لماذا سكتت الجزيرة عن مجزرة سجني تدمر و أبو سليم
شيء جميل أن تفتح ملفات تاريخ القمع العربي الرسمي من خلال وسائل الإعلام و الفضائيات تحديدا التي باتت تشكل اليوم المصدر الأساسي للمعرفة التاريخية و السياسية لقطاعات كبرى من الجماهير العربية المغرمة بالصوت والصورة أكثر من غرامها بالحرف المكتوب و بالكتاب المطبوع و لأسباب إقتصادية و لربما معرفية أيضا!! ، فالكتاب أو الصحيفة لا تدخل كل البيوت بينما التلفزيون له قدرة هجومية فائقة حتى داخل غرف النوم و في أشد ألأماكن سرية و تكتما أيضا!!
و لكن ألأجمل من فتح الملفات بطريقة إنتقائية هو العدالة و الحيادية في كشف المستور و في إستعراض الأحداث و في تنوير الرأي العام بعيدا عن أي إنحياز مسبق أو اهداف مصلحية معينة لربما تدخل ضمن خانة تصفية الحسابات مع هذا النظام أو ذاك ، و ما فعلته قناة الجزيرة القطرية من خلال برامجها الوثائقية و الحوارية هو أنها كان لها الريادة في عرض الملفات الساخنة والتي يتهيب البعض من الخوض فيها و سلطت عليها الأضواء الكاشفة و من زوايا معينة لتعيد تسويقها للرأي العام رغم كونها قضايا و ملفات معروفة و رفع الحظر السلطوي عنها منذ زمن طويل نسبيا ، مثل ملف سجن تازمامرت المغربي الشهير و الذي كانت الحكومة المغربية أول من رفع عنه ستار السرية و أول من سمح بالخوض في مصائبه و ملفاته بل و صدرت الكتب التي توثق للإنتهاكات الفظيعة التي جرت فيه و هي معروضة منذ سنوات على الأكشاك و الأرصفة أو في واجهات المكتبات المغربية المختلفة و حتى قضية إحتجاز إسرة الجنرال الإنقلابي الشهير محمد أوفقير تباع كل المؤلفات المتعلقة بها علنا ، فالنظام الرسمي المغربي أو ( المخزن ) لم تعد ترعبه مثل تلك الأمور التي تحولت لتاريخ موثق أضحى جزءا واقعيا من الذاكرة التاريخية و المجتمعية بعد أن تم تجاوز كل تلك الأمور و البدء في حقبة جديدة قوامها التطلع للمستقبل و استفادة الجمة من أخطاء الماضي ، فلا يوجد من هو بلا خطيئة و السلطة أي سلطة هي كالكائن الحي يمرض و يصحو و يشتط و يخطأ و يتوب ، و مواجهة الأخطاء هي خير وصفة لمعالجة الجروح و الكدمات و الندبات و لو كانت غائرة ، و إذا كان ملف سجن تازمامرت قد أثار ما أثار في المغرب من تداعيات و حالات إندهاش مما تم من فظائع فأحسب أن ذاكرة القمع العربي قد غفلت عن رصد ما هو أفظع من تازمامرت و أشد هولا و أكثر مصيبة ، و لكنها السياسة الإعلامية الموجهة التي تخفي و تظهر حسب المصالح و التي تحيي و تميت حسب الأجندات و الأهداف ، فالملاحظ أن قناة الجزيرة تركز على المغرب كثيرا فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان و هي التي فتحت ملفات اللقاء مع عائلة أوفقير سواءا السيدة فاطمة أوفقير أرملة الجنرال أو السيدة مليكة أوفقير إبنة الجنرال أو السيد رؤوف أوفقير نجل الجنرال ، كما أن الجزيرة هي التي تناولت و بشكل مطول موضوع معتقل تازمامرت الصحراوي و عرضت بكاء المذيع ( أحمد منصور ) الذي إستدر عطف الملايين!!
و لكن تلك الدموع للأسف لم تسكب أبدا على ضحايا مجهولين و بالمئات إلتهمتهم آلة القمع العربية الرهيبة ، و هنا لا أتحدث عن العراق أبو المصائب الكارثية و المقابر الجماعية فلذلك حديث آخر!! بل أتحدث عن مجازر كبرى في بعض المعتقلات العربية لم يقدر لها أن تسلط الجزيرة عليها عدساتها و أضوائها الكاشفة أبدا ، و أعني هنا تحديدا مجزرتي سجني ( تدمر ) الصحراوي في سوريا عام 1980 ، و سجن ( أبو سليم ) في الجماهيرية العظمى عام 1996!! و هي مجازر لم تسمع بها غالبية الشعوب العربية التي لا تقرأ بل تشاهد الفضائيات فقط لا غير.. فهل تجرؤ الجزيرة على عرض و تحليل و إحضار شهود على العصر لوقائع تلك المجزرتين الرهيبتين ؟؟ و هل سيستطيع المذيع أحمد منصور التطرق لهذا الملف ؟ و هل سيجد من يتعاون معه في سبر أغواره الفظيعة ، و لأبدأ بالمجزرة الأولى وهي :
مجزرة سجن تدمر الصحراوي
هذه المجزرة هي واحدة من أبشع مجازر القتل الجماعي و التجاوز على القوانين في تاريخ القمع العربي المعاصرلشموليتها و للطريقة الإنتقامية البشعة في تنفيذها خارج قوانين السلطة الحاكمة ذاتها ، فبعد محاولة إغتيال الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد من قبل جماعة الإخوان المسلمين في يوم 26/ حزيران / 1980 قامت وحدة خاصة من ( سرايا الدفاع ) التي كانت برئاسة شقيق الرئيس السيد اللواء رفعت الأسد بتنفيذ عملية إنتقامية ضد المعتقلين من جماعة الإخوان و المتجمعين في سجن البادية السورية في منطقة ( تدمر ) الصحراوية و قد إشترك في تنفيذ العملية الإنتقامية ( المجزرة ) 250 عنصر من سرايا الدفاع و اللواء 138 برئاسة المقدم علي ذيب ، و نفذ المجزرة ميدانيا حوالي 80 عنصر من السرايا حيث قاموا بفتح المهاجع و الزنازين و أطلقوا النار في حفلة إعدام جماعية على المعتقلين مما أدى لمقتل أكثر من 500 سجين لم تعرف أسماؤهم الكاملة حتى اليوم أي منذ يوم 27 حزيران 1980 يوم المجزرة و حتى اللحظة!! وهي قضية سكت عنها الرأي العام رغم أنها جريمة إبادة جماعية ومع سبق التصميم و الترصد و لم تتم محاسبة القتلة أبدا ، و لم يفتح أحد هذا الملف أو يتطرق له من قريب أو بعيد و حيث جاءت بعده بعامين مجزرة مدينة ( حماة ) السورية التي إبتلعت الآلاف أيضا من البشر!! ، الغريب أن جميع من إرتكب و ساهم و خطط ونفذ مجزرة سجن تدمر على قيد الحياة؟؟ ومع ذلك لا خبر جاء و لا وحي نزل!! و كأن الذين صرعوا بطريقة جبانة و غادرة مجموعة من القطط الموبوءة و ليسوا بشرا لهم أهل و عوائل، و لتسهيل ألأمر على قناة الجزيرة إذا إرادت إستجلاب شاهد على العصر فإنني أورد أسماء بعض المسؤولين عن تلك المجزرة للحقيقة و التاريخ فقط لا غير وهم :المقدم فيصل غانم ، المقدم علي ذيب ، الرائد معين ناصيف ، المقدم سليمان مصطفى ، الملازم ياسين باكير ، الملازم منير درويش... أما بقية الأسماء الكبيرة فتعرفونها جميعا!!!!؟ .
فهل سنرى السيد أحمد منصور و هو يبكي على الجثث المتناثرة و على نوافير الدماء المتدفقة و على صرخات الرعب و حشرجات الموتى كما فعل مع معاناة أهل تازمامرت ؟ أم أنه سيصمت صمت القبور الجماعية التي دفنت فيها تلك الأجساد البشرية و هي تشكو ظلامتها لرب العزة و الجلال ؟.. الجواب سنعرفه من خلال ( شاهد على العصر ) قريبا ؟.
أما المجزرة الشنيعة الأخرى التي سكت عنها العالم المنافق و غابت عن إرشيف الجزيرة و أخواتها أصحاب شعار من حق الشعوب أن تعرف!!؟ فهي مجزرة :
سجن أبو سليم الليبي
الغريب أن تاريخ تنفيذ هذه المجزرة يتطابق تقريبا و تاريخ مجزرة سجن تدمر السوري فقد حدثت يوم الجمعة الموافق 29 حزيران 1996 أي خلال الحصار الدولي على النظام الليبي!! و قد بدأت بإحتجاج بعض السجناء السياسيين في سجن أبو سليم على واقعهم المزري و على تردي الخدمات و على الظروف الصحية السيئة و إنتشار الأمراض الخطيرة كالدرن الرئوي إضافة لسوء المعاملة و التغذية و مجمل ظروف الحياة داخل السجن ، و تطور الأمر ليتدخل العقيد عبد الله السنوسي و يتفاهم مع السجناء مع الوعد بتحسين ظروفهم السجنية ، و
لكن ما لبث أن قامت وحدة عسكرية خاصة من كتائب الأمن العسكري الخاص بإقتحام السجن و تجميع المعتقلين في باحته العامة و حصدت أرواح السجناء بالجملة و بطريقة شاملة و مريعة مما أدى لمصرع أكثر من ألف سجين سياسي و أهل الرأي من مختلف القطاعات الفكرية و المهنية!! و رغم مرور حوالي 13 عاما على تلك المجزرة فإنه لم تصدر حتى اليوم قائمة بأسماء الضحايا و لم يتدخل الرأي العام الدولي و لا الدول الكبرى و لا الأمم المتحدة و لا أي مجموعة قانونية أو حقوقية و لف الصمت هذا الملف و لم يتحدث عنه أحد بالمرة بإستثناء أدبيات المعارضة الليبية وهي محدودة الإنتشار ، فيما أفلت القتلة و يمكن للجزيرة محاورتهم فهي تعرفهم عن كثب!!!؟
فهل ستنحاز قناة الجزيرة لشعارها الخالد من حق الشعوب أن تعرف و تميط اللثام عن تلك المجازر ؟ أم أن المسألة إنتقائية بين الخيار و العرموط ؟
تلك هي المسألة ؟ فيا سجون القمع العربية كم أنت خالدة....؟