وأخرى لمصروفات البيت ، وخارطة تشرح آليات مهنة العامل ووظيفة الموظف ، وخارطة لأداء الصلاة في المسجد ، وخارطة للتزاور والتراحم وتحديد معالم العلاقة بين الأهل والجيران .... حتى أصبح على كل وجه منا ذكر وأنثى خارطة طريق ، وفي كل بين وشارع وحي توجد خارطة ، وكل ذلك من اجل تحقيق العولمة والشرق الأوسط الجديد ؛ رغبة في تحقيق شعار : شعب عربي واحد وأمة عربية خالدة ، فعاش القائد ، وعاش الوطن ، وعاشت الأمة العربية ، وعاش الوطن العربي الكبير .

ما أكثر خرائط الطرق اليوم ، وعلى رأسها المبادرة العربية الرائدة في تعزيز كرامة الأمة العربية ، وصدقت المغنية الكبيرة جوليا بطرس عندما غنت أغنية فين الملايين ... فين .... فين الملايين ...

لا شك أن الراعي الماهر هو الذي يجيد رعي قطيعه ، فربما غدا نسمع عن مبادرة جديدة ، أو خارطة طريق أخرى أردنية أو يمنية ، أو كويتية أو فرنسية أو روسية ، من أجل أم العيون السود إسرائيل ولتحيى الأمة العربية (( الله – الزعيم – الوطن )) .

لقد رسمت لي زوجتي خارطة طريق ، بمبادرة عربية نسوية بامتياز، وطلبت مني ألا أحيد عنها قيد أنملة ، وإلا سيكون عقابي الهجر في الفراش والحرمان من كل شيء ، وربما الضرب والتنكيل ، أو الحصار وقطع المساعدات ، وعلى الأقل مصروفي الشهري ، لأننا اليوم نعيش في عصر يكثر فيه قول : ما بيجيبها غير نسائها ، فعاشت نساء الوطن العربي .

وبمبادرة عربية نسائية ناجحة مائة في المائة ، أمرتني زوجتي بأن أعلق خارطة الطريق على جدران الغرفة لأحتفي بها كلما زارني زائر ، فانصعت مذعنا لجلالتها وسمو معاليها ، وكيف لا انصاع لها وهي أميرة المؤمنين في بيتي العربي الكبير .

تذكرت الكثير من خوارط أو خارطات أو مخارط أو خرططات أو خرابيط الوطن .

تذكرت مدينة اللد التي تعرضت للمذابح ، فقد ذبح المئات من سكانها في مجازر عديدة ، طالت حتى من احتمى بالمساجد والكنائس، كما حصل في مجزرة مسجد دهمش ، وهي واحدة من بين نحو 77 مجزرة اقترفتها العصابات اليهودية في فلسطين خلال نكبة عام 48.  حيث كانت حوالي 70 جثة مكدسة في غرفة تابعة لصحن المسجد ، فيما بدت جدرانها ملطخة بالدماء ، وآثار الرصاص منتشرة فيها ، ورائحة الجثث المتعفنة ملأت كل مكان ، وعشرات من جثث أخرى تم حرقها في النار . (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

خشيت أن أذكرها بقوة ، بمدرعة يهودية دخلت المدينة بقيادة إسحق رابين ، في مساء الحادي عشر من يوليو/تموز  48 ، وبدأت بإطلاق نيران المدافع الرشاشة بشكل عشوائي نحو المدنيين ، بعد انتهاء المعركة مع رجال المقاومة ، وذلك بأمر من ديفد بن غريون الذي أمره بتطهير المدينة ( وذلك وفق ما جاء في مذكرات رابين : بنكاس شيروت ) (فعاشت المبادرة العربية بقيادة أم المؤمنين ) .

وتذكرت الهجرة وكيف سار أهلنا مشيا حفاة الأقدام ، وقد مات الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ الذين كانوا هائمين على وجوههم في الطريق جوعا وعطشا ، (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

تذكرت ما أكده المؤرخ “الإسرائيلي” بيني موريس في كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين”. بأن كثيرا من المهاجرين الفلسطينيين شربوا بولهم من شدة العطش أثناء رحيلهم (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق )

تذكرت قصة صبية فلسطينية عمرها 19 سنة ، اغتصبوها اليهود واحدا تلو الآخر فأصيبت بالجنون ، (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

وتذكرت قصة بنت فلسطينية خطفها اليهود من بين أهلها لتعمل خادمة ، تقدم الخمر والطعام في فنادقهم ، وعندما رأت في المكان عاملا عربيا أوصته أن يبلغ عنها بأمانة رسالتها الشفهية : (( هل ترضون ذلك لبناتكم أيها العرب ؟ ))   ، (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

وتذكرت كيف بقر اليهود قلوب الحوامل في دير ياسين وصبرا وشاتيلا ،  (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

وتذكرت كيف قتل اليهود أم مع أطفالها الرضّع ، في غزة ويافا والرملة ، وفي كثير من مدن وقرى فلسطين . (فعاشت المبادرة العربية وخارطة الطريق ) .

فهل نجد في خوارط ومبادرات نساء اليوم ملاذا آمنا لشعبنا !!؟ .

خشيت أن أُذكر أم المؤمنين بذلك فتطردني من البيت ، أو تصفني بالمتخلف والجاهل والمغلق ، والأعمى والمتحجر واللطخ ، والرجعي والسطحي وما شابه هذه النعوت الظالمة المظلمة .

فهل يضيع ما تبقى من فلسطين بين المبادرة العربية وخارطة الطريق ، كما ضاعت فلسطين بين البقرة والحمار.... وهل يفهم مَن في الدار!؟ .

عاش أمن إسرائيل .

عاش السلام خيار استراتيجي .

عاش المشروع الأمريكي .

عاش النظام الجديد .

عاشت العولمة .

عاش السلام مع إسرائيل  .

عاشت التبعية لأمريكا .

عاش النظام العربي الرسمي .

عاشت الدول العربية دولة تنطح دولة ودولة وراء دولة .

( من لم يتذوق ويفقه معنى وفلسفة الأدب الساخر فلا يلمني )