النظام الأسدي والإسلاميون العرب
د. عبد الله السوري
ليس أشـد ألمـاً من أن ترى اللص قاضياً ، أو أن ترى الديوث واعظاً ، أو أن ترى المنبطح الذي يعتدى على أرضه بضع مرات في سنتين ، ويكرر أنه سيرد في الوقت المناسب، ويدعي المقاومة، وتسمع ( بعض ) العقلاء يكررون هذه المغالطة ...
فقد حرص حافظ الأسـد قبل مـوتـه على استرداد الجولان ، الذي تقول إحدى الفرضيات أنه أجره مدة ثلاثين سنة ، ( 1967 ) وحتى (1997) ، والفرضية الأخرى أنه باعـه ، والحقيقة أنه تم تسليم الجولان في مسرحية حرب ، وبيان سقوط القنيطرة يؤكد ذلك ، لذلك نشط حافظ في الســنوات الأخـيرة من حياتـه نحو اســترداد الجولان ، وبحث عن ورقـة ضغط قويـة على الإدارة الأمريكية ، فلم يجـد أقوى من ورقـة الإســلاميـين ...
وبـدرت منه جملة قالها ل ( مورفي ) أحد وكلاء وزارة الخارجية الأمريكية ، والذي زار دمشق عدة مرات بشـأن تنسيق القضية اللبنانية والفلسطينية وغيرها ...قال له حافظ الأسـد ذات مـرة :
- أرجو أن لاتتـأخر علي بالجـواب الذي أنتـظره منك [ وهو ضغط الإدارة الأمريكية على الصهاينة بشأن الجولان ] ، وإن تأخـرت عليّ سـتجدني صـرت بلحيـة طويلة وأشـار إلى ذقـنـه ...ويقصد حافظ الأسـد ـ السياسي الماكر ـ إلى أنـه سيتحالف مع الإسلاميين ....
وخلال ذلك أقام حافظ الأسـد علاقات صداقـة مع الإخوان المسلمين الجزائريين ، ووجـه الدعـوة للأخ محفوظ النحناح يرحمه الله عـدة مرات لزيارة دمشـق ، وتمـت تلك الزيارات ، وكذلك أقام صداقة مع الإخوان المسلمين الأردنيين ، واللبنانيين ، والسودانيين والإخوان المسلمين الفلسطينيين ( حماس ) ، وكلما زاروه في دمشق ، وفتحوا موضوع الإخوان السوريين يقول لهم لايوجد عندي إخوان سوريون ....وبالتالي يخجل الإخوان المسلمون العرب من متابعة الحديث معـه ...
وهذا يفسـر لنا مشاركة الأخ محفوظ النحناح يرحمه الله في حفل ( الأربعين ) لحافظ الأسد بعد أن وجهت له الدعوة رسمياً ...
وتسلم بشار هذه المهمة من والده ولايزال بشار يستخدم هذه الورقة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ، التي صدت عنه ، ولم تعد تهتم به كما كانت مع والده الداهية الذي أتقن فن اللعب على عدة حبال في وقت واحد ....
وزادت العلاقة بين بشـار وحركة حماس ، لأن الجميع ابتعد عن حماس وتركها تواجـه الصهاينة وحدها ، ووجدت حماس نفسـها مضطـرة إلى تمكين التحالف مع النظام السوري والإيـراني أيضاً ، لتملك فضـاء ( لو جستياً ) وسـياسياً تتحرك من خلالـه ...
والذي أتمنـاه أن لايغفل الأخـوة في حماس أن النظام السوري والإيراني ( باطنيان ) يغمزون على اليسار ويذهبون من اليمين ، كما تعودنا منهم ذلك دائمـاً ، والمصلحة عندهم أقوى من ( العقيدة ) ، إلا ( عقيدتهم الصفوية ) فهي فوق المصالح ، وفوق الجميع وأرجو أن لايغيب عن ذهنهم كيف سـلَّم النظام السوري ( عبد الله أوجلان ) زعيم حزب العمال الكردستاني للمخابرات التركية ، في صفقـة عقـدها مع جيرانه الأتراك ... وكيف يسـلم اليوم ( الأحوازيين ) ، وهم من الشيعة العرب المعارضين للنظام الصفوي في طهران ، بعد أن استقبلهم وآواهم بشـار في دمشق ، ثم هاهو اليوم يسـلمهم إلى طهران ليواجهوا الإعدام أو السجن المؤبد .... وليواجهوا مصيرهم من التعذيب والقتل ...
وقد نشـر مركز أخبار الشـرق في لندن ، يوم السبت (4/11/2006) الموضوع التالي الذي يبين أن بشـار مستعد لتسليم حماس وحزب الله أيضاً للعدو مقابل إعادتـه إلى نقابـة اللصوص الدولية ..
جـاء في أخبار الشـرق :
(( قدم الرئيس السوري بشار الأسد عرضاً لمبعوثين لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير زارا دمشق مؤخراً؛ تضمن اسـتعداده لوقف دعمه لحركة حمـاس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، مقابل تحقيق مطالب دمشق في استعادة هضبة الجولان السورية المحتلة، حسب ما كشفت عنه مصادر مقربة من رئيس الوزراء البريطاني.
ونسبت صحيفة "المستقبل" اللبنانية إلى المصادر البريطانية التي لم تسمها؛ أنّ مستشاره مايكل شاينوك ومدير المخابرات البريطانية الخارجية سكارليت اللذين زارا العاصمة السوريّة قبل أيّام حملا الى الرئيس السوريّ بشّار الأسد وكبار المسؤولين السوريين طَلبين محدّدين :
1- يقضي الأول بوقف إمدادات السلاح من سوريّة الى "حزب الله" في لبنان .
2- ويدعو الثاني إلى تسهيل دمشق تشكيل حكومة وحدة فلسطينية تقوم بالمهام المنتظرة منها، وذلك في مقابل تطبيع بريطاني - سوريّ.
بشـار يقدم للبريطانيين أكثر مما يطلبون :
ولمـا يقـدم بشـار الهدايـا والتنازلات من حسـاب الآخـرين ، فـإنه يكون في غايـة الكرم ، ويقدم للآخرين أكثر مما يطلبون ،فحسب المصادر، فوجـئ الموفدان البريطانيان بعرض من الأسد لما سّماه "صفقة متكاملة"، إذ أبدى استعداد دمشق للقيام بكلّ ما من شأنه كبح نشاط "حماس" وتقليص قدراتها من جهة وقطع كلّ إمدادات الدعم العسكريّ والسياسيّ عن "حزب الله" من جهة أخرى، ولفتت إلى أنّ الأسد عرض "رأسي حماس وحزب الله" في مقابل إعادة هضبة الجولان المحتلة إلى سورية....
ولدى عودتهما إلى لندن أبلغ الموفدان بلير ما طرح في دمشق، وقامت العاصمة البريطانية بإبلاغ المعطيات إلى الإدارة الأمريكية".
وكانت دمشق قد اعتبرت الزيارات التي قام بها مسؤولون أوروبيون في بداية الأسبوع الجاري "تعبيراً عن الواقعية الأوروبية بما يتجاوز رغبة الإدارة الأمريكية بالسعي إلى عزل سورية".
وفيما نقلت صحيفة "الحياة" اللندنية عن مصادر دبلوماسية أن الاتصالات الغربية مع دمشق "لا تزال في بدايتها لاختبار نفوذ دمشق في ملفات العراق ولبنان وفلسطين، ومدى رغبتها في لعب دور بناء في هذه الامور"، مثل الدفع في اتجاه إطلاق الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت أو دعم الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، ترى المصادر السورية أن هذه الاتصالات "اختبار لمدى رغبة هذه الأطراف بالدفع نحو تسوية سلمية شاملة واستعادة الجولان المحتل واحترام مصالح سورية الحيوية".
وكانت دمشق قد استقبلت في الأيام الأخيرة الأمين العام للخارجية الألماني هورست فراتباغ، كما أوفد وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس مدير مكتبه خافير سانجو للقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأحد الماضي. وبينما أكدت لندن زيارة شاينولد، تردد أن مسؤولاً أمنياً فرنسياً زار دمشق أيضاً في شكل غير علني. كما يزور كريس ستيفنز المسؤول في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس دمشق حالياً في إطـار "مهمة جمع الحقائق" في سورية ولبنان وإسرائيل.
وهذا تكملة للموقف الذي بدأه والده ، عندما أقام علاقات صداقة مع الإسلاميين كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية ...واليوم يقدم بشـار ( رأسين ) إسلاميين كبيرين مقابل استعادة الجولان ....
وعلى الصعيد اللبناني، تتوقع لندن من دمشق دعم حكومة السنيورة ودعم تنفيذ القرار 1701 والاستقرار السياسي في لبنان. لكن "الحياة" نقلت عن المصادر السورية الرسمية قولها: "نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية (للبنان) ولسورية أصدقاء لهم رؤيتهم السياسية وندعم ما يتوافق عليه اللبنانيون"، وزادت أن الجانب الالماني ركز على طبيعة المساعدات التي سيقدمها إلى سورية لضبط حدودها مع لبنان مع وعود بـ "حوافز اقتصادية وسياسية"...) انتهى النقل من أخبار الشرق .
وهنا لابد من الإشـارة إلى العلاقة العقائدية الصفوية بين النظام السوري وحزب الله ، ولذلك أرى أن النظام السوري لايمكن أبداً أن يتحرك خلافاً لرغبة حزب الله في لبنان ...وأنه سوف يقف بالتأكيد ضد حكومة السنيورة ، وسوف يتابع مهمته في دفـع لبنان نحو الحرب الطائفية أملاً منه في النجـاة من المحكمة الدولية ...
ونـظر الجانب السوري بارتياح إلى الاتصالات الأوربية معـه ، واعتبرها أكثر واقعية من الإدارة الأمريكية التي مازالت تقاطعه ، بل أضافت على ذلك ترحيبها بجبهة الخلاص الوطني ، وصرحت عن رغبتها في تقديم المساعدة السياسية للتغيير الديموقراطي في سـوريا ....
وخلال بضعة وعشرين يومـاً من الحرب الهمجية التي شنها الصهاينة على غـزة ، اكتفى النظام الأسدي بالمقاومة الإعلامية فقط ، ونشر في موقع الإخوان المسلمين السوريين أن ثلاثة من الطيارين السوريين خططوا للقيام بغارات استشهادية على الجولان ، لكن تم اعتقالهم قبل أن ينفذوا ، وكتب أحد المحللين السياسيين يقول : لو أن النظام السوري يحشد قواته ( مجرد حشد ) على حدوده مع الجولان ، لعله يخفف الضغط عن أهل غزة الأبطال ...ولكن المقاومة السورية والإيرانية أيضاً لاتعدو الإذاعة والتلفاز والصحافة ، كما نشر أن خامئيني أعاد شباباً إيرانيين من المطار ، كانوا يريدون الوصول إلى غـزة خلال المعركة !!!
وأنبــه إلى أن الأخوة في حماس مضطرون إلى نظام دمشق ، وأسأل الله أن يعينهم اليوم ويبدلوا تواجدهم في دمشق إلى أنقـرة ، يبدلوا بشار الذي بقي جالساً مع غيره من العرب في ( دافوس ) بينما خرج أردوغان منه ، وأذكر بأن وقوف حماس مع النظام السوري في خندق واحد ( إعلامياً ) يصب في مصلحة النظام السوري ، ونلاحظ كيف يخلع عليه ثوب المقاومة ، وهو بعيد عنها بعد السماء عن الأرض ، ويلحق الضرر بحماس عندما ينظر لها العرب الآخرون أنها في خندق إيران ، والمؤامرة كبيرة وخطيرة أسأل الله عزوجل أن يفتح بصائر الأخوة في حماس وغيرها عليها ...
فهـل انتبـه الأخوة في حمـاس ، وهل انتبـه الأخوة العرب إلى ضرورة تقديـم العـون السياسي واللوجستي لحماس ، كي لاتضطر إلى النظام السوري والنظام الإيراني الصفويين !!!...