إسرائيل دولة استثنائية
جميل السلحوت
التعامل مع اسرائيل كدولة استثنائية ليس جديدا، وليس تكفيرا عن جرائم النازية كما يزعم البعض، فقبل ظهور النازية ومنذ وعد بلفور في نوفمبر 1917 وقبله في اتفاقات سايكس بيكو التي مهدت لتقاسم الدول الامبريالية للعالم العربي، تم التعامل مع المهاجرين اليهود الى فلسطين كحالة استثنائية، وزمن الانتداب البريطاني الذي سهّل بل ورعى هذه الهجرات، كانوا يدربون المستوطنين اليهود على السلاح ويزودونهم به، في حين كانوا يعدمون الفلسطيني على رصاصة فارغة أو لحيازته سكينا.
وبعد الاعلان عن قيام دولة اسرائيل في 15-5-1948 وما صاحب ذلك من نكبة الشعب الفلسطيني والدول الامبريالية وفي مقدمتها بريطانيا وأمريكا وفرنسا تعاملت مع اسرائيل كدولة فوق القانون الدولي، وفوق قرارات الشرعية الدولية، ووفرت لها هذه الدول غطاء سياسيا وعسكريا وفي مختلف الأصعدة، وهذا شجع اسرائيل على عدم الالتزام حتى بقرارات الأمم المتحدة التي سبق وأن وافقت عليها من باب العلاقات العامة وفن ادارة الصراع، ومن هذه القرارات قرار رقم"181" المعروف باسم قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947، والذي يعتبر شهادة ميلاد اسرائيل الدولية، فقد اعترفت بنصفه الذي يدعو الى اقامة دولة اسرائيل، ولا تزال لا تعترف بنصفه الثاني الذي يدعو لاقامة دولة فلسطين.
وهذا الغطاء الدولي لاسرائيل المصحوب بالحفاظ على اسرائيل كأقوى دولة عسكريا في المنطقة هو الذي شجعها ولا يزال يشجعها على ممارسة ما تريده من حروب توسعية دون أيّ رادع قانوني أو أخلاقي أو سياسي، ودون حساب لعواقب أفعالها.
واستمرار هذه التغطية الدولية خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية جعل قادة اسرائيل ينظرون الى مشاكل المنطقة من خلال القوّة العسكرية فقط، مع تغييب للعقل وللمنطق وللقانون الدولي، وبالتالي فهم يتوغلون ويتغولون في انتهاكهم للقانون الدولي، ولاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، وللوائح حقوق الانسان، وحقوق الطفل، وغيرها، وفي حربهم الحالية على الشعب الفلسطيني والتي تستهدف قطاع غزة قبل غيره لوحظ استعمال القوة التدميرية المفرطة بشكل غير مسبوق، فهناك استهداف للبيوت السكنية لإبادة عائلات بكاملها، وهناك استهداف لأماكن إيواء المدنيين المشردين من بيوتهم المهدمة كمدارس وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، وهناك استهداف للمدارس الأخرى، وللمستشفيات، وللمساجد، وللبنى التحتية من كهرباء وماء وغيرها، ولتجمعات الأطفال والنساء ، واستهداف لأحياء سكنية كاملة وتدميرها على رؤوس ساكنيها. واستهداف للصحفيين ومكاتب الصحافة وغير ذلك من أهداف مدنية لا علاقة لها بالأهداف العسكرية. ورغم الاحتجاجات الشعبية على مستوى دول العالم، وغضب بعض الحكومات وسحب سفرائها من اسرائيل كما فعلت بعض دول أمريكا اللاتينية إلا أنه لم يرف جفن لقادة اسرائيل، ولا لحماتها.
وهذه التغطية لعدوانية اسرائيل هي التي دفعت بعض قادة الرأي في اسرائيل الى تصريحات مجنونة وضد الانسانية مثل تصريح عضو كنيست اسرائيلية الذي تطالب فيه بقتل النساء الفلسطينيات لأنهن يحملن أطفالا "ارهابيين"، ومثل مطالبة استاذ جامعي على شاشة التلفاز الاسرائيلي باغتصاب أمهات وأخوات المقاومين الفلسطينيين. ومثل انتشار الشعارات التي تطالب بقتل العرب، والمسيئة للدين الاسلامي وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل ينتبه حماة اسرائيل الى أين ستقود تغطيتهم هذه؟ وماذا ستكون نتائجها حتى على اسرائيل نفسها؟ وعلى السلم العالمي؟