وأصبح التزوير منهجا وسلوكا
وأصبح التزوير منهجا وسلوكا
أ.د/
جابر قميحةإن من حقنا ، ومن حق المواطنين أن يشهدوا للحكم القائم بالنجاح الباهر في تفريغ الشخصية المصرية من الداخل ، ونسف ما كانت تؤمن به من قيم خلقية ووطنية ، واستخدام أخس الوسائل للوصول إلى الحكم ، والهيمنة عليه ، وتكريس كل القيم المهترئة التي يؤمنون بها ، حتى لا تهتز الكراسي التى اغتصبوها من تحتهم ، وهم يحتفظون بما يسمونه " الأغلبية "!!!!! التى قال عنها"الشاذلي الباجوري " : إن الحزب الوطني هو حزب الأغلبية ، وسيظل حزب الأغلبية إلى الأبد ". ولم ينس في دعايته الانتخابية أن يعلق لافتات ضخمة في دائرته نصها "أبناء الباجور في باريس يؤيدون الشاذلي " وأقسم لك أيها القارئ أنها ليست نكتة .
وأنا لم أبالغ حينما جعلت عنوان مقالي هذا "وأصبح التزوير منهجا وسلوكا".
* * *
وأعتذر للقارئ عن هذا الاستطراد قبل أن أورد بعض مفردات المأساة ... مأساة التزوير . فليصاحبني القارئ من بداية هذا العرض المنكود :
جاء في القاموس المحيط : من معاني الزور ، الكذب ، والشرك بالله ، والباطل.
وقريب منه ما جاء في القاموس أيضا من أن الزيف هو الغش . ويقال "دراهم زيوف " أي صارت مردودة لغش والواحد درهم زيف وزائف .
وأبلغ من كل أولئك ما نعيشه في كتاب الله الحكيم :
جاء في القرآن الكريم ما ينهى عن الزور والتزوير ، وما يشدد في النهي عن الزور والنزوير في قوله تعالى " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" الحج 30 .
وقوله تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا " الفرقان 4 .
وقوله تعالى " الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ " المجادلة 2 .
وجعل الله من صفات المؤمنين أنهم لا يقولون الزور ولا يشهدون شهادة الزور
يقول تعالى " وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " الفرقان 72 .
* * *
وأقدم فيما يأتي قليلا من صور التزوير والتزييف :
فمنها تزوير الاستفتاءات الرياسية وما يسمى بانتخاب رئيس الجمهورية .
ومنها : تزوير انتخاب مجلسي الشعب والشورى .
ومنها : تزوير انتخاب المحليات .
وابتكرت أجهزة الأمن المصرية أسلوبًا جديدًا هو الأول من نوعه على مستوى العالم لتفويت الفرصة على مرشحين ليسوا على هواها للحيلولة دون تقديمهم أوراقهم في انتخابات الشورى.
ضباط أمن الدولة ومديرية الأمن بمحافظة البحيرة وضعوا (أقراصًا منوِّمة) في كوب شاي قدموه كواجب ضيافة للمحامي عصام حمبوطة الذي ذهب يوم الخميس 7/5/2007 لتقديم أوراق ترشيح الأستاذ / طارق حشاد كمرشح لجماعة الإخوان المسلمين عن دائرة دمنهور، ذهب على أثره في غيبوبة وفقد وعيه لعدة ساعات حتى انتهى وقت الترشيح في هذا اليوم.. ثم اقتادوه خارج المديرية بعد ذلك وهويترنح من أثر المنوِّم الذي دسته أجهزة الأمن له!!
الأستاذ "عصام حمبوطة
"
توجه لطبيبٍ أجرى له العديدَ من التحاليل الطبية التي أكدت تلقيه عقارًا يؤثر على
توازنه الجسمي والنفسي لمدة 48 ساعة، ومنحه تقريرًا طبيًا وتحليلات للدم تثبت
ذلك.
النائب د. أحمد أبو بركة- عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين- عن
دائرة كوم حمادة علق على الواقعة التي حدثت بأنها أحد أنماط إرهاب الدولة والبلطجة
السياسية التي مورست بشكل مبتكر، مارس فيه السادة الضباط دورَ خفافيش الأوكار
والبؤر الإجرامية بأن قاموا بإعطاء وكيل المرشح بلا أخلاق ولا مراعاة لإنسانيته
عقارًا مؤثرًا على التركيز العصبي والنفسي بما أفقده وعيه لمدة يومين كاملين، وقد
أثبتت التحاليل الطبية ذلك.
وقال أبو بركة إن الأستاذ عصام لم يتخيل أبدًا أن تصل الخيانة السياسية لهذا الحد، وأن تلجا الأجهزة الأمنية لهذه الأساليب القذرة، واصفًا ما حدث بأنه جريمة ارتُكبت في حق كل مصري، وطالب أبو بركة النائبَ العام بالتحقيق في الواقعة .
ولا يختلف عاقلان في أن «التزوير» أصبح أصلا من أصول حياتنا السياسية ابتداء من قيام الميمونة.. وبهذه المناسبة أذكر واقعة لا أنساها خلاصتها أنني يوم الاستفتاء علي رئاسة عبد الناصر (1956م) قبيل العدوان الثلاثي بأشهر وتوجهت إلي لجنة الانتخاب ببلدتي (المنزلة دقهلية) - وكانت في المدرسة الخديوية - للإدلاء بصوتي.. توجهت في العاشرة صباحا ، فوجدت مسئولي اللجنة.. يشمّعون الصندوق, سألتهم: ما هذا الذي تفعلون..؟!!
- خلاص الكل حط صوته
- ولكني لم أدلً بصوتي..
- يا فلان.. سبحان الله.. احنا عارفين أنك حتقول نعم.. فوفرنا عليك المجهود وقمنا بالمهمة عنك.. وقمنا بالتسويد علي «نعم» .
وبدأ المصريون يشهدون «مقدما» الرقم 9 متكررا في نتائج الاستفتاءات .
* * *
ومن « الفكر الجديد ».. ما ظهر - في الدعاية المباركية- وهو «تجديد ابتكاري» يمكن أن نسميه «التزوير الكوخي» أو «تزوير الأكواخ». فقد نشرت الإهرام في 23/8/2005 أن «الرئيس مبارك» وهو في طريقه إلي خيمة اللقاء الجماهيري في مزرعة المغربي بالنوبارية توقف أمام كوخ صغير لاحتساء كوب من الشاي مع أسرة المزارع كمال المراغي وزوجته «سناء» ، وأُعد الشاي علي كانون صغير وخرج مبارك مشيعا بدعوات الفلاحين البسطاء ، ونُشرت صورة الزوجين: كمال وسناء ، وهما في منتهي السعادة بالرئيس.
وفي أهرام 26/ 8 / 2005 نكحل عيوننا بخبر نزول مبارك لاحتساء الشاي في كوخ صغير بالمنيا علي ضفاف النيل, وأعدت الشاي ربة الأسرة «سعدية عبد الحكيم» (55 سنة) وظهرت صورة مبارك مع زوجها الفلاح ، وهو يلقي عليه أبباتا ترحيبية من الشعر.
والخبران كما هو واضح لا يخلوان من افتعال واضح :
1- ففي الخبر الأول: لماذا «كانون صغير» والكانون يحتاج للفحم ؟ أعجزت الأسرة -صاحبة الأرض- عن تملك بوتاجاز ؟ !.
2- أعجز كمال أن يبني لنفسه وأسرته شقة صغيرة من حجرتين بدلا من الكوخ القشي الصغير، وهو يملك عددًا من الأفدنة من بضع سنين؟
3- ويُفهم من الخبر أن الفلاحين كانوا خارج الكوخ وأخذوا يدعون؟؟!! هكذا بلا حراسة..وهذا لا يهضمه عقل ، وهو ما لم يعرف عن مبارك وزياراته وشدة حذره
4- وفي الخبر الثاني وصف المكان بأنه كوخ صغير, مع أن الظاهر في الصورة حجرة واسعة فيها «كنب» استامبولي!!
5- وهل يُسمح في مدينة المنيا - وهي عاصمة من عواصم الصعيد - أن تقام للفلاحين أكواخ علي ضفاف النيل ؟؟
6- ثم لماذا الشاي بالذات.. ونحن نعلم أن الذي تقتضي صحته الامتناع عن أكل المحشي والسمك الصيادية - كما كتب قط أخبار اليوم- يمتنع كذلك عن شرب الشاي أو علي الأقل الإسراف في شربه؟!! إنه التزوير الابتكاري, والافتعال المرفوض الذي لا يدخل علي شعبنا إلا إذا كان شعبا «عبيطا بريالة».
وقد ذهب بعض الصحفيين «العفاريت» إلي مكان كوخ كمال المراغي وزوجته سناء.. فلم يجدوه.. لم يجدوا الكوخ, ولم يجدوا أثرا للزوج.. ولا للزوجة. الله!! غريبة!! المهم ظهر أن «الكوخ» كان مجرد «ديكور» أقيم علي عجل.. لزوم الدعاية.. للتدليل علي شعبية مبارك ، ونفسه «الحلوة».
ووتكرر الأمر مع سعدية عبد الحكيم وزوجها الشاعر أو المتشاعر في المنيا وبحث الصحفي عنه فقيل له إنه يسكن في قرية تبعد عن المنيا بقرابة أربعة أميال.. ودار بين الصحفي والمتشاعر الذي قال له مبارك «انت خطيب عظيم» حديث طويل لا يتسع المقام لعرضه مما يقطع بأن المسألة تزوير وافتعال لزوم الدعاية المباركية بما تحمله من «استعباط».. ولك الله يا شعبنا الطيب المسالم.
* * *
وأصبح التزوير مرضا نت تنقل إلى الرعية ، فمن الحكايات المشهورة أن زوجة الرئيس بوش بمصاحبة السيدة سوزان مبارك توجهتا لزيارة إحدى المدارس في الإسكندرية ، وهي مدرسة متواضعة المستوى ، ومدرساتها يرتدين الزي الإسلامي . ففرغت المدرسة من تلاميذها ، ومدرساتها ، واستبدل بهم " طاقم " من مدرسة أجنبية رفيعة المستوى ، وتم هذا التزوير حتى يروق المظهر لسيدة أمريكا الأولى ، وسيدة مصر الأولى أيضا.
* * *
والحديث عن التزوير وصوره الابتكارية يطول ويطول ، ولا يتسع المقام إلا لذكر القليل منه . ونسي رجال الحكم المباركي أنه جريمة في حق الشعب والقيم ، ويقود المواطنين إلى الجبن ، والضياع ، وانعدام الولاء للوطن . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.