ملفات...بيد غير أمينة
ملفات...بيد غير أمينة!
صلاح حميدة
تتركز الأضواء في الساحة الفلسطينية هذه الأيام على ثلاثة ملفات رئيسية، وتستحوذ هذه الملفات على التحليلات السياسية والأخبار الإعلامية والتكهنات الصحفية، فيما ينشط المتفائلون لتحقيق نتائج إيجابية، ويجهد المعطلون أنفسهم لعرقلة أي تقدم في الملفات الثلاث على اختلافها.
الملفات هذه( التهدئة) و( المصالحة الداخلية) و(صفقة شاليت) كلها مترابطة، وتدار بشكل مركزي من قبل جهاز المخابرات المصرية، ويرفض النظام المصري أي تدخل من أي طرف كان في هذه الملفات، ويعتبرها حكراً عليه، ويلقى في هذا السبيل دعماً من الطرف الفلسطيني المنحاز له، ومن عدد من الأنظمة العربية، ومن مجلس الأمن الدولي، والكيان الصهيوني؟! مما يثير الإستغراب للثقة المطلقة من هذه الأطراف بهذا النظام، لدرجة تجعله يفاوض قوى المقاومة الفلسطينية نيابة عنها؟!.
* ملف التهدئة:-
دخلت المخابرات المصرية على الملف الداخلي الفلسطيني بشكل جلي وواضح منذ اندلاع الإنتفاضة الحالية( إنتفاضة الأقصى) وكان مقرها في غزة، إضافة لعملها في الضفة الغربية، وكانت ترعى الحوارات الداخلية، وتؤكد تصريحاً وفعلاً، انحيازها لطرف دون الآخر، ولكنها كانت تركز في أي توافق داخلي، أن يكون مترافقاً مع (تهدئة) مع الإحتلال؟!.
أعطت قوى المقاومة الفلسطينية الرئيسية عدة مرات تهدئة، بناءً على الطلب المصري والفلسطيني الرسمي، فقد أعطت حركة حماس تهدئة لياسر عرفات عام 1995م، ولكن اغتيال المهندس يحيى عياش أنهى التهدئة، وردت حماس بعمليات الثأر على يد القسامي حسن سلامة، وأعطيت التهدئة أكثر من مرة في فترة أبو مازن في رئاسة الوزراء وفي الرئاسة، وكان الإحتلال هو الذي يخرق التهدئة دوماً فيما كان الفلسطينيون يلتزمون بها، وهذا لم يتمخض عنه رد عملي من النظام الرسمي المصري ضد الإحتلال.
التهدئة الأخيرة التي استمرت لستة أشهر، أبرمت مع الإحتلال برعاية مباشرة من المخابرات المصرية، ولكن المختلف هنا أن حكومة الوحدة الوطنية هي التي تسيطر على قطاع غزة، وكان هناك وعود مصرية بفتح معبر رفح أيضاً، ما جرى أن التهدئة خرقت من أول يوم من الإحتلال وظلت تخرق حتى آخر يوم، فيما التزم الفلسطينيون بنسبة كبيرة بالتهدئة، باستثناء بعض المجموعات التي يتعارف عليها فلسطينياً( تنظيمات خالف تعرف)؟!.
وكان للمقاومة الفلسطينية دوافعها لقبول التهدئة والإلتزام بها، وأهمها التخفيف عن الجمهور، والإستعداد لمعركة قادمة لا محالة، وكان لا بد من فترة للإعداد، وظهرت نتائج هذا الإعداد في المعركة الأخيرة في غزة.
من خلال النهاية الدموية لهذه التهدئة تبين للمقاومة الفلسطينية، أن الطرف المصري ليس وسيطاً نزيهاً، بل هو شريك للإحتلال في التخطيط والمؤامرة للقضاء عليها، فقد تنصل الطرف الرسمي المصري من أي اتفاق ولم يفتح معبر رفح، وحمل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عن مجزرة غزة، فيما كان الخرق للإتفاق من اليوم الأول حتى الأخير، وكان واضحاً من بعض التسريبات والتصريحات أن الحرب على غزة جاءت بطلب من النظام المصري، كما أن اتصال المخابرات المصرية وتأكيدها بأن الحرب لن تقع وخاصة يوم الهجوم يدلل على الشراكة في التخطيط والتنفيذ، لن أطيل في هذا المضمار حتى ندخل في لب النقاش الذي يدور حول التهدئة الحالية.
أي متابع للتفاوض في القاهرة من خلال وسائل الإعلام وقراءة التحليلات المتعددة حول الموضوع،يلحظ أن النظام المصري لا زال يدير هذا الملف من باب محاولة تقزيم نتائج الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية وامتصاص آثاره محلياً وإقليمياً ودولياً، فكل المعطيات تنبىء بدور قذر لهذا النظام في الضغط على المفاوضين الفلسطينيين للقبول بالشروط الإسرائيلية، وما مصادرة الأموال التي كانت بحوزة القيادي في حماس أيمن طه، وإجباره على إيداعها في بنك، ثم يعلمونه بعدها أن أمريكا صادرت المال، إلا تواطؤ وشراكة واضحة، كما رشحت معلومات حول إحكام الإغلاق للحدود والمعابر والأنفاق لزيادة الضغط على المفاوضين من خلال تجويع الغزيين، مضافاً إليه ما عرف عن شهادات لمعتقلين فلسطينيين يتم تعذيبهم بشكل وحشي وقتل بعضهم في السجون المصرية، والتحقيق مع الجرحى وطرد آخرين، كله يأتي في باب الشراكة في العدوان، ولا ينطبق عليه دور ساعي البريد، فضلاً عن الوسيط.
التراجع الأخير عن ما تم الإتفاق عليه مع الإحتلال والصمت المصري، ثم التصريح الخجول لمبارك، وإتباعه بتصريح للخارجية المصرية بأن مصر لا تضمن أي اتفاق بين الإحتلال وحماس، فيما ترفض مصر وجود أي ضامن آخر، يدلل بما لا يدع مجالاً للشك بأن المقصود إيقاع المقاومة في فخ مشابه للفخ السابق، وأعتقد أن المفاوض الفلسطيني مطالب بالتشدد في هذا المجال، ومن غير المفهوم، القول أن مصر هي رئة غزة، فمنذ ثلاث سنوات وغزة لا تتنفس من هذه الرئة؟! كما أن هذه الرئة أحكمت إغلاق نفسها حالياً ولا يوجد أي أمل بفتحها مستقبلاً، وأعتقد أن جميل الكلام مع هذا النظام لن يجعل قلبه يرق، بل ألاحظ أنه يزيد حقارة مع أهل غزة، فالمساعدات تتلف وتسرق على حدود غزة ولا تدخل، والخنق والتضييق على الغزيين يزداد ويشتد.
وهنا تحديداً لا بد من نقد المفاوض الفلسطيني ونصحه، فالملاحظ دائماً أن المصريين لا يتحدثون؟! والذي يتحدث هم الفلسطينيون، وعندما يعلن الفلسطينيون عن أن المصري هو الضامن، أو هو أعلن أنه سيفتح المعبر(رفح) إذا أخلت إسرائيل بالتزاماتها( في التهدئة السابقة) فيخرج علينا أبو الغيط أو حسام زكي لينفي قول المفاوض الفلسطيني، فيما يعلن المفاوض أن الإتفاق تم مع عمر سليمان، وهو طرف( سيادي) وأن ملف التفاوض معه لا مع الخارجية المصرية؟!.
مع شديد احترامي للجميع من الفلسطينيين، إلا أن هذه البضاعة لا تباع حالياً، وستأتي بنتائج سلبية عليهم، ولذلك يجب أن يعلن المصريون في مؤتمر صحفي( أبو الغيط وسليمان) لما يتفق عليه، ويعلنوا صراحة أنهم الضامن لهذا الإتفاق، وما هي الخطوات التي سيتخذونها إذا أخلت إسرائيل بالإتفاق، وأن يكون الإتفاق مكتوباً ويوقعوا عليه، وإلا فلا قيمة لأي كلام يقال، فعمر سليمان مخابرات، والمخابرات يعملون على قاعدة( الغاية تبرر الوسيلة) وتم تجريبهم من قبل، ورشح أنهم قالوا للإسرائيليين: (وافقوا ولا تنفذوا) ؟!.
وأرى أن التعامل بتصلب وإصرار على الضمانات الغير مصرية والإصرار على فتح معبر رفح، والتصعيد جماهيرياً، والتركيز على الطلب الدولي بإرسال موجة من مئات السفن إلى غزة، أفضل من الخط الحالي، وكان من الواضح أن السفينة اللبنانية لو كان معها سفن كثيرة، لكسر الحصار مرة وإلى الأبد.
*ملف الجندي شاليت:-
يدرك هذا النظام الألم الشديد الذي تتألمه أحد عشر ألف أسرة فلسطينية جراء أسر أبنائها من قبل الإحتلال، ولكن من الواضح انه يسعى دوماً في المفاوضات مع الفلسطينيين، لتخفيض سقف مطالبهم في هذه الصفقة، بل دلت شهادات أغلب رجال المقاومة وغير المقاومة من الفلسطينيين، والذين اعتقلوا في السجون المصرية، أن أغلب التحقيق معهم كان حول ملف الجندي شاليت ومكان أسره؟! فلماذا مثلاً تعتقل المخابرات المصرية رجال وقادة المقاومة( وعلى رأسهم أيمن نوفل) وتعذبهم بالكهرباء حتى يرشدوهم إلى مكان أسر شاليت؟! هل تريد أن ترسل له المخابرات المصرية نظارة أم رسالة مثلاً؟!.
في هذا الباب أنصح المقاومة الفلسطينية، بأن ترفض تجزيء الإفراج عن الأسرى، وكذلك الضمانة المصرية للتنفيذ، فلا بد من وجود الصليب الأحمر وإشرافه على الصفقة، فممكن أن يبقى المصريون يشرفون على الملف، ولكن الإفراج عن المعتقلين يجب أن يكون متزامناً، كل المعتقلين، فكما تراجع الإسرائيليون عن الإتفاق الأخير، وأدار المصريون ظهورهم، فليس من المستبعد أن ينقض الإسرائيليون الإتفاق، ويدير المصريون ظهورهم بعد أن يستلموا شاليت، وبعدها ما الذي ستفعله المقاومة الفلسطينية؟ سيحرقها النظام المصري أمام جمهورها، وسيقولون : (ضحكنا عليكم)!.
* ملف الحوار الداخلي:-
في ملف الحوار الداخلي، أعلن النظام المصري بما لا يدع مجالاً للشك وبشكل واضح أنه ينحاز بشكل كامل لطرف معين على الساحة الفلسطينية، بل وقف على يمين هذا الطرف في العداء للمقاومة الفلسطينية، ومعروفة مواقفه الرافضة لأي تقارب داخلي، وكان معلوماً للجميع موقفه الأخير الذي حاول من خلاله إجبار المقاومة على التوقيع على قطع رقبتها في القاهرة سياسياً ومادياً، وهذا كان الدافع الرئيس لطلبه من الإحتلال لضرب غزة، وهو ما تم؟!.
فالنظام المصري لا يعترف بنتائج الإنتخابات الفلسطينية ويعمل ليل نهار لإعادة عقارب الساعة إلى العام 1996م، وكل سياساته وأفعاله على الأرض ونعيق أبواقه الإعلامية، وتجنيده لكتاب التدخل السريع، إلا في سبيل تحقيق هدف تطويع، وتشوية، والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وما طلبه الأخير، الذي جاء بصيغة الأمر، بإعطاء مهلة للفصائل لتشكيل حكومة قبل تاريخ معين، إلا في سبيل سلق الحوار، والخروج بنتائج مسبقة تخدم هدف استئصال المقاومة في غزة.
وللحوار في القاهرة استحقاقات، أعلن عن بعضها كإطلاق سراح المعتقلين في الضفة وفتح الجمعيات المغلقة وإعادة أخرى لإداراتها وغير ذلك، وفي هذا الباب أثيرت قضية غريبة حول الإلتزامات مع الأمريكيين والإسرائيليين؟! فمن باب أولى من الجميع أن يكون الإلتزام الفلسطيني - الفلسطيني هو الأصل، وما عدا ذلك هو الإستثناء، إذا كان الحديث يدور عن مصالحة حقيقية.
وقف الهجمات الإعلامية أيضاً بادرة جيدة لتمهيد الأجواء للحوار، ولا زالت الأمور في بداياتها، ولكن كل متابع يلحظ أن النبرة الهجومية بدأت تخفت.
من المهم أن تقوم حركة فتح بتقديم عربون حسن نوايا بالمبادرة بفتح معبر رفح، ففتح المعبر بيدها، وبما أن النظام المصري أعلن أنه لن يفتحه إلا بوجود قوات من الحركة هناك، فعليها أن تبادر إلى ذلك للتخفيف عن الغزيين، في ظل تعثر جهود التهدئة، وفي حال نكوصها عن ذلك سيتهمها الشارع الفلسطيني بأنها تساعد في ابتزازه ليخضع للشروط الإسرائيلية، من خلال تشديد الحصار عليه.
كما أن مقدمات الأمور توحي بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية، ستلقي هذه الملفات في حجر الحكومة اليمينية القادمة حتى تحرجها وتضعها أمام مشاكل جوهرية، فيما يمارس الموجودون الآن دور المزاود على الحكومة القادمة برئاسة نتنياهو بالرضوخ للمطالب الفلسطينية، ولذلك من باب أولى تخفيف العبىء عن الغزيين بفتح معبر رفح، حتى تصل المفاوضات إلى نتيجة لصالح الفلسطينيين، بعيداً عن الحسابات الإسرائيلية الداخلية.
من المهم فلسطينياً التفاوض والإتفاق على كل شيء ك(رزمة) واحدة، ويجب عدم تأجيل أي قضية مهما كانت صغيرة، وهذه أمانة معلقة في رقاب المتفاوضين، فالشعب الفلسطيني لا يريد أي اشتباكات جديدة، وأي إغفال لأي قضية مهما صغرت أو تأجيلها، أو البدء بالفرع( تشكيل حكومة، إنتخابات تشريعية ورئاسية) وإهمال الجوهر ( منظمة التحرير ومؤسساتها) سيفجر الأوضاع بمجازر دموية وحرب أهلية أبشع من سابقاتها.
والإصرار على تنفيذ الجزئيات وإهمال الجوهر، سيوحي مباشرة بسوء نية مسبقة للخروج بنتائج يريدها النظام المصري ومن معه، يتسنى له من خلالها احتواء واستئصال المقاومة الفلسطينية، وهو بالتالي سيفجر الأمور ويخرجها عن السيطرة، والأخبار التي تتحدث عن إشراف متعدد على ملف الحوار الداخلي يعتبر مشجعاً ويثير في النفس بعضاً من الأمل، ولكن حذار من التخجيل والدهلزة، وميشان لحية فلان أو شارب علان، فالشعب الفلسطيني لا يريد أن يرى دماءً جديدة تراق بأيد فلسطينية.
من خلال ما سبق وما نعيشه حالياً، لا أرى أن الملفات السابقة الذكر في يد أمينة، ولذلك كلما كان الفاعلون والداعمون والمشرفون على هذه الملفات يتجاوزون الطرف الرسمي والمخابراتي المصري كان أفضل، فهو لن يكون إلا لاعباً سلبياً في هذا المجال، فهو يلعب دور الأداة الامريكية التي تحافظ على أمن الكيان، ويجتهد في ذلك، وهذا ما دلل ويدلل عليه كل تصرف منه تجاه الفلسطينيين، وهو بالمناسبة ليس مقصوراً على حركة حماس، بل كان متبعاً مع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، في مفاوضاته مع الإسرائيليين وتحديداً عند توقيع الاتفاقية في مصر، ومشهورة حادثة الملاسنة بين عرفات ومبارك عندما رفض عرفات التوقيع، وكيف شتمه مبارك أمام الصحفيين؟!.