المطلوب من الإخوة المتحاربين في الصومال

فيصل الشيخ محمد

إن ما يحدث في بلاد المسلمين من اقتتال بين الإخوة يقطّع نياط القلب، ويجعل الحليم حيران فيما يفعل، ومن يؤيد ومن يسفه، ورأي من يتبع ورأي من يلقي به عُرض الحائط!!

قبل فترة ناشد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الإخوة المتحاربين في الصومال إلى وقف الاقتتال فيما بينهم، وتحكيم العقل والمنطق والحوار، بدلاً من تحكيم البندقية التي حصدت الآلاف من الصوماليين، وهجّرت الملايين، وبددت الثروات، وكانت السبيل للتدخل الأجنبي في شؤون الصومال الداخلية.

اليوم وقد خرج المحتل الأثيوبي من الصومال، وهو ما كان سبب إشهار البندقية المجاهدة في وجهه، وهو الشرط الذي ادعت كل الأطراف المتحاربة اليوم، أنها ستوقف الاقتتال وعدم الاحتكام للبندقية بينهم في حال خروجه، لحقن الدماء ووقف نزيف الدم، الذي تفجّر في ربوع الصومال منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، أتى على الحرث والضرع والإنسان والشجر والحجر.

وإذا كان المتحاربون في السابق هم أمراء الحرب ورؤساء العشائر وشيوخ القبائل والمتعطشون للدماء بين هؤلاء وهؤلاء، ولكل منهم نزواته وأغراضه وأجندته، فإن المتحاربين اليوم ينتمون إلى فصيل واحد يدين بالإسلام ويدعي الإشفاق على الصومال وأهله، ويطالب بتحكيم شريعة كتاب الله.. وقد تحققت هذه الأمنيات والمطالب والشروط، فقد خرج المحتل الأثيوبي، وأعلنت الحكومة الانتقالية القائمة برئاسة شيخ شريف رئيس جماعة المحاكم الإسلامية، بأنها أقرت بالإجماع تحكيم كتاب الله وشرعة نبيه كدستور وحيد للبلاد، وطلبت من الإخوة في الحزب الإسلامي الذي انشق عن جماعة المحاكم الإسلامية اللقاء والحوار، للاتفاق على الصيغة التي تطفئ نار الحرب وتعيد للصومال أمنه واستقراره.. وقد ناشد الشيخ العلامة يوسف القرضاوي الفريقين للاحتكام للحوار والمنطق والعقل، لأن الذي يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما.

في أجواء هذه الدعوة الصادقة للقرضاوي، التي تتناغم مع تمنيات العرب والمسلمين، وأهل الصومال خصوصاً، جاءت دعوة بن لادن التحريضية لتصب الزيت على النار، عندما اعتبر أن شيخ شريف رجل مرتد يجب على المجاهدين في الحزب الإسلامي أن لا يأمنوه ولا يصدقوا دعاويه، وأن عليهم محاربته، لأنه صورة مستنسخة من كرزاي أفغانستان.

وأنا هنا لا أريد المناكفة أو توجيه النقد لأي طرف من الأطراف، سواء كنت أختلف معه في الرأي أو أوافقه.. إنني هنا أريد فقط أن أعود إلى التاريخ القريب، ونأخذ من أحداثه العبرة والعظة والدرس.

عندما دخلت القوات السوفييتية الغازية أفغانستان، كان العرب والمسلمون في كل أقطارهم يتدافعون لتلبية نداء الجهاد في أفغانستان، ومن لم يحظ بشرف الجهاد بالنفس راح يقدم المال أو الحراك السياسي أو الإعلامي، ليشارك في شرف محاربة العدو السوفييتي الغازي، بما تهيأ له أو سمحت به الظروف والإمكانيات، إلى أن تحقق النصر ودُحر السوفييت وأُخرجوا أذلاء صاغرين من أفغانستان.. واعتبر المسلمون والعرب في كل أصقاعهم، أن النصر الذي حققه المجاهدون الأفغان هو نصر لكل المسلمين والعرب في مشارق الأرض ومغاربها، واحتفلوا أيما احتفال بهذا النصر المبين.. ولكن عندما احتكم المجاهدون إلى البندقية فيما بينهم بهدف الاستيلاء على الحكم وحصد المغانم على حساب دماء الأفغانيين ومعاناتهم، تغيّر موقف المسلمين والعرب من هؤلاء المجاهدين، وحاولوا – عبثاً – أن يوفقوا فيما بينهم، فأخفقت كل الجهود وكل المساعي، وتمكنت حركة طالبان في نهاية الأمر من بسط نفوذها وسيطرتها على معظم أفغانستان، مستأثرة بالتفاحة كلها، مديرة ظهرها لكل عقلاء الأمة وحكمائها، مستبدة برأيها وقناعاتها، ضاربة عرض الحائط بكل المجاهدين الآخرين، الذين كانوا رأس حربة الجهاد ضد السوفييت الغزاة، فتوجهت بنادق الإخوة إلى صدور الإخوة، بعيداً عن المنطق والعقل وقبول أي وساطة من علماء المسلمين وبعض حكامهم، إلى أن جاء الغزو الثاني من أمريكا التي استفردت بالعالم بعد تفتت الاتحاد السوفييتي، وحدث ما حدث، واحتلت أفغانستان ثانية، ومن جديد بدأت البندقية الأفغانية المجاهدة تدافع الغزاة والمحتلين، وراح الشعب الأفغاني يدفع ثمن التعنت والاستبداد والاستئثار ورفض الآخر الذي انتهجته طالبان، من دمه وقوته ولحم بدنه ومسكنه ومأمنه، يضرب على غير هدىً في طول البلاد وعرضها، وقد ضاقت عليه حدود الجوار، وكل الأرض بما رحبت.

من هنا فإنني أضم صوتي إلى صوت فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يمثل الاعتدال والوسطية عند المسلمين، وأناشد الإخوة المتحاربين في الصومال أن يحتكموا إلى العقل والمنطق والحوار، ويلقوا وراء ظهرهم كل النداءات المحرضة، ويتقوا الله في الصومال وأهله، الذي هو وحده من يدفع ثمن الاقتتال المجنون، الذي لا طائل من ورائه، إلا مزيداً من الموت والفقر والتخلف والتهجير والمجاعة وتدخل الأجنبي.. وعليهم أن يتعلموا الدرس من أفغانستان وطالبان والمجاهدين، وما حل بهم بعد خروج السوفييت، عندما احتكموا للبندقية للفوز بصولجان الحكم والاستئثار بالسلطة، فضاعوا وأضاعوا كل شيء!!