مصر الطاردة

مصر الطاردة

محمد أبو الفتوح غنيم

[email protected]

حينما كنت بالصف الثالث الإعدادي أنني درست في مادة الدراسات الإجتماعية أن محافظات مصر تنقسم إلى محافظات طاردة ومحافظات جاذبة للسكان، وكانت القاهرة والإسكندرية على رأس المحافظات الجاذبة لما بها من صناعة وتجارة وكون القاهرة هي العاصمة، وكذلك كانت المدن الساحلية لما بها من موانيء وما توفره من فرص عمل وحتى عهد قريب كانت المدن الساحية كذلك في فصل الصيف خاصة.

لم يعد غريبا أن يختفي هذا التصنيف نسبيا في ظل الركود التجاري غير المقصور على فترة بعينها وغير المرتبط بالأزمة المالية العالمية بشكل خاص، بل المرتبط بشكل أساسي بالنظام السياسي الذي أدى إلى ذلك التقسيم القديم والذي قضى على التوازن بين عدد السكان وفرص العمل المتاحة في المحافظات ولم يوفر فرص عمل حقيقية ونافعة في المدن الطاردة كوسيلة لمقاومة هذا التباين في هيكلة الدولة.

هذا الأمر مرتبط كذلك بفشل النظام المالي للدولة والذي يعزى لدى المسؤولين إلى الكثافة السكنية تلك التي يعلقون عليها خيبتهم والتي ما كانت يوما عائقا لدولة كالصين في سبيل تقدمها، الأمر الذي جعل مصر دولة طاردة للسكان بكل معنى الكلمة وبكل سبيل متاح مشروع كان أو غير مشروع، فعدد المصريين العاملين بالخارج حسب تصريحات السفير أحمد القويسني مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والعاملين المصريين بالخارج وصل الي ستة ملايين وسبعمائة الف ولازال في ازدياد هؤلاء هم المعروفون لدى السفارات والقنصليات أي العاملين والمهاجرين الشرعيين هذا خلاف غير الشرعيين الذين يصعب إحصاؤهم، ولولا ضعف التعليم وضيق اليد وقلة الفرص لكانت الأعداد أكثر بكثير.

أضف إلى ذلك كله محاولات الهجرة غير الشرعية المستمرة رغم كثر العقبات وكثرة ضحايا النصب والغرق وتشديد الحكومة على هذا الأمر، مما يجعلنا نشك في أن الباحثين عن الهجرة قد تعدوا مرحلة حب بلادهم مع الرغبة في تأمين مستقبلهم في أخرى إلى بغض بلادهم والرغبة في الرحيل عنها بأي وسيلة وإنفاق الغالي والنفيس في سبيل ذلك والاستعداد لتقبل مصير الموت بصدر أرحب من ذلك الذي يتقبل اليعيش فيها، وحسبنا الله ونعم الوكيل في من طارَدَ فَطَرَدْ.