في القاهرة فتح تحاور تاريخها..!
في القاهرة فتح تحاور تاريخها..!
د. محمد يحيى برزق
نعم.. القضية قضية مبادئ وليست يافطات وأعلام وألوان, فالوطنية هي أن تكون مستعدا لأن تفدي الوطن بالروح والدم.. والخيانة هي أن لا تدافع عن الشرف خوفا على حياة, أي حياة مهما كانت ذليلة و مهينة و بدون شرف.. بعد أجيال من الصراع مع عدوك و مراقبتك للضحايا من موتى و مشوهين و معاقين و مشردين.. تكتشف بعد خمسين عاما أنك أذكى و أهم من الذين ماتوا و تشوهوا و أصحاب العاهات فتعلن اليأس من طريق المقاومة و التحرير فتقبل ما يعرضه عليك عدوك لقاء بقاءك في البيت الذي ورثته عن آباءك.. أن يكون سيدا مطاعا في بيتك.. يحكم فيك و زوجتك و أمك و بناتك و أولادك خدما و جواري تسهرون على تلبية كل طلباته و رغباته هو و ضيوفه.. لن يغير وجه الخيانة القبيح أي ادعاء بأن مصلحة العائلة في البقاء والتطور يقضي بالقبول بالواقع وأن علينا أن نقبل لأبينا أن يسمي اغتصاب كل الكلاب لأمنا حرية شخصية.. وأن يعلن من المرحاض فتاوى تحرير المرأة وحقها في أن تمارس تعدد الأزواج وأن هذا تصحيح ثوري لفكرتنا عن الشرف والدين.. يا هيك الحرية يا بلاش.
لقد كانت فتح صاحبة السبق في شق
طريق المقاومة وممارسة الوطنية عطاء وبذلا وتضحية.. فلم يكن حينذاك بينها و باقي الفصائل أي مشاكل جوهرية فلم يكن هناك انقسام ولا خلاف ولا ضرورة لأي حوار لا مع حماس ولا غير حماس.. فالكل يتعامل مع العدو على أنه عدو و يدافع عن فلسطين بكل ما يستطيع.. لقد بايعت فتح على ميثاقها الوطني الذي كتبته بدم الشهداء الزكية وعاهدت الله أن لا تفرط في فلسطين.. كل فلسطين وأن دربها هو حرب الشعب طويلة الأمد أسلوبا والكفاح المسلح وسيلة وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة... في الواقع.. لو قارنا ميثاق فتح الوطني و مبادئ عاصفتها الشمّاء بمبادئ و مواثيق أي ثورة أو حركة تحرر لما وجدنا أي اختلاف.. لذلك لمّا جاءت فصائل المقاومة الأخرى و من بينها حماس جاءت تتبنى نفس المبادئ و نفس الميثاق الفتحاوي.. لأن مبادئ و شرف و طريق المقاومين و الثوار متماثلة و كلما تشابهت الأهداف لابد و أن تتشابه المبادئ و المواثيق. إن الاحتلال و الاغتصاب ذل ما بعده ذل وإننا إذ نقاوم الاحتلال نعبر عن رفضنا للذل.. أي أننا لن نقبل العيش إلا أحرارا نتمتع بالشرف والكرامة التي تليق بإنسانيتنا التي لن نساوم عليها, ليس مع المحتل فقط بل ومع أي جهة حتى و لو ادّعت الوطنية أو القومية أو شرعية دولية, فلا فرق بين أن يذلنا مستعمر من الخارج و ذل يمارسه علينا حاكم من جلدتنا.
لقد ذهبت حماس والفصائل إلى القاهرة لتضع على طاولة الحوار مواثيق وثوابت المقاومة التي هي في الأصل تاريخ فتح الأصيل.. الذي تخلت عنه في متاهات السلام الذليل والعقيم.
إن وفد رام الله الذي يمثل فتح عنوة في القاهرة لا يحاور شيئا غريبا عنه.. إنه يحاور تاريخ فتح الحقيقية التي ألقاها المنقلبون على المبادئ والأخلاق والمواثيق والثوابت في رام الله في سلة المهملات بعد أن ذبحوها وسلخوها ثم لبسوا جلدها وذهبوا للحوار في القاهرة ليضللوا الناس بجثث اتفاقيات ميتة.. أوسلو و شرم الشيخ و تنت و زيني و خارطة الطريق و أنا بولس و مبادرة العرب إضافة إلى شروط الرباعية..و في هذه الحالة فإن وفد الخيانة و الفساد المتخفي بجلد فتح الطاهر لن يختلف مع حماس فقط بل مع كل شرفاء الأرض عن عمد و سبق إصرار .. لأن تعريف الشرف عند الجميع واحد و من يحيد عنه يكون هو المخالف..
لكن, بما أن فتح المساومة ترفض فتح المقاومة فلا أقل من أن تعطينا تفسيرا لوجودها في القاهرة.. هل ذهب الفتحاويون الأشاوس إلى الحوار ليقنعوا حماس و الفصائل بهذه الإملاءات الصهيونية و الأمريكية و الأوروبية؟ هل يظنون حقا أنهم بذلك يمثلون فصيلا وطنيا؟ إنهم في القاهرة في مواجهة مع تاريخ فتح .. التاريخ الذي تتمسك به حماس؟
لقد سبق لهؤلاء الفتحاويون أن رفضوا هذا التاريخ و دفنوه.. فماذا يريدون من حوار حماس إذا؟
إن مصلحة الشعب الفلسطيني لا ولن تتحقق بحكومة ترفع الحصار و تخضع لشروط الأعداء.. بل بحكومة ترفع الرأس و تخضع لله ..
لا.. لن نحفل ببيانات و تصريحات و فتاوى ثورة المطبخ و المرحاض الوطنية لأن أمنا فلسطين, الأحب و الأقدس, ليست للبيع ولا للأجرة و على وفد أوسلو اليائس في القاهرة أن يحجز تذكرته على أقرب طائرة متوجهة إلى سنغافورة و يترك فلسطين للفلسطينيين الذين يصرّون على أن تبقى فلسطين فلسطين لا سنغافورة.