المادة الثانية.. وتزغيط البط
المادة الثانية.. وتزغيط البط ؟!
أ.د. حلمي محمد القاعود
في عام 1966 م ، كانت السلطة الناصرية العسكرية تعلق الشهيد "سيد قطب" وآخرين على حبل المشنقة ؛ بعد إغلاق خمس مجلات ثقافية تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد القومي بجرة قلم واحدة ، وكانت الحجة الظاهرة أنها قليلة التوزيع ( وهي حجة داحضة! ) ، أما الحجة الخفية فإنها مجلات رجعية محافظة ، أي إسلامية وليست شيوعية ، ولما كان كل ما يشير إلى الإسلام يسمى رجعيا ومتخلفا ومواليا للصهيونية ، فقد كان إغلاق المجلات الثقافية أمرا عاديا وكذلك إعدام سيد قطب وآخرين ، لم يحتج أحد ولم يغضب أحد من أجل حرية الفكر أو الإبداع أو الاعتقاد ، ولكن الأمر الغريب هو الشماتة الرخيصة التي أظهرها " لويس عوض" عرّاب الشيوعيين وأبوهم الروحي حيث كتب في الأهرام يومها : لقد ذهبت غمة الصيف ! يقصد إعدام الشهيد وزميليه ، وإغلاق المجلات الثقافية ..
في ذلك الحين كان الشيوعيون قد خرجوا من معتقلات عبد الناصر بعد زيارة خرشوف لمصر ، وتولوا أمر الصحف والإذاعة والتليفزيون ، لدرجة أن بعضهم وكان "اسكافيا" لا شأن له بالصحافة صار بفضل الشيوعية كاتبا كبيرا !
وأبلى الشيوعيون بلاءً غير حسن في التشهير بالإسلام الرجعي والإخوان المسلمين الرجعيين ، وكان واحد منهم يتولى مجلة "المصور" فنشر صورا لسيد قطب – رحمه الله - على أربع صفحات متقابلة وهو حليق الرأس حافيا ، يرتدي ملابس السجن ، وكانت العناوين تتحدث عن "إخوان الشياطين" و"الإرهابيين" و"الخونة" !
وشاءت إرادة الله أن يموت هذا الشيوعي الشامت ميتة بشعة ، داخل مطبعة إحدى الصحف في بيروت التي ذهب إليها بعد مجيء السادات ، وكانت الحرب الأهلية اللبنانية على أشدها ، وقد أصابت القذائف المطبعة فانصهر جسد الشيوعي مع الرصاص المصهور ، واللهم لا شماتة !
ولأن الشيوعيين يمثلون مع أشباههم من اليساريين والعلمانيين والماسونيين والمرتزقة – أقلية ضئيلة في مصر المسلمة التي يدين 99 % منها بالإسلام عقيدة وحضارة ، ويريدون فرض آرائهم وتصوراتهم على المسلمين ، فهم لا يصدقون أن القضاء المصري الشامخ حكم بمصادرة المطبوعة الحكومية الرديئة الهابطة التي يحتكرون تحريرها ، وينشرون فيها بذاءات ضد الله والإسلام والمسلمين ، ويطالبون في وقاحة غريبة وجرأة فجة ، بإلغاء المادة الثانية من الدستور ، أي دين الدولة الرسمي ، لأنها سبب كل بلاء من منظورهم الشيوعي الإجرامي ويرون أن القاضي حكم بإلغاء الترخيص للمطبوعة الرديئة الهابطة على أساس هذه المادة !
ويرى الشيوعيون الإرهابيون أن العقود الثلاثة الأخيرة كشفت أن القضاء اخترقته سهام سلفية كثيرة ، أثرت على نزاهته واستقلاله ، والسبب في ذلك – كما يرون – هو المناخ الظلامي (يقصدون الإسلامي) الذي ساد منذ العقود الثلاثة الماضية ، ووقوف القضاء في تلك العقود الثلاثة على "المرجعية" نفسها التي يقف عليها شيوخ الحسبة ، وهي المرجعية التي توفرها المادة الثانية من الدستور وقانون الحسبة والقوانين التي تكبل المواد الداعمة للحريات ، وتفرغها من محتواها الحقيقي ، وهكذا صار القضاء "سلاحا" في يد السلفية الدينية المتزمتة ! ( الحياة – لندن – 16/4/2009م ) .
الرؤية الشيوعية الإرهابية ترى إلغاء الإسلام كي تتحقق الحرية ، ويتاح للشيوعيين إهانة الذات الإلهية وسب المسلمين وتحقيرهم ، ووصف الإسلام بالظلام والمسلمين بالظلاميين ، في كلامهم الركيك الذي يسمونه شعرا ، ومقالاتهم السخيفة التي يسمونها فكرا ، وسردهم الفاحش الذي يسمونه إبداعا .. وأصبحت الوصفة الناجحة للنشر في مجلات الدولة وصحفها التي يحتكرها الشيوعيون وأشباههم أن تكتب كلاما إباحياً ، أو تسب الذات الإلهية ، أو تلعن الإسلام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (عن طريق سب الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان المسلمون) ، فضلا عن ذكر الأصولية والظلامية والرجعية والتعصب والسلفية الدينية وكراهية الآخر .. وما شاكل ذلك .
نفذ هذه الوصفة ولا بأس أن تمزجها بتزغيط البط ، وعسكري المرور ، وحمار الكارو ، وبائعة الجرجير ، وليالي الهرم . ! تجد موضوعك منشورا في حفاوة بالغة .
إن النغمة التي يروج لها كتاب "تزغيط البط" أن الذي يجب أن يحكم على الأعمال الأدبية هم النقاد والشعراء بوصفهم متخصصين في فهم الفن الأدبي ، وهذا حق أريد به باطل ، لأن الأديب أو الشاعر يتوجه إلى القارئ الذي يملك حدا معقولا من الثقافة ، فإذا استعصى عمله الأدبي على الفهم ، أو أعطى دلالة صادمة ، فان الخلل في الأديب أو الشاعر .. ومهمة الناقد هي القراءة التي تكشف مالا يكشفه القارئ العادي ، ويؤسس تفسيرات تضيء ما يفهمه القارئ العادي بصورة أوضح ..
قال رئيس تحرير المطبوعة الرديئة الهابطة عن كتابة تزغيط البط أن فيها مباشرة واستسهالا يسمحان للقراءة الدينية (المتزمتة !) أن ترى فيها شططا . وكتب نائبه أن إدارة المطبوعة نشرت الكلام لأن صاحبه معروف ومسئول عنه ، ولأن فيه ركاكة فنية فضحت تجاوزه الديني فلم يستطع تغطية ذلك التجاوز بالفنيات الجمالية التي تجعلنا نستسيغ التجاوز !
هذا كلام اثنين ينسبان إلى الشعر والنقد ، وكلامهما واضح وصريح ، و يؤكد أن هناك تجاوزا وشططا ، وما فهمته المحكمة هو ما فهمه مسئولا المجلة ، والقراء العاديون في كل مكان على ظهر الأرض ، فهل نحذف المادة الثانية من الدستور من أجل عيون صاحب الكلام الذي فيه تجاوز وشطط باعتراف شيعته ؟
ومهما يكن من أمر ، فان الوضع الثقافي الفاسد يجب تغييره ، فمن المعيب أن يكون 99% من سكان مصر مسلمون بالعقيدة والحضارة وتتحكم فيهم أقلية ناشزة فاسدة ، استخدمتها السلطة البوليسية الفاشية ، لاستئصال الإسلام وتغييبه ، وإحلال ثقافة غريبة بعيدة عن روح الشعب وهويته مكانه !
لقد تسلطوا على الثقافة والإعلام والتعليم ، وحرموا كل صوت إسلامي حقيقي من مخاطبة الناس ، وروجوا للأصوات الإسلامية الزائفة التي تشكك في السنة النبوية أو تفتي بغير علم بإباحة التدخين في رمضان ومشاهدة الأفلام الجنسية في نهار رمضان ، وإباحة القبل بين الشبان والفتيات ، ومساواة الذكر والأنثى في الميراث ، وإلغاء الحدود ، وإلغاء الحج في مواعيده وإلغاء الثوابت وتعديل العبادات والترويج للفتاوى البائسة عن البول والرضاع وغير ذلك ..
إنني لا أستطيع ولا يحق لي أن أطالب بنشر كلمة في جريدة "توتو" أو مجلة " أدب ونقد " لأنها ملك الشيوعيين وحزبهم الحكومي المدعوم من السلطة ، ولا يحق للشيوعيين أن يمنعوني نشر كلمة في جريدة أو مجلة أو مؤسسة يملكها الشعب المصري الكادح ، ويغطي خسائرها من عرقه ودمه .. بيد أن الواقع يؤكد أن السادة الشيوعيين وأشباههم يتحكمون في النشر الخاص والعام جميعا ، ويمنعون غير الموالين لهم من النشر ، وبعدئذ يتبجحون بالكلام عن حرية الرأي والفكر والعقيدة ، ويطالبون بحذف المادة الثانية من الدستور وإلغاء الحسبة – حسبنا الله ونعم الوكيل .
حاشية :
1 – خسر الصحفي ومذيع برنامج 48 ساعة كثيرا بدفاعه غير المفهوم عن السلطة المستبدة ، وضاع كثير من رصيده ببساطة !
2 – لا أعرف كم ينفق " الأهرام " على مدير مكتبه في تركيا من عرق المصريين ودمهم نظير هجومه الدائم على الإسلام والمسلمين ، وترويجه للعلمانية ، أي الإلحاد بالمفهوم التركي ، في مقال قصير كل أسبوع ، دون أن يقدم لنا مادة إخبارية حقيقية عما يجري في البلد المسلم الشقيق ؟ من يعرف يخبرنا وله ثواب !