اشكروا قطر .. وابكوا على خطاياكم
اشكروا قطر .. وابكوا على خطاياكم !
أ.د. حلمي محمد القاعود
من مأثورات معالي وزير الخارجية المصري " أحمد أبو الغيط " أن جيبوتي وجزر القمر لا تستطيع تقرير مصير الأمة العربية . وكان ذلك بمناسبة الموافقة من جانب الدولتين على انعقاد مؤتمر القمة العربي في الدوحة في أثناء المجزرة التي قام بها الغزاة النازيون اليهود لشعب غزة الأعزل ( ديسمبر 2008/ يناير 2009م ) .
الاستهانة بجيبوتي وجزر القمر ، تنافى أبسط قواعد الدبلوماسية والسياسة ، فضلاً عن مشاعر الأخوة والانتماء الديني والقومي !
وعلى غرار المأثورات التي يُطلقها أبو الغيط ، ومن على شاكلته ، فإن الأبواق المأجورة في النظام المصري كثيراً ما تهجو دولة قطر أو إمارة قطر ، وتصفها بأنها الإمارة التي لا يتجاوز عدد سكانها مواطني شارع شبرا ، وذلك تقليلاً من شأنها وقيمتها ، وأحياناً يسمونها دولة القناة ، نسبة إلى قناة الجزيرة التي تقض مضاجع الأنظمة العربية المستبدة ، وفى مقدمتها النظام الذي يدعى أنه يعيش أزهى عصور الحرية والديمقراطية والكلامولوجيا ..
دولة قطر هذه قامت مؤخراً بدور عظيم يصب في خدمة الأمن القومي المصري ، لو كان حكامنا يعلمون ، فقد استضافت الفصيل الأقوى من المتمردين في دارفور مع الحكومة السودانية لمحاولة حل المشكلة العرقية التي تهدد بتفتيت السودان ، وتهيئ لتفتيت مصر الكبيرة وتحويلها إلى عصر ما قبل " مينا " موحد القطرين .
استضافت قطر ( الصغيرة ) المحادثات بين الطرفين ، وظلت قرابة أسبوع تتابع من خلال أميرها ورئيس وزرائها وبقية المسئولين ما يجرى ويتم التفاهم عليه ، مع تذليل العقبات ، لدرجة الحرمان من النوم ، كي يتحقق اتفاق يُمهّد للسلام ، وتم توقيع الاتفاق وتبعته زيارة أمير قطر للخرطوم كي يواصل مع الطرفين البحث في الحلّ النهائي ، وتشجيع الفصائل الصغيرة على إلقاء السلاح والمشاركة في بناء وطن سوداني يتمتع بالأمن والسلام ، ويستطيع البناء والتعمير .
وقد أعلن أمير قطر ورئيس وزرائها أن هناك تشاوراً مع ليبيا ، لتدخل تشاد في عملية السلام بحكم علاقتها ببعض القبائل السودانية ..
ما فعلته قطر ، كان يجب على مصر أن تفعله وتبادر إليه ، وتركز عليه من زمان بعيد ، لأن السودان هو البوابة الجنوبية لمصر ، وتأمين هذه البوابة مسألة ضرورية استراتيجياً وأمنياً ، لأن العدوّ النازي اليهودي يعلم جيداً أن نهر النيل هو عصب الحياة في مصر ، والسيطرة عليه تعنى تحكّماً في مقدراتها ومصائرها ، لذا حرص هذا العدوّ منذ زمان بعيد على إشعال النار في جنوب السودان ، ثم غربه وشرقه ، وإمداد المتمردين بالمال والسلاح ومساعدتهم بالتدريب لإغراق البلد الطيب في متاهات الحروب والدماء والفقر والجوع والخلافات ، حتى يتحقق له ولسادته الغربيين والأمريكان الهيمنة على الوطن الذي يخشونه وهو مصر الكبيرة !
وللأسف ، فإن أم الدنيا ، أهملت وتراخت وسكتت عما يجرى في السودان ، لأسباب هامشية حتى قويت شوكة الخونة الطائفيين وأنصارهم الشيوعيين في الجنوب ، وصار لهم جيش وعلم وعاصمة وسفارات ، فضلاً عن المشاركة في حكم السودان وموارده الاقتصادية ، وإبداء الرأي في سياسته مع العالم حتى لو كان هذا الرأي مخالفاً للشعور القومي وجارحاً للكرامة الوطنية ، من قبيل تأييد محاكمة الرئيس السوداني أمام المحكمة الجنائية الدولية ، والتهديد علناً بانفصال الجنوب ، وشنّ الحرب على حكومة الخرطوم !
وكانت زيارة الرئيس المصري لجوبا عاصمة جنوب السودان قبل شهور خطوة في الاتجاه الصحيح ، ولكنها جاءت متأخرة جداً ، بعد أن استأسد الخونة ، وتحدثت الأنباء عن شرائهم لطائرات مقاتلة ، واستيرادهم لدبابات مقاتلة من أوروبا الشرقية ، علم الناس بخبرها مصادفة من خلال عمليات القراصنة الصوماليين !
ولا نظن أن الزيارات القصيرة التي يقوم بها بعض المسئولين المصريين للخرطوم الآن بقصد تأجيل محاكمة الرئيس السوداني دوليا ، تصبّ في اتجاه منع تفكيك السودان ، فالدول الاستعمارية الصليبية تصرّ على تأديب البشير ، وجعله عبرة لمن لا يعتبر ، لأنه تجرأ ذات يوم ، وتحدث عن تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاده ، وهو ما جرى من قبل حين أعدموا صدام حسين يوم عيد الأضحى ، ويوعدون غيره بالمصير ذاته وخاصة ممن لا يعتمدون على إرادة شعوبهم وتأييدها الحقيقي !
كان السودان يحتاج لاستنفار القوى المصرية على اختلاف مشاربها وتخصصاتها لحمايته من المستقبل الفاجع الذي ينتظره على يد الخونة ومموليهم ، ولكن القوم عندنا لم يبالوا وانشغلوا بحلايب وشلاتين ،ومؤامرة الاغتيال في الحبشة ، وتجاهلوا أن الذي سيضيع هذه المرة أكبر من حلايب وشلاتين .
وإذا كانت قطر ، تحاول أن تحق السلام بين الشمال والغرب في السودان ، فهي خطوة تستحق الشكر من جمهورية مصر العربية ( مملكة مصر والسودان سابقا ) ، ويجب إصدار الأوامر للأبواق المأجورة كي تغلق فمها وتتوقف عن هجاء قطر ، وتنشغل بقضاياها الأخرى من عينة : حكمة الزعيم وقرار الزعيم ، ولفتة الأب الحنون ، والقائد يضع النقط على الحروف ، وضربة المعلم ، والشوق إلى طشة الملوخية ونحو ذلك ...
بالطبع ، لن نقول لهم ابكوا على أنفسكم نتيجة الصفعات النازية اليهودية المتلاحقة ، فهذه الأبواق فقدت الإحساس والشعور بما حولها ، ولم تعلم أن إهانة مصر بملايينها الثمانين تحوّلت إلى فكاهة في فم المجرم النازي اليهودي " إيهود أولمرت " ، وتعرّضت لصفعته القوية يوم أهدر جهودها التفاوضية وأزرى بها وربط اتفاق التهدئة – قبل توقيعه بساعات – بالإفراج عن الجندي الإرهابي " جلعاد شاليط " .. والمفارقة أن السفاح اليهودي " عاموس جلعاد " هو الذي انتفض من أجل كرامة مصرفي سياق دفاعه عن نفسه وكرامته ، وخاطب رئيسه بحدة لم نسمعها من مسئول مصري .
ابكوا خطاياكم ، لأن الغزاة النازيين اليهود ، أزروا بمصر ،ورفضوا مبادرتها لوقف إطلاق النار في آخر لحظة بعد مذبحة غزة ، وأعلنوا وقفاً من جانبهم دون أن يعبأوا بمن سهروا الليالي من أجلهم في القاهرة وعواصم العالم .
ابكوا على خطاياكم ، لأن الغزاة النازيين اليهود ، خرقوا السيادة المصرية عشرات المرات ، وعبرت طائراتهم الحدود المصرية لتقصف الأنفاق في رفح المصرية ، دون أن تقابل باحتجاج بسيط من عينة مأثورات " أحمد أبو الغيط " سنكسر رجل من يعبر الحدود إلى مصر ، ويقصد به الشعب الفلسطيني وحده ، أما الغزاة اليهود ، فلهم " تعظيم سلام " ! ..
ابكوا على خطاياكم لأن مواقفكم تطابقت مع مواقف العدو والغرب والأميركان تجاه حماس والمقاومة ومليونيرات رام الله الذين يحكمون بخطة دايتون اللعينة لاستئصال المقاومة وقهر الشعب الفلسطيني، ثم وهو الأنكى منع الوفود الدولية من توثيق جرائم القتلة النازيين الصهاينة ، وإلقاء المتضامنين مع شعب غزة من المصريين وغيرهم في قاعات مظلمة !
هل في عيونكم دموع أيها السادة ؟ إذا .. ابكوا على خطاياكم ، وعلى السودان ، وعلى فلسطين جميعاً .