على الشعب أن يتحرك
على الشعب أن يتحرك
عبده مصطفى دسوقي
باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث
[email protected]
أيام خالدة في تاريخ شعب مصر تلك التي كتبها أبناءه بمداد من دمائهم على صفحات مياه البحر وتحت عجلات السيارات أو أسفل أنقاض العمارات أو داخل عربات القطارات المحترقة, أو على أرغفة الخبز الملوثة أو المبيدات المسرطنة أو الحديد القاتل أو المسارح المحترقة أو الأرصفة المكسرة حقا أنها أيام ولحظات خالدة.
لقد ساء الحكومة أن ترى أحد من الشعب يحيى, بل ساء رجالها أن يجدوا المصريين رغم كل ذلك مازالوا يعارضون سياستها, فأخذت الحكومة ورجال أعمالها يسنوا القوانين ويفصلوا التشريعات, وأخذوا يتهمون الشعب بأنه المخطئ وأن سياسة الحكومة رشيدة والدليل مداح الدجالين والمنافقين وأصحاب العاهات المنبوذين لسياستها.
لقد لامت الحكومة الشباب المهاجر كيف سولت له نفسه بأن يلون مياه البحر بدمائه, بل كيف سمح الشعب لنفسه بأن يلوث عجلات السيارات بدمائه, بل كيف سمح الشعب لنفسه أن يسكن في عمارات ليست في قبضة السادة الوزراء فساءها ذلك فأخذت تطلب من الشعب ثمن تلويثه عجلات السيارات, ومياه البحار بأن سنت عقوبات ضريبة على العقارات وعلى الأطيان وعلى الحياة والهواء بل على الموتى الذين ماتوا ولوثوا بدمائهم عجل السيارات ومياه البحر الغدار.
بل أخذت وزارة الداخلية تطلب التعويضات من الشعب على ثمن الرصاص الذي صبه جنودها على المتظاهرين وعلى الفلاحين والعمال المشردين بل على طلبة العلم المظلومين، بل لم تكتف بذلك فعاقبت القتلى والجرحى الذين ماتوا وجرحوا في أقسامها لكونهم اعتدوا على ضباطها وجنودها قبل أن يموتوا برصاصهم, بل أخذت تتهم الشعب بأنه السبب في فشل المحافظة على الأمن والنظام ولذا لا يصلح معكم سوى قانون الطوارئ الهمام الذي يحمى الكرسي الغلبان. هذه هي الأيام الخالدة التي يعيشها الشعب المصري في ظل حكم سيدنا الهمام.
على الناحية الأخرى نجد أن العلاقة بين الغنى والفقير أصبحت علاقة بين السيد والعبد، فمع مرور الأيام يزداد الغنى غنا والفقير فقرا بسبب ظلم الأغنياء لطبقة الفقراء، بل أصبح سن القوانين لا يهدف إلا لخدمة وحماية الكبار.
فالإسلام لم يقلل من الجد والاجتهاد وزيادة الثروة لكن عن طريق الطرق المشروعة ودون أخذ حق واستعباد الفقير كما يحدث الآن، فلقد اعتنى الإسلام بالعلاقة بين الغنى والفقير في منظومة متكاملة من التعاون والحب بينهما، فيرتقى الغنى ويتحسن وضع الفقير وتزدهر البلاد.
إن الأغنياء الآن ينتظرون من الفقير أن يكون ذليلا لهم، عبدا مطيعا لرغباتهم، فيقف لهم عند مرورهم، ويثن عليهم وقت حديثهم.
وما يحدث لشعب مصر الآن ما هو إلا نموذج بين السيد والعبد، السيد الطاغي الآكل لحقوقهم والمتمثل في الحكومة والدولة، والعبد الذي يعمل على كسب قوته المتمثل في الموظفين والعمال والفلاحين وغيرهم من الطبقات المطحونة.
لكننا لو نظرنا نظرة متعقلة إلى هذه المسألة لنجد أن الغنى هو وحده المطالب باحترام الفقير، والوقوف له، فالحقيقة أن الموظفين والعمال والفلاحين هم الذين صنعوا الأغنياء بدمائهم وحيويتهم، وإن التماثيل المزينة في منازل الأغنياء وكبار النظام مصنوعة من عرق الفقير وأعصابه، فالفقير عبارة عن تراب الذهب الذي صنع الذهب للغنى، وهو نشارة الخشب التي تخلفت من صنع هذه التماثيل البراقة، فالأغنياء بالفقراء، وإذا طبقنا ما أمر به إسلامنا في العلاقة بين الغنى والفقير لعاشوا جميعا في رغد ومحبة .. لا حقد وكراهية، وإذا نظرت الحكومة إلى العمال والموظفين والفلاحين على أنهم القوة الدافعة للإنتاج ما بخلوا عليهم بحقوقهم، وما سنوا القوانين التي تقضى على آخر رمق لديهم، وما باعوا العمال إلى أصحاب المصانع.
أخشى في الفترة القادمة أن تتجه البلاد بسبب ما يسن ضد الفقراء من قوانين قاهرة والتي تدفعهم للإقدام على الموت وحدهم، أن تتكون عندهم فكرة الموت الجماعي فلا يفرق بين غني وفقير، فيسوء الإنتاج وتخرب البلاد.
لقد تعقدت مشكلات الناس وسادت الاضطرابات وخيم القلق, ولسنا بصدد الإحصاء والاستقصاء ولكن حسبنا أن نذكر مشاكل العمال واعتصامهم وأزمة رغيف العيش وغلاء الأسعار وتصدير الغاز والحديد لإسرائيل ومشاكل الصحة والتعليم, واحتكار بعض رجال الأعمال لثروات البلاد, ويقع كل ذلك تحت سمع الحكومة وبصرها, وترتفع أصوات المظلومين بالشكوى, وتجرى أنهار الصحف بدموع المتألمين والمنكوبين غير أن الأصوات تذهب مع الريح والدموع يبخرها الهواء وكل شيء معطل وكل إصلاح موقوف, لماذا؟ لأن أيدينا مغلولة ولأن المشاكل بغير حل ولا يمكن أن تمر مواكب الإصلاح إلا بعد أن تمر مواكب الجلاء .. جلاء الطمع وحب الاستئثار والأنانية التي أصبحت سمة بعض المسئولين ورجال الأعمال والأثرياء ورجال النظام ... لكن متى يحدث هذا الجلاء وينفسح المجال لمواكب الإصلاح الداخلي ذلك علمه عند الله.... غير أن الحل هو أن يتحرك الشعب، فيجرد نفسه من أطماع المصالح الشخصية، ويستشعر قيمة الوحدة والنهوض بمصلحة الوطن، والعمل على تحريره من ربقة العبودية لمعونات الغرب.
لابد أن يتحرك الشعب نحو التقدم الجماعي، لا البحث عن المصالح الفردية فالجميع في سفينة واحدة يحاولون الوصول إلى شاطئ الأمان ولن يحدث ذلك إلا أن نكون على قلب رجل واحد.