من صهينة العرب...

إلى صهينة الإسلام!

صلاح حميدة

[email protected]

الصهيونية هي حركة عنصرية نشأت في أوروبا، تعمل لتوطين يهود العالم في أرض فلسطين، وهي صاحبة مقولة: (فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض).

تاريخياً لم يكن الفكر الصهيوني حكراً على اليهود، وفي نفس الوقت لم يقبل بعض اليهود فكرة الصهيونية، بل  من اليهود من حاربها وعاداها، وقال إنها فكرة تأخذ اليهود من الجيتوهات إلى جيتو أكبر، وهي وصفة أكيدة لدمارهم.

أغلب الصهاينة غير اليهود كانوا من الأوروبيين والأمريكان البروتستانت والإنجيليين، وهم الذين يؤمنون اعتقاداً بوجوب قيام دولة إسرائيل وجمع اليهود فيها، وارتبط ذلك بمصالح استعمارية غربية لغزو بلاد المسلمين وتفكيكها ومنع نهضتها الحضارية.

عربياً وفلسطينياً، لم يكن من المألوف أو المعروف، وجود من يتبنى، أو يعتقد بالفكرة الصهيونية، لأنه من الأبجديات أن مشروع الصهيونية يقوم على أنقاض العرب، وهو مشروع معادِ لمصالحهم الحضارية والحياتية اليومية، ويقسم الوطن العربي إلى قسمين.

بعض العرب كان له رأي آخر، فقد ذكر أن أحد أمراء العرب اجتمع بوايزمان قبل قيام دولة الصهاينة بحوالي ثلاثين عاماً، واتفق معه على آلية العلاقات المستقبلية  بين دولة الصهاينة على أرض فلسطين، ودولة عائلة هذا الأمير التي أقامها البريطانيون أيضاً.

 وعرف أن هناك من تعاون مع الحركة الصهيونية أو باعها أراضي كعائلة سرسق اللبنانية في مرج ابن عامر، ولكن كل ذلك، كان يتعلق بعمالة مصلحية، ولم يكن يتعلق باعتقاد بالصهيونية وبأحقيتها حسب ما يرى بعض المؤرخين.

بدأت الاتهامات بالصهينة العربية منذ بدايات السبعينيات تجد طريقها للساحة الفكرية والإعلامية  العربية ، وبدأت بالتبلور، وبدأ عدد من القادة يلفت النظر لأخطارها، فقد أشار أحد قادة العمل الوطني الفلسطيني (صلاح خلف) في كتاب له، إلى مخاوفه من أن (تصبح الخيانة وجهة نظر)! والحديث حول الخيانة المؤدلجة صهيونياً في تلك الفترة يعد أمراً مفزعاً وغريباً، خاصة وأن أحداً من المفكرين أو المتابعين، أو حتى جمهور الناس في الشارع العربي لم يكن يدرك أن أدلجة صهيونية تغزو العالم العربي من أبوابه الخلفية، ولكنّ سبْق الفلسطينيين لإدراك ذلك، عائد إلى أنهم أول المتأثرين بتلك المخاطر.

لم يعر أحد أهمية، لتلك التصريحات  من رجل بعيد النظر قضى بعدها بسنوات مقتولاً، وكان من لفت النظر بعدها لنفس الموضوع، أيضاً قائد ومنظر ومفكر فلسطيني هو (هاني الحسن) لفت النظر إلى نفس القضية وبوضوح أكبر، وقال بداية الثمانينيات من القرن الماضي بأن هناك اتجاهاً صهيونياً يغزونا؟!.الشاعر العراقي أحمد مطر، كتب قصيدة عندما طردت مصر من الجامعة العربية لتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع الاحتلال، وأسست لمرحلة جديدة من التنظير لصهينة العرب الرسميين، وتنبأ مبكراً بأن النظام الرسمي العربي، سيلحق بالمدرسة الصهيونية التي أنشأها النظام المصري، ولن يحدث العكس.

بقيت مدرسة صهينة العرب تعمل في الظلام وخلف الكواليس، حتى بدايات التسعينات، حيث بدأت تطل برأسها، وتجهر بما تريد، وبدأت تحارب من أجل جر الجميع للاعتراف بحق الحركة الصهيونية بأرض فلسطين، وبدأت بالضغط وإحكام الطوق على الشعب الفلسطيني، من أجل تثبيت الأيديولوجيا الصهيونية عملياً، حتى جرّت منظمة التحرير الفلسطينية للاعتراف بدولة الحركة الصهيونية، ثم بدأت بتثبيت حق هذه الدولة الصهيونية بالأمن، وبالتالي يجب على الفلسطيني بعد العربي بل قبله، أن يعترف بحق الصهاينة بأرض فلسطين، مما ينفي هذا الحق تلقائياً عن الفلسطيني والعربي، وعملوا على جعل العرب والفلسطينيين يعملون على تحقيق الأمن للدولة الصهيونية، وبالتالي انتفاء الأمن عن الفلسطيني صاحب الحق الأصلي. ثم انتقلت الحركة الصهيونية العربية خطوات إلى الأمام بدخولها مرحلة الحرب المباشرة على من يقاوم الدولة الصهيونية، وأصبحت تؤدلج ذلك، بان مقاومة هذه الدولة، هي من الموبقات التي تمس الوطنية والخلق والدين؟! وأصبحت الحرب على المقاومة الفلسطينية والعربية واجباً وطنياً؟! حتى إن كاتباً فلسطينيا هو ً(محمد أبو علان) تساءل:(متى سيطالب نتنياهو الفلسطينيين، أن ينشد أبناؤهم في المدارس في الصباح، نشيد هاتكفا الصهيوني)؟!.

الصهينة السياسية العربية في الإعلام والأمن والسياسة، لم تعد خافية على أحد، وهي تجاهر، بل وتفتخر بعملها، وتعتبر أن ما تعتبره خدمة الوطن، والواجب الوطني، يمر عبر محاربة والقضاء على من يحارب دولة الصهاينة على أرض فلسطين، ولكن هناك اتجاه أخطر من الصهينة العربية، بدأ يغزو بلاد العرب والمسلمين، فقد بدأ مجدداً باستخدام بعض الإسلاميين الذين يوالون الحكام المتصهينين العرب، وهؤلاء يتم استخدامهم لحرب من يحارب الصهاينة على أرض فلسطين؛ قبل فترة حصلت ضجة بسبب محاولة أحدهم الترويج لأفكار صهيونية بثوب إسلامي بين طلبة أحد المدارس الفلسطينية، وبعدها بفترة ليست بعيدة بدأ يتم استخدام هؤلاء بشكل موسع، ليس فقط في التعليم، بل في المساجد أيضاً، فالجهاد ضد الصهاينة في فلسطين عندهم حرام شرعاً؟! وهذا يعود حسب زعمهم، إلى أن المسلمين في فلسطين وخارجها ليسوا بقوة الصهاينة( حذفوا جهاد الدفع، وحذفوا حقيقة أن المسلمين في أغلب معاركهم، كانوا القلة عدداً وعتاداً) ولذلك لا بد لهم من الرضوخ للاحتلال والسكينة والتعايش معه، بل ومنع مقاومته!  ومن يقوم بالمقاومة والقتال لهذا الاحتلال، فهو يقوم بالخطيئة؟! وإذا قتل فهو لا يعتبر شهيداً!! وهؤلاء يعتبرون العلماني وغير الملتزم بالاسلام (ولياً للأمر)!! أما الملتزم والذي يرفع راية الاسلام، ويتبناه شعاراً وتطبيقاً، فهو لا يعتبر ولياً للأمر حتى ولو اختاره جمهور المسلمين، ولم يأت غصباً عنهم،  وبإرادة أعداء الاسلام من الغرب والصهاينة العرب واليهود!! ولا يجد أصحاب هذا النهج غضاضة في تكفير من يقاتل دولة الصهاينة من الحركات الاسلامية! فقد سبق لهم باتهام من يقاتل الأمريكان في أفغانستان والعراق بأنهم(فئة ضالة)!! ولذلك فهم لا يجدون غضاضة في التحالف مع الأمريكان والصهاينة العرب واليهود من أجل القضاء على المجاهدين لدولة الصهاينة في فلسطين، حتى إن هناك من يرى أنه من الواجب الديني على المسلم الفلسطيني، أن يقضي على المجاهدين الرافضين لأحقية دولة الصهاينة في أرض فلسطين؟! فهل سنسمع قريباً خطب جمعة ودروساً دينية، تجعل الاعتراف بدولة الصهاينة من أركان الاسلام؟! وقتالها كبيرة تضاف إلى الكبائر!! فضلاً عن إنشاد النشيد الصهيوني( هتكفا) صباحاً في المدارس الفلسطينية؟!.