"إسرائيل" ليست عنصرية
"إسرائيل" ليست عنصرية!
صلاح حميدة
منذ تنظيم مؤتمر"ديربان" لمناهضة العنصرية، وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تقاطعانه، وتعتبرناه متحيزاً ضد إسرائيل، ويقف في صف أعدائها، هذه السنة عقد المؤتمر في جنيف في القارة الأوروبية، ولكن قائمة المقاطعين زادت لتشمل مجموعة دول أخرى تتقاطع في رؤيتها مع الدولتين السالفتي الذكر.
هذه المقاطعة دفعتني للبحث عن معنى العنصرية، وهل" إسرائيل" مظلومة من قبل دول العالم، وهل ما تقوم به" إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني، وضد محيطها العربي والاسلامي ليس عنصرية؟ وهل ما تمارسه هذه الدولة بحق مواطنيها العرب ليس عنصرية؟.
الموسوعة الحرة تعرف العنصرية بالقول:-
( هي الافعال والمعتقدات التي تقلل من شأن شخص ما كونه ينتمي لعرق أو لدين. كما يستخدم المصطلح ليصف الذين يعتقدون أن نوع المعاملة مع سائر البشر يجب أن تحكم بعرق وخلفية الشخص متلقي تلك المعاملة، وأن المعاملة الطيبة يجب أن تقتصر على فئة معينة دون سواها. و أن فئة معينة يجب أو لها الحق في أن تتحكم بحياة و مصير الأعراق الأخرى. ) إنتهى الاقتباس.
أما الاعلان العالمي لمكافحة العنصرية، فيقول في بعض نصوصه:-
· لجميع الأفراد والجماعات الحق في أن يكونوا مغايرين بعضهم لبعض، وفي أن ينظروا إلي أنفسهم، وينظر إليهم الآخرون هذه النظرة. إلاّ أنه لا يجوز لتنوع أنماط العيش وللحق في مغايرة الآخرين أن يتخذوا في أية ظروف ذريعة للتحيز العنصري أو يبررا قانوناً أو فعلاً أية ممارسات تمييزية من أي نوع، ولا أن يوفرا أساساً لسياسة الفصل العنصري، التي تشكل أشد صور العنصرية تطرفاً.
· كل نظرية تنطوي على الزعم بأن هذه أو تلك من الجماعات العنصرية أو الإثنية هي بطبيعتها أرفع أو أدني شأناً من غيرها، موحيةً بأن ذلك يمنح جماعات معينة حق التسلط أو القضاء علي من تفترضهم أدني منزلة، أو تؤسس أحكاما قيمية علي أي تغاير عنصري، هي نظرية لا أساس لها من العلم ومناقضة للمبادئ الأدبية والأخلاقية للإنسانية.
· كل قيد علي حرية البشر في الازدهار الكامل وعلي حرية الاتصال فيما بينهم، يكون قائما علي اعتبارات عنصرية، أو يناقض مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق، وبالتالي لا يمكن قبوله..
· تتمتع شعوب العالم جميعاً بقدرات متساوية علي بلوغ أعلى مستويات النمو الفكري والتقني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي .
· كل تمييز أو إقصاء أو تقييد أو تفضيل مبني علي العنصر أو اللون أو الأصل الإثني أو القومي أو علي تعصب ديني تحفزه اعتبارات عنصرية، ويقوض أو يتهدد المساواة المطلقة بين الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها أو يحد بطريقة تحكمية أو تمييزية من حق كل إنسان وكل جماعة بشرية في التنمية الشاملة، يتعارض مع مقتضيات قيام نظام دولي يتسم بالعدل ويضمن احترام حقوق الإنسان، إذا أن الحق في التنمية ينطوي علي التساوي في حق الانتفاع بوسائل التقدم والازدهار الشخصي والجماعي في مناخ يسوده احترام قيم الحضارات والثقافات، علي كلا الصعيدين الوطني والعالمي .
إلى هنا انتهى الاقتباس من الاعلان العالمي لمكافحة العنصرية.
سنستعرض تصرفات وأفكار وبنية هذه الدولة بناءً على التعريف والاعلان العالمي لمكافحة العنصرية، لنعلم إذا كانت هذه الدولة، عنصرية أم لا.
بداية قامت هذه الدولة بناءً على فكرة عنصرية، وهي الفكرة الصهيونية، التي تعتبر أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله منحهم أرض فلسطين، وبالتالي فلا حق للفلسطينيين بأرضهم، لأنهم حسب الفكرة الصهيونية غير موجودين، ولذلك لا بأس باستخدام أي وسيلة لتغييبهم.
بناءً على الفكرة أعلاه، قامت الدولة، وعندما ووجهت بمعضلة أهل البلد الأصليين، قامت بتصنيفهم عدة أصناف على نمط عنصري استعلائي، فمنهم العربي المسلم، والعربي المسيحي، والبدوي والشركسي والدرزي، ومنهم من صنّفته(عربي إسرائيلي) و(عربي مقدسي) ومنهم من سمتهم بأهل الضفة الفلسطينيين، ومنهم أهل غزة، أما اللاجئون الذين هم الضحية المباشرة لقيام هذه الدولة العنصرية، فهم خارج الحسابات ولا قيمة لمعاناتهم الانسانية.
فاليهودي عو المواطن المتمتع بكل المميزات، فهو يخدم في كل المؤسسات في الدولة، ويتقاضى أفضل الرواتب، وله من الامتيازات في السكن والتنقل والمشاركة السياسية ما لا يحق لغيره..
تصادر أراضي الفلسطينيين، ويبنى بيته عليها، تهدم بيوتهم ويهجرون، ويجلب اليهودي ويوطّن عليها، يسبح اليهودي في الماء، ولا يجد الفلسطيني ما يشربه، تصادر مقدسات الفلسطينيين ويمنعون من الصلاة فيها، وتهدّم، وتصبح بين ليلة وضحاها يهودية تابعة للمستوطن العنصري المغتصب لأرض غيره.
للمستوطن اليهودي الحق بالدخول والخروج والتنقل والسفر، متى شاء وأينما شاء، ولكنّ الفلسطيني يحاصر في كنتونات من جدران اسمنتية وأسلاك شائكة، وتغلق عليه البوابات، ويضطر للسير ساعات حتى يصل لمكان يبعد عنه خمس دقائق، وذلك كله من أجل راحة المستوطن اليهودي وحتى لا يرى عربياً يذكره بجريمته، أو ينغص عليه التهام فريسته بنظرة أو بفعل مقاوم.
يقف العربي الفلسطيني، ساعات وساعات على الحواجز التي يضعها الجيش الاسرائيلي، وعليه ألا يتذمر، ويهان ويجبر على خلع ملابسه في إذلال متعمد لآدميته وكرامته، أما اليهودي المستوطن، فيتجاوز الصف الطويل من السيارات العربية التي تقف على الحاجز، ولا ينسى أن يسب أو يشتم الواقفين لساعات على الحاجز، أو أن يرشقهم بما يحمل في يده.
من الطبيعي أن يقتل اليهودي الفلسطيني، ومن المبرر قتل مئات الفلسطينيين، بل هذا مجال للفخر والعلو في المجتمع الصهيوني، أما الفلسطيني المسروقة أرضه، المستباحة حريته وكرامته ووقته وماله، لا يحق له الدفاع عن نفسه، ولو حدث أن اليهودي قتل العربي، فإما هو مجنون يخلى سبيله، وإما يكفي فيه(قرش شلومي) وهو القرش الذي غرم به المجرم شلومي مرتكب مجزرة كفرقاسم، وهنا يبرز الاستخفاف بآدمية الفلسطيني، واعتبار أنه لا قيمة له، أما المستوطن اليهودي، فتهدم البيوت ويقتل الناس وتحاصر المدن وتجوع، وتحرم من كل شيء من أجله، وإذا جرح، فيستحق الفلسطيني الذي جرحه السجن خمسة عشر عاماً، وإذا قتل الفلسطيني المستوطن مغتصب أرضه، فعقابه السجن مدى الحياة، هذا إذا نجا من القتل والاغتيال.
أما في السجون، فاليهودي له كامل الحقوق التي يتمتع به أي سجين، ولكن العربي لا حقوق له، ويتعرض للظلم والاضطهاد والتنغيص عليه وعلى أهله في زيارتهم له، على مدار فترة أسره، هذا إذا لم يحرم من الزيارة نهائياً، فضلاً عن الحرمان من العلاج الطبي وغيره من الأساسيات التي تكفلها له القوانين الدولية.
الفلسطيني ممنوع من استقدام أي تجهيزات علمية لجامعاته للتطوير، وممنوع من التطوير الصناعي والزراعي والتجاري، وهذا كله رهن بإرادة المستوطن اليهودي الذي يحتل أرضه، فلقمة عيشه مرهونة بالارادة الصهيونية لدولة الاحتلال.
بعد المقارنة بين التعريف العالمي للعنصرية، وبين ما تفعله هذه الدولة على أرض الواقع، يتبين أن هذه الدولة هي أم العنصرية وطليعتها في العالم، ولكن لماذا تدافع عنها تلك الدول، وتعتبرها غير عنصرية؟.
عند استعراض الدول التي تدافع عن "إسرائيل" وقاطعت المؤتمر، نلحظ أن هذه الدول(أمريكا، أستراليا،كندا) هي بالأساس دول استعمارية كولونيالية على النمط الاسرائيلي، قامت بإبادة وقتل السكان الأصليين الذين احتلتهم، فهي تراثياً وعقدياً وحضارياً لا تختلف عن هذه الدولة العنصرية" إسرائيل".
أما الدول الأخرى، كهولندا وإيطاليا والمانيا، فهي دول تدخل العنصرية في تركيبتها المجتمعية والحضارية، وتشكل جزءاً من تراثها الاستعماري للكثير من الدول والشعوب، ولذلك من الطبيعي أن تكون هذه الدول مجتمعة مدافعة عن عنصرية إسرائيل، فهذه الدول لا زالت العنصرية جزءاً من ثقافتها في التعامل مع الأقليات الدينية والاثنية فيها.
المدافعون عن طليعة العنصرية في العالم"إسرائيل"، مطالبون بالبحث عن تعريف جديد للعنصرية، حتى يخرج هذه الدولة من هذا التصنيف، فإذا كانت"إسرائيل" ليست عنصرية! فما هي العنصرية؟!.