الملتقى الثقافي الفلسطيني الثاني
الملتقى الثقافي الفلسطيني الثاني
صورة بانورامية رائعة التكوين
المخرج: يوسف علاري
فلسطيننا تجمعنـا
تشرفت بتلقي دعوة كريمة من سعادة السيد/ إسماعيل التلاوي أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للثقافة والتربية والعلوم ورئيس لجنة التنسيق الفلسطينية العربية لإحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 للمشاركة في الملتقى الثقافي الفلسطيني الثاني الذي نظمته اللجنة بجهود أمينها العام، بالتعاون مع اللجنة الأردنية للتربية والثقافة وبدعم من مؤسسة التعاون والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليسكو)، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو)، وقد مثلها في الملتقى سعادة السيد (مصطفى عيد) خبير البرامج في مديرية الثقافة والاتصال، وقد أضفى حضوره رونقاً خاصاً كونه فلسطيني يعيش في المغرب العربي ويمثل الإيسيسكو، كما أثرانا بمحاضراته القيمة التي ألقاها، ومناقاشاته ومداخلاته أثناء الاجتماعات والندوات.
اختتم الملتقى الثقافي الفلسطيني الثاني في العاصمة الأردنية عمان بتاريخ 1/4/2009 بعد أن استمر لمدة أسبوع تخللته عدة فعاليات ثقافيّة وفنيّة وزيارات ميدانية وندوات ومحاضرات مكثفة شارك فيها عدد كبيرمن كبار أساتذة الجامعات والمثقفين والسياسيين الفلسطينيين المتخصصين في الشؤون الفلسطينية عموماً والقدس على وجه الخصوص، كما شارك في الملتقى عدد من أبناء شعبنا الفلسطيني أتوا من مختلف أرجاء العالم ومن مختلف الأطياف والانتماءات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، لكن الجامع الأكبر بينهم هو الهوية الفلسطينية والانتماء الفلسطيني. أتوا من مدن فلسطيننا (القـدس)، حيفا، عكا، الجليل، رام الله، نابلس، جنين، غزة، ومن الشتات مخيمات سوريا؛ مخيم اليرموك ومخيم خان الشيخ ومخيم حمص، ومخيمات لبنان؛ عين الحلوة والرشدية والبداوي ونهر البارد ومخيمات الأردن ومن أوروبا والخليج العربي، التمّ شمل بعض شبابنا في فلسطين مع أهلنا فلسطينيي الشتات لمدة أسبوع، كان لقاء الأحبة، لقاء الأخوة، لقاء الدم، لقاء التاريخ، لقاء الحضارة، لقاء مدن وقرى فلسطين في صوت وملامح كلٍ منّا لنشكل جميعا لقاء فلسطيننا الحبيبة، فلسطيننا التاريخية، كونّا في النهاية نسيجا ثقافياً فلسطينياً موحداً تحت شعار (القدس عاصمة الثقافة العربية).
لقد مثل شباب الملتقى حضوراً مثمراً ومميزا من خلال محاوراتهم ومناقشاتهم ومداخلاتهم البناءة الهادفة إلى رفع مستوى الأداء الفلسطيني مع نخبة من الأساتذة المحاضرين، فقد طرحوا على طاولة النقاش كل القضايا الفلسطينية كبيرها وصغيرها دون تحفظ أو مواربة مما أدهشوا جميع الحضور بحسهم الوطني المسؤول وثقافتهم الفلسطينية الواسعة.
لم يخفَ على أحد مدى تعاطفهم مع شعبنا الجريح في غزة، وعظيم أسفهم على ما يجرى لهم من عملية تصفية جماعية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الوحشي. كما وأعربوا عن سخطهم وحزنهم على ما آل إليه الوضع الفلسطيني المنقسم فأدانوا الانقسام وكل من يدعو إليه بشدة مهما كانت أسبابه ومسبباته، وأبدوا أسفهم لعدم التوصل إلى اتفاق وطني إلى الآن، كما حمّلوا حركة حماس مسؤولية ذلك الانقسام وانتقدوا في الوقت ذاته السلطة الفلسطينية لضعف أدائها الحكومي، وطالبوها بالانتباه إلى عدة قضايا منها على سبيل المثال قضية فلسطينيي الشتات، فهم جزء من المشروع الوطني الفلسطيني الكامل، فأعرب المشاركين عن أسفهم لعدم التواصل فيما بين القيادة الفلسطينية وفلسطينيي الشتات وخصوا بالذكر بعض السفارات الفلسطينية واتهموها بالتقصير في أداء واجبها الوطني. كما أوصوا بالإهتمام في منظمة التحرير الفلسطينية البيت المعنوي الكبير لكل الفلسطينيين.
ركز المحاضرون وأعضاء اللمتقى على قضيتنا الكبرى (القدس الشريف) وطالبوا بمد يد العون لأهلنا في المدينة المقدسة التي تهوّد يومياً على مرأى ومسمع العالم كله، فخاطبوا كل فلسطينيي الشتات والعالم العربي والإسلامي وأحرار العالم أجمع أن هُبوا لنجدة القدس من براثن الاحتلال، وقِفوا وقفة عزٍ وشرف بمد يد العون للبيت المقدسي الذي يهدم كل يوم من أجل تهويد المدينة، جرت تلك المناشدة بعد أن سمع أعضاء الملتقى من بعض الأساتذة المتخصصين في شؤون القدس كالدكتور (خليل التفكجي) مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق والخبير في مجال الاستيطان حيث قال: "أخطر ما يهدد المدينة المقدسة هو بناء المستعمرات الإسرائيلية حول القدس لعزلها عن محيطها الفلسطيني وعزلها عن مكونها الطبيعي والجغرافي كعاصمة للدولة الفلسطينية، التي لا يمكن لها أن تكون بدون القدس عاصمة لها".
أما محاضرة السيد (حاتم عبد القادر) مستشار رئيس الوزراء تحدث فيها عن التغير الدمغرافي للقدس على ضوء السياسة الإسرائيلية، مركزا على ما تقوم به سلطات الإحتلال من فرض قيود شديدة على المقدسيين من خلال سحب هوياتهم وهدم منازلهم بهدف تغيير التركيبة السكانية للمدينة المقدسة، وقد أشار عبد القادر إلى أن أكثر من ثمانين الف فلسطيني مهددون بسحب هوياتهم وطردهم خارج المدينة.
كل تلك القضايا والنقاشات والشروحات والملاحظات والاستفهمات والانتقادات والتوصيات جرت خلال جو حواري ديمقراطي صادق وصريح مع بعض الأساتذة السياسيين والقادة الفلسطينيين كمعالي سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني ومعالي عزام الأحمد رئيس كتلة فتح النيابية في المجلس التشريعي ومعالي يحيى يخلف رئيس اللجنة الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم ومعالي رائف نجم وزير الأوقاف الأسبق في المملكة الأردنية والدكتور حنا عيسى أستاذ القانون الدولي والوكيل المساعد للشؤون المسيحية في وزارة الأوقاف الفلسطينية والسيد أحمد الرويضي رئيس وحدة القدس والسيد ماهر مشيعل المستشار الثقافي في سفارة فلسطين لدى لبنان والأستاذ نواف الزرو الباحث في الشؤون الأستراتيجية وعدد من المفكرين والأكادميين الفلسطينيين والأردنيين خلال النقشات حول الوضع الفلسطيني العالمي والإسلامي والعربي والإقليمي والفلسطيني الفلسطيني.
أوضح سعادة السيد إسماعيل التلاوي (دينمو الملتقى) -كما يحلو للبعض تسميته لما يبديه من ابداع وبراعة وجهد حثيث في تنظيم المحاضرات وإدارة اللقاءات- أهداف الملتقى في كل لقاء جمعه مع مسؤول فلسطيني أو أردني أمام أعضاء الملتقى، وللأسف تغيبت وسائل الإعلام الأردنية عن حضور فعاليات الملتقى رغم دعوتها، فأبدى أسفه لهذا الغياب الغير مبرر، وأشار التلاوي الذي يشغل منصباً ثقافياً رفيعاً في بلدٍ يحتضن مقدسات العالم وإرثه وتاريخه الحضاري والديني والإنساني معاً عن أسباب انعقاد هذا الملتقى وركز في كل حديثٍ له خلال اللقاءات على هدفٍ نبيل وهو "جسر الهوّة الثقافية بين أبنائنا الفلسطينيين الذين يعيشون في بلدان مختلفة، والذين حدث بينهم -نتيجة لاختلاف أماكن سكنهم- تمايز ثقافي أخذوه من المجتمعات التي عاشوا فيها، وأثر على سلوكهم وطريقة تفكيرهم، ثم أشار أنه من المؤلم أن نتحدث عن تمايز ثقافي لشعبٍ واحد بينما يتحدث العالم الآن عن تنوع ثقافي بين الشعوب وأن الهدف الرئيسي للملتقى توحيد الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني "
ختـامـاً
الثمرة المرجوة من هذا الملتقى هي توحيد الثقافة الفلسطينية في ظل تعدد الثقافات المكتسبة نتيجة تشتت أبناء شعبنا الفلسطيني في جميع أصقاع الأرض، ولن يؤتى أكُلها إلا إذا عملنا جميعا على استمرارية هذا الملتقى وغيره من الملتقيات الفلسطينية الفلسطينية وعلى إيجاد طرق للتواصل فيما بيننا، ولن يتسنى لنا ذلك إذا أدخلنا حسباتنا السياسية والحزبية والفئوية في عجلة التواصل الثقافي، لذا يجب علينا أن ننفض عنّا غبار السياسة والخلافات السلطوية حين نتحدث عن تاريخنا وتراثنا وثقافتنا وحضارتنا الفلسطينية العريقة والموغلة في القدم، ففلسطين أكبر منّا جميعا، قبل أن نأتي إلى الدنيا كانت فلسطين، وبعد أن نذهب عن الدنيا ستظل فلسطين، فلنحيا عظماء في خدمة وطننا الحبيب، وعلينا أن لا نقلق كثيرا من تعدد ثقافاتنا المكتسبة من الشعوب الأخرى، فهذه الثقافات كنز غربتنا إذا استطعنا أن نسخرها في خدمة ثقافتنا الأم وقضيتنا ووطننا الفلسطيني، ولن يتم ذلك إلا بسلامة النية وتوحيد الهدف المنشود، وهنا يأتي دور سفاراتنا في صنع جسور التواصل وتعبيد الطرق بين أبناء الجاليات الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم لنحافظ على الأقل على وحدة الصف الثقافي الفلسطيني.