الخطب العظيم في أساليب التعذيب في الجحيم

الخطب العظيم

في أساليب التعذيب في الجحيم

مصباح الغفري

حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :

في العشر الأخير من شهر الصوم، كنت ألتمس ليلة القدر مع فريق من القوم، فأخذتني سِنة من النوم . غفوت في الهزيع الأخير من الليل، واستلقيت كصخرة حطها السيل، أعتب على دهر يجمع الحَشفَ وسوءَ الكيل . ومعي كتاب " رسالة الغفران "، لفيلسوف معرّة النعمـان، وفيه ذكر أهل النعيم والجنان . فحلمت أنني بين منكر ونكير، فكاد قلبي من الرعب يطير، فما قدمته في دنياي ينذرني بشرّ مستطير !

شعرت أنني كالغريق، ورحت أفكر كيف سيبدأ التحقيق، وفتح الملفات والتدقيق، لكنني فوجئت بهما يحدثاني بأسلوب رقيق . ويقولان أهلاً بالأخ الصديق . إعلم أنك الآن في عداد الأموات، لكن لا تخش منا فلسنا نعمل في المخابرات، ونحن لا نعذب أحداً بالافتراءات . نحن نعذّب في القبر الأثرياء اللئام، فنكوي جلودهم بما اكتنزوه من المال الحرام، ونحاسب المتسلطين من الحكام، لما ارتكبوه في حق الناس من الآثام . وأنت رجل فقير، قضيت عمرك في الملاحقة والتعتير، ولست تملك شروى نقير . ثم إنك عذبّت خمسَ مرات في الزواج، وهذا ما تهون عنده سياط علي دوبا  والحجاج، وآسيد المكتب الثاني والسراج ! وربك يا أبا يسار عادل رحيم، يذيق عذا ب الجحيم، لكل متكبر لئيم، مَناعٍ للخير مُعتد أثيم . وأنت صَبرت على معاشرة النساء، وتحملت هذا العنت صَباح مَساء، فكان لك من عذاب النار وقاء ورداء . كما أنك تصدّيت بقلمك لإرهاب الوالي والسلطان، ولفضح أنظمة العسف والطغيان، والدفاع عن حقوق الإنسان، فغفر الله ذنوبك وسندخلك الجنان .

وما هي إلا لمحة بصر، حتى رأيت نفسي في جنة رضوان أمَتّع النظر، وألتقي فيها بمن مات وغبر . وبعد أن أمضيت في هذه السعادة بضعة أيام، ويومٌ عند ربك كألف عام، تذكرت المسؤولين عن أجهزة الأمن في المغرب والخليج والشام، ووزراء الداخلية ووزراء الإعلام، فسرت في جسدي رعدة حرمتني لذيذ المنام، وتساءلت بيني وبين نفسي أين انتهى بهؤلاء المقام ؟ وفجأة سمعت صوتاً هاتفاً في السحر، قال يا عبد الله إنهم جميعاً في سقر، وهي بئس المنتهى وبئس المستقر .

قلت : هل أستطيع زيارة هؤلاء الأوغاد، الذين استباحوا الحرمات في البلاد، وأهلكوا الحرث والعباد، وبنوا قصورهم كإرم ذات العماد، وشردوا الأحرار في كل واد .

قال : رغبتك ستحقق فوراً يا أبا يسار، فتهيأ لزيارتهم في الدرك الأسفل من النار، في غرف أعدت للفاسقين والفجّار، من السلاطين والحكام والشيوخ والتجار .

سرنا حتى وصلنا إلى الهاوية، وما أدراك ما الهاوية، أعدت لكل مجرم وطاغية . فتح لنا مالك الباب، قال تفضلوا أيها الأحباب، لتروا كيف نذيق هؤلاء أقسى أنواع العذاب .

فطلبت زيارة مدير المخابرات، الذي قضى زهرة شبابه في التعذيب والاعتقالات، وسرقة قوت الشعب وانتهاك الحرمات . وكانت المفاجأة حين رأيت المذكور، الذي خرق الدستور، وأذاقنا الويل والثبور وعظائم الأمور. يجلس على سرير، ووجهه كالعادة عبوس قمطرير، وليس هناك لا نار ولا سعير ! ومعه في الغرفة امرأة سمراء، يشاهدان برامج التلفزيون بلا عناء، ويستمعان إلى آخر الأنباء .

صحت بالملاك المرافق بصوت عال، أهكذا تعذبون من أذلّ الرجال، وأتى أقبح الأعمال ؟

ضحك الملاك وقال لي علام تصيح ؟ لا تستعجل الأمر قبل الشرح والتوضيح، فهذا هو العذاب القبيح ! فهذه المرأة أولاً هي زوجته الشرعية ! وهذا التلفزيون ليس فيه غير المسيرات الشعبية، والخطابات الوطنية والقومية . إنه يشاهد على الشاشة شاعر البلاط ، فيصاب بالاكتئاب والإحباط . ثم يستمع بعد ذلك إلى مقولات الأخ العقيد، في كتابه الأخضر الفريد، فهل ثمة على هذا التعذيب من مزيد ؟

وتابع الملاك شرحه يقول، وعمر القارئين يطول، سأشفي منك الفضول . فنحن نعرض عليه أطروحات النقري رائق، فيتمنى لو ألقى بنفسه من حالق، وهذا جزاء كل مجرم مارق .

ولا تنس أن لدينا برامج من خطابات الرفيق القائد، ومبادىء الحزب الرائد، والزعيم الأوحد الواحد . مع فاصل من كلام أمير المؤمنين، واستفتاءات التسعة والتسعين، وأحاديث شيوخ النفط الخليجيين .  فهل تغبطه على هذا العذاب الشديد ، الذي ما عليه من مزيد، نذيقه لكل شيطان مريد ؟

إطمأنت نفسي حين رأيت هذا العذاب، ينال من احترف القتل والإرهاب، وقلت هذا والله هو العقاب . لمن كفر بالشعب وله عَق، وأوتي السلطة فما رَحم ولا رَق، ليعلم أن وعدَ الله حق . وعدت من حيث أتيت، ثم أفقت فإذا الأمر حُلم سببه أكل الفول بالزيت، فقلت يا ليت يا ليت . ثم إن الواقع المرّ، ذكّرني بالشعر. فرحت أنشد لنزار  :

نثرْت فوق ثراكِ الطـاهِرِ الهُدُبـا     فيا دمشـق ، لماذا نبدأ العتبـا ؟

يا شام ، إن جراحي لا ضفاف لها     فمَسّحي عن جبيني الحُزن والت