كفـى حزنـاً

مع إطلالة التحديث (الثامن) لانطلاقة موقعنا، يشعر الإنسان العربي أنه محاصر حصار أبي محجن الثقفي، وقد اشتجرت (الخيل بالقنا)، فشهيد بل شهداء على أرض فلسطين يذودون عن الأقصى، وآخرون على ضفاف دجلة الذي صبغه التتار بجمرة الدم، وسواد المداد، فعاد اليوم كما قال الأول..

فمازالت القتلى تمج دماءهـا         بدجلة حتى ماء دجلة أشكـل

وملحمة ثالثة تستصرخ في ذرا خراسان ، ورابعة في كشمير، وخامسة في الشيشان وسادسة وسابعة..

والإنسان العربي المشدود انتماء حارقاً إلى كل ساح، يجلس على مقعد النظارة المتفرجين، فإن سبقته حرقة القلب ودمعة العين، نشج نشيج أبي محجن يوم القادسية:

   كفى حزناً أن تشجر الخيل بالقنا        وأتـرك مشدوداً علـي وثاقيـا

    إذا قمت عناني الحديد وغلقـت         مصاريع من دوني تصم المناديا

محنة أبي محجن تلك هي التعبير الحيوي عن معاناة النفوس المرهفة، وهي تأكل خبزها معجوناً بدماء أبنائها وآلامهم وعصارات قهرهم وذلهم، فلم يعد طير الإسلام مقصوصاً جناحاه، وإنما غدا الراعف المذبوح الذي سدت في وجهه منافذ الأمل.

في النصف الأول من القرن المنصرم، يوم كان جيل الأمة منطلقاً ، مما دعاه النهضويون الجدد (بعصر الانحطاط) !! كان أحرار الأمة كلما سمعوا هيعة طاروا إليها متجاوزين الحدود على أرضهم، والعنعنات في نفوس أناس ملأها الحقد والريب. وهكذا كان عز الدين القسام على أرض فلسطين، وكان لجند البنا وللسباعي وإخوان السباعي دروس تلألأت في ظلمة النكبة مازالوا يدفعون ثمنها حتى اليوم. وهكذا وجد رشيد عالي الكيلاني نفسه محاطاً بسور من أحرار العرب فنسلوا إليه من كل حدب يوم أطلق النفير من بغداد الرشيد. اليوم وأبو محجن في قيده وسجنه ينادي فلا أحد يلبي النداء، وتستغيث بغداد المعتصم فما من مجيب !!

              

عقوبة الفارس

كان أبو محجن الثقفي فارسا من فرسان المسلمين يوم القادسية. وكان مبتلى بشرب الخمر ، فأمر سعد رضي الله عنه بحبسه عن القتال عقوبة ،فلما كانت المعركة ،وسمع أبو محجن تصايح الفرسان وصهيل الخيل، ضج بالشكوى، بأبياته الشهيرة ،وتوسل إلى سلمى زوج سعد ،حتى أطقته فشارك في القتال ثم عاد إلى محبسه، حسب وعده لها .

إذا كان المنع من القتال عقوبةً للفارس ، فأي عقوبة تنزل اليوم بفرسان جيش تحولوا من فرسان تحرير ، وجولانهم يئن على مسمع ومرأى، إلى حراس حدود!! ويبقى السؤال الأخير حدود من يحرسون؟!!.

زهير سالم