طَبائِعُ الاستبداد في أصول الوقايَة مِن الفساد!
طَبائِعُ
الاستبداد في
أصول
الوقايَة مِن الفساد!
مصباح
الغفري
"
للزرع ألف آفة ، ليس فيها أعظمُ من جور
السلطان "
(
قولٌ مأثور )
حدثنا أبو يسار الدمشقي
قال :
زارَني الحارث بن هَمّام
، بعد عَودَته من بلاد الشام . رَسَمَ على
وجهه بَسْمَة ، ظننتها أثرَ صَفعَة أو
لَكْمَة . و قبل أن يجلِسَ أخذه الحال ، ثم
تنحنحَ ومال ، قال :
الحمد
لله ثم الحمد لله ، الحمد لمن لا يُحمَدُ
على حزبِ قائدٍ
سواه . الحمد له على الأحكام العرفيّة ،
والهواتف الخليويّة ، والمسيرات
الشعبيّة . عبادَ الله إتقوا الله
في المسؤولين ، وأبنائهم الغرّ
الميامين ، وحَمَلَة الأوسمة والنياشين
، من أصحاب المليارات والملايين .
نحمدُهُ على
الفريق والعماد ، وسياسة الوقايَة من
الفساد . ونعوذ به من شرّ
حاسدٍ إذا حَسِدْ ، ومن
المُشكّكين بحكمة الوالدِ والوَلَدْ
. لا تكثروا من النقاش والجدال ، فكيف
تكون الأحوال ، بدون أبناء العم وأبناء
الخال ؟ وكيف لنا أن نحصَلَ على العملات
الصعبة ، بدون دفن النفايات النوويّة
في التربَة ؟
توقف الحارث عن الكلام ،
قلت ما دهاكَ يا ابن الحرام ؟ عهدي بك من
رفاق العربدة والسُكر ، من العشاء إلى
الفجر ، فكيف أصبحت من أهل الحَضرَة
والذكْر ؟
ضحك الحارث بن همام حتى
قلَبَ على قفاه ، قال أنا اليوم من أصحاب
الجاه ! إنتقلْت من الكُدْيَة والمقامات
، إلى تهريب السيجارات ، ومنها إلى
تجارَة الموبايلات . ذهَبَت أيام الفقر ،
بعد أن تعَرّفت إلى أقارب أولي الأمر ،
فدخلي في الشهر
، لا يحلُمُ به أنشتاين ولو عاش مدى الدهر
!
قلت : لكنك قد تدخل الحبس ،
وتفقد حتى الدانق والفلس ، ألم تسمع حديث
الرئيس يوم أمس ؟ إنه
عازمٌ على الوقاية من الفساد ، لتحسين
الإقتصاد .
قال :
هل أنت حمار ، يا أبا يسار ؟ إنهم
سيعاقبون المفسدين الصغار ، لا الكبار .
القانون في الأنظمة الشمولية ، مصيدة
لصغار النشالين والحرامية . أما الأقارب
من ذوي الأرحام والعَصَبات
، فلهم الوكالات والشركات والمقاولات ،
وتهريب الدخان والبرادات ، والأسواق
الحُرّة والتليفونات
. وأنا فهمت قواعد اللعبة ، وتعلمت من أين
تؤكلُ الكتف والرقبة !
قلت : الآن فهمت . الفاسدون
القدماء هم عظام الرقبة ، وما جَنوه هو من
الحقوق المُكْتسَبَة . ففي عهد التقدم
والإشتراكية ، والوحدة والحرية ، ليس
للقانون آثار رجعيّة ! سَيُعاقب المُرتشي
الصغير ، والقاضي هو الكبير الكبير !
التعهدات والإلتزامات ،
للبارونات ، من ذوي الهيئات . ولنا
المخافر والكركونات ، والسجون
والمعتقلات . هم يدوخون من الويسكي
والعَرَق ، ونحن ندوخ من الكدح والجوع
والمَرق! فقل
أعوذ برَب الفلق ، من شرّ ما خلق .
وكما
قال الشاعر أحمد مطر :
إنتهى عهدٌ مُباد
وأتى عهدٌ مُبيد
ولكم أيامُ شهْدٍ
ولنا يوم الشهيد !