هذا الهروب الإسرائيلي الأحمق نحو سورية!
هذا الهروب الإسرائيلي الأحمق نحو سورية!
نوال السباعي / مدريد
السفاح مجرم الحرب الوالغ في دماء الأبرياء رئيس حكومة الكيان المغتصب "شارون" , لم
يعد بإمكانه الانتظار , فقرر من عند نفسه وبتواطؤ كامل من قبل الولايات المتحدة
الأمريكية , وبمباركة صامتة من قبل الاتحاد الأوربي , قرر أن ينتهز هذه الفرصة
التاريخية الاستثنائية في محاولة شديدة الغباء لمدّ حدود إسرائيل من الفرات إلى
النيل , فهذه هي النبوءة التوراتية التي رأتـها
هذا القرار لم يأت من فراغ , فلقد بلغت الثورة والكفاح الفلسطينيان من العناد أن فضحا ليس المشروع الصهيوني في الأرض العربية كبد الإسلام فحسب , ولكنه أسقط كذلك بيد معظم المشروعات الغربية , ولم تستطع إسرائيل وعلى الرغم من كل مذابحها وقهرها وسطوة السلاح الأمريكي الذي يمدّها بكل آلات القتل المناسبة , ولا سلطة الأموال اليهودية التي ترفدها بكل الإمكانيات اللازمة , ولا جبروت الإعلام العالمي الموجه وبالكامل لعمليات غسيل دماغية جماعية تقلب الحق إلى باطل وتجعل الباطل حقا , لم يستطع ذلك كله أن يثني الفلسطينيين عن الجهاد في سبيل حقوقهم وأرضهم المقدسة وتاريخهم ووجودهم , بل ونيابة عن الأمة التي إليها ينتسبون والتي كان قد بدا وأنها قد تخلت عنهم في مرحلة من المراحل التاريخية التي اختلطت عليها فيها الرؤى والسبل والأهداف وحتى الهوية.
لم تستطع إسرائيل أن تمدّ استيطانها على سائر الأرض الفلسطينية المعروفة جغرافيا وسياسيا بأرض فلسطين , ناهيك عن استحالة فعل ذلك من الفرات إلى النيل , كما لم تستطع أن تستأصل العنصر الإنساني الفلسطيني الذي دفع ومازال أثماناً مؤلمة باهظة جداً لكل السياسات العربية الرسمية والشعبية التي كانت ترمي إلى عدم ذوبان الفلسطيني وعدم تخليه عن هويته وجنسيته التي ورثها تحدياً كما ورثها معاناة وجراحا ودماً وخلايا وجينات وراثية وحقا مشروعا جارحاً صارخاً في وجع العرب والمسلمين والناس أجمعين .
لم تستطع إسرائيل التي اشتبكت في خمسة حروب مع العرب وبمساعدة ومساندة ودعم ورفد قوى الاستعمار الغربي وعلى التوالي بحسب الدور الذي كانت تشغله كل من هذه القوى على قمة هرم القهر والعدوان والرغبة في استعمار واستعباد الآخرين , لم تستطع إسرائيل على الرغم من ذلك كله أن تحقق أي انتصار تاريخي , لأن السفلة اعتادوا أن لا يدخلوا التاريخ إلا من مجاريه التحتية , ولم تستطع أن تفوز باحترام أحد إلا بعد أن تشتريه , يستوي في ذلك الأدباء والعلماء والسياسيون والمفكرون والفنانون والإعلاميون على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم .
ولعل القاتل مصاص الدماء شارون لم يجد فرصة سانحة لتحقيق أحلامه التوراتية كهذه التي تبدو اليوم أمام الحمقى فقط ممن لا يعرفون قراءة التاريخ ولا يحسنون فهم ملابسات التوراة ولا الإنجيل وقبل ذلك وبعده "القرآن" , خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية بهذه الأعداد الضخمة في الخليج العربي سلماً أو حرباً , أضف إلى ذلك هذه الحالة الخانقة التي وصلت إليها كل السياسات الإسرائيلية أمام ضربات المقاومة الفلسطينية من جهة أو في مواجهة كل هذا الحجم المذهل من الصمود الإنساني الفلسطيني , وتحمل كل هذا القدر غير المسبوق من النقد الأوربي وعلى جميع المستويات السياسية والثقافية والجماهيرية .
في هذا السياق تأتي هذه الحركة بالغة الحماقة من مجرم الحرب شارون في تصدير اختناقه الداخلي نحو الخارج , وفي بلاهة منقطعة النظير حملته على قصف الفلسطينيين العزل على مشارف دمشق .
السفير الإسرائيلي في مدريد وفي صفاقة عاهرة يتبجح أمام وسائل الإعلام الإسبانية المشدوهة بأن بلده _ الكيان المسخ_ ستضرب في كل مكان وزمان ترى فيهما تهديدا لمصالحها , ويتحدث عن حرب سوف لا تعرف الهوادة ضدّ الإرهاب الدولي , هذا الإرهاب الدولي الذي يقصد به بالطبع العمليات البطولية الاستشهادية الفلسطينية والتي يؤيدها الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه , كما انه لا يدرك أن الشعوب الغربية لا تعاني من نفس الحماقات الإسرائيلية في فهمها للأمور وذلك على الرغم من كل عمليات الغسيل الدماغية الدؤوبة لتشويه الحقائق في أذهانها , فهي تدرك تماما أن هذه مقاومة مستيئسة مستميتة للحفاظ على الحق والأرض المغتصبة والعرض , ولا يكاد الباحث أن يجد كاتبا صحفيا إسبانيا واحدا إلا ويؤيد الحق الفلسطيني ويحاول أن يبدو وكأنه يتفهم هذه المقاومة وهذا الأسلوب الدموي في مقاومة المحتل , لا يشذ عن هذه القاعدة في الصحافة والإعلام الإسبانيين إلا حفنة من مرتادي السفارة الإسرائيلية المرتزقة ممن يطبلون ويزمرون لإسرائيل وفي جيوبهم ترن دولاراتها!.
السفير الإسرائيلي تحدث عن ثقته المطلقة بأن الحكومة السورية لن تردّ على هذه الضربة الإسرائيلية , وبدا على غاية من الصفاقة وهو يتحدث عن أن هذه الضربة لم تكن موجهة الى الشعب السوري ولكن إلى " حثالة" من الإرهابيين , وبالغ في شتيمة النظام السوري والذي وصفه بالديكتاتوري الفاسد , وأكد في بلاهة عجيبة على أن إسرائيل تعرف ماذا تفعل !!.
ونحن بدورنا ...نؤكد لإسرائيل ولسفيرها في مدريد ولسفاحها صاحب المنامات والوعود التوراتية بتاج إسرائيل الكبرى , بأن محاولات شارون الحمقاء المعتوهة للهروب من أزمته الداخلية المتمثلة في فشله الذريع بالإيقاع بين الفلسطينيين والفلسطينيين وإشعال حرب أهلية بين الفصائل الفلسطينية , ومحاولته اغتنام هذه الفرصة والتي يظنها تاريخية للإطباق على دولة عربية ثالثة , لن تجد من الشعوب العربية الا مزيدا من الغضب والغليان ومزيدا من التصميم على البحث عن وسائل غير نظامية وغير حكومية وغير مسبوقة لمكافحة هذا السرطان الذي لا يمتد في الأرض وحسب بل لقد وصل الأكباد والأرواح والشرايين .
بل إن سياسات الولايات المتحدة التي توجهها وترسمها وتعمل كدليل مرشد لها في أرضنا ووجودنا الحكومات الإسرائيلية لم تزد العرب والمسلمين إلا تصميماً على الجهاد وبكل السبل والوسائل , وان ادعاءات واستراتيجيات الحرب على الإرهاب تكفلت وحدها في صناعة جيل بأكمله لا يفكر إلا في الإرهاب , ولعل استطلاعا واحدا بين أبناء الجاليات العربية والمسلمة الموجودة في أوربة يكشف حجم الغضب الجماهيري , فلا تكاد تجد ولدا ولابنتا ولارجلا ولاامرأة ولاصغيرا ولاكبيرا ولاشرقيا ولامغربيا إلا وهو يفكر ويحلم ويدعو الله أن يستشهد في فلسطين.
بل أكثر من ذلك حدثنا الركبان العائدون من عطلهم الصيفية في سورية وغير سورية من البلاد العربية أن عشرات الآلاف من الرجال والشباب يودون لو استطاعوا الرحيل نحو العراق لمساعدة اخوانهم في مقاومة المستعمر المحتل ..ان الأرض تتفجر ببراكين الغضب المشروع على عدو لايستحي ولايخجل من التاريخ , وهو يظن أن مبالغته في إذلال الأمم ستمر مرّ اللئام , وأن الشعوب العربية المسلمة يمكن أن ترضى جميعها بمحتل مستعمر أرعن يستبيح الأرض والعرض والتاريخ والحاضر والمستقبل بدعوى تحريرها من مستبديها الظلمة الذين كانت لهم اليد الطولى في إيصال البلاد والعباد لما نحن فيه اليوم.
إلا أن هؤلاء الحمقى من بني صهيون ومن والاهم , وان ظنوا أنهم يعرفون كل شيء عن العرب , فكل ظني أنه فاتهم إدراك أشياء غابت عن أذهانهم طويلا وهي أن العرب قوم يطيلون الصبر واحتمال الذل من أبناء جلدتهم دفعاً للفتن , إلا أنهم وأمام العدو الدخيل يلتحمون صفا واحدا يطلب الشهادة في سبيل الله عندما يحلو الموت لاستنقاذ الكرامة , ومع الدعم التام لاحتفاظ السوريين بأعلى درجات ضبط النفس التي ستسدّ على إسرائيل أبواب هربها من الجحيم , نذكر كل من يهمه الأمر أن العرب قادرون على الصفح عن حكامهم بل والالتحام معهم ورصّ الصفوف في معركة قادمة لن يحدد وقتها ولازمانها ولامكانها دون أدنى شك هذا المغفل الكبير والمجنون سافك الدماء الذي يدعى شارون .