مشاركة الإسلاميين في السلطة

الجزائر نموذجا

عبد العزيز كحيل

[email protected]

 تشارك الحركة الإسلامية في الجزائر في السلطة منذ 1995 إلى اليوم ممثلة في حركة المجتمع الإسلامي(التي تعرف الآن بحركة مجتمع السلم) وحركة النهضة التي دخلت الحكومة لفترة ثم انسحبت منها.

 وقبل تقييم هذه المشاركات لا بد من تحديد مدلولها بدقة،فهي تعني حصريا وجود عدد من الوزراء من الحركة في الجهاز التنفيذي فحسب،ثم هو وجود أقرب إلى الرمزية لأنه يقتصر في الغالب على قطاعات ثانوية مثل الصيد البحري والصناعات التقليدية والعلاقات مع البرلمان بعيدا عن الوزارات السيادية مهما كانت،أو يشمل وزارات "ذات مشاكل"مثل التجارة التي يكاد دورها يتلخص في تنفيذ شروط الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية،مما ينعكس على حياة الناس في شكل زيادات فاحشة في الأسعار وإغراق الشوق بالمنتجات الأجنبية والتضييق على الإنتاج الوطني إلى آخر هذه السلبيات.

 وإلى اليوم لم تخرج المشاركة عن هذا النطاق،فلا حظ للإسلاميين-رغم مساندة الحركة للسلطة مساندة مطلقة- في سلك الولاة والمناصب العليا والسفراء...فهي إذا مجرد وزارات تقنية ثانوية لا يوجد فيها من الإسلاميين إلا الوزير وحده،وهو ما كان يعبر عنه مؤسس حماس بأنهم في الحكومة لا في الحكم وأن لهم قدما في السلطة وأخرى في المعارضة،وهو ما لم تستسغه لا السلطة ولا المعارضة.

 ولكن هناك جانب أخطر من هذه المشاركة الشكلية المقتضية في الحكومة يتمثل في التزام الحركة بما يسمى برنامج رئيس الجمهورية وعمل وزرائها على تنفيذه، فهي من جهة تتنازل عن برنامجها كليا ليتلخص دورها من جهة ثانية في تجسيد برنامج سياسيي آخر لا يمت بصلة كبيرة إلى أدبياتها وتوجهاتها الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية،ويكفي أنها صاحبة رؤية إسلامية،وللرئيس برنامج علماني بحت،هذا إن كان للبرامج أي معنى في الأنظمة الشمولية.

 وقد ترتب عن هذا التوجه تبني حركة مجتمع السلم لخيارات سلطوية على نقيض مواقفها ومطالبها وفي غاية الاستفزاز لمشاعر الشعب الجزائري عامة والقاعدة الإسلامية خاصة،تبنتها السلطة التي يشارك فيها الإسلاميون رغم أنف البرلمان وهي بصفة أساسية:

1- إلغاء شعبة العلوم الشرعية من التعليم الثانوي وتقليص مادة التربية الإسلامية إلى أدنى مستوياتها في جميع الأطوار.

2- إلغاء شرط حضور ولي المرأة في عقد الزواج(وقد تم ذلك بطرق ملتوية لمواجهة سخط الشارع لا بضغط الوزراء الإسلاميين المغيبين عن القرارات).

3- إجازة البرلمان لقرار الحكومة القاضي باستيراد الخمور من الخارج(ولم يسمع للحركة ووزرائها صوت رافض )

4- انضمام الجزائر الفعلي لمنظمة الفرنكوفونية وحضور الرئيس قممها،وهو شيء يرفضه الجزائريون بقوة ولم تجرؤ عليه أية حكومة منذ الاستقلال رغم ضغوط فرنسا ورغم رغبة النخب المتحكمة في الانضمام

 ومن الطرائف أن أول حكومة شكلها الرئيس الحالي(وتضم وزراء إسلاميين من حمس والنهضة)كان ناطقها الرسمي خليدة تومي المشهورة بمعاداتها لكل ما هو عربي وإسلامي.

 وقد لاحظ المراقبون أن مثل هذه الإجراءات ما كان يجرؤ على اتخاذها رموز العلمانية والاستئصال الذين حكموا البلاد منذ مطلع التسعينات،لكنها اتخذت أثناء تواجد الإسلاميين في الحكومة والبرلمان،ومما لا شك فيه أن ذلك لم يخف على الجزائريين فأداروا ظهورهم للحركة الإسلامية،فتدحرجت مكانتها الانتخابية في المواعيد الأخيرة إلى أدنى المراتب بعد أن كانت-رغم التزوير المنظم- القوة السياسية الثانية في البلاد.

 إن أخطر ما في الموضوع أن التيار الإسلامي يرفض إخضاع تجربة المشاركة للنقد والتقويم حتى داخل صفوفه،ويفضل الهروب إلى الأمام وسط كلام تجميلي تحسيني لاختياراته بعيدا عن الموضوعية والصدق،وهو ما يلقي بظلاله على المشروع الإسلامي نفسه الذي لم يعد سوى ذريعة في خدمة النظام القائم،ونظن أن الأمر يقتضي تحرك القاعدة الإسلامية داخليا لتحليل الموقف واستخلاص العبر، عسى ذلك أن يعيد الحركة الإسلامية إلى السكة ويعيد لها مصداقيتها وأبناءها الذين هجروا صفوفها حتى لا يكونوا في خدمة مشروع غير مشروعهم.