حركة فتح وتحدي الوجود

الياس خوري

الحرب الوحشية التي تشنها اسرائيل ضد غزة، بهدف تحطيم مقاومتها وسحق حماس والجهاد، ليست موجهة ضد حماس والجهاد فقط، بل موجهة ضد فتح ايضا. انها استكمال لعملية 'السور الواقي'، ضد فتح في الضفة الغربية عام 2002، والتي انتهت بقتل ياسر عرفات.

فتح اليوم تواجه التجربة الكبرى. اما ان تنخرط في المعركة، وتستعيد روحها النضالية، واما ان تتلاشى، وتختفي كقوة نضالية وكقائدة للنضال الوطني الفلسطيني.

اريد ان اذّكر هنا، بأن فتح نشأت كحركة وليس كحزب سياسي، وانها حملت شعارا سياسيا واحدا، هو قتال الاحتلال الاسرائيلي. 'كل البنادق نحو العدو'، هذا هو الشعار المركزي لحركة فتح. ومن اجل ان يكون القتال فاعلا، رفعت فتح شعارين آخرين: القرار الوطني الفلسطيني المستقل، والوحدة الوطنية الفلسطينية.

شعارات فتح تتلاشى منذ فترة، والحركة تكاد تفقد روحها. خيار السلام، الذي اوصل الى اوسلو انتهى يوم فرض الحصار على المقاطعة. غير ان قيادة فتح التي اصابها الترهل السياسي لم تستخلص الدروس. بل ان الخيار العرفاتي المزدوج: المفاوضات والقتال في آن معا، جرى تناسيه في شكل كامل، في ظل قيادة محمود عباس. وبدل ان تكون هزيمة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية مناسبة لمراجعة الذات في شكل جذري، فان الحركة استسلمت لرجال الأمن في صفوفها، الذين قادوها الى الهزيمة في غزة، والى تبخر اجهزة السلطة امام الهجوم الحمساوي.

وما فات قيادة عباس ادراكه، ان رفض اسرائيل القيام بانسحاب منسق مع السلطة الفلسطينية في غزة، كان رصاصة الرحمة الاسرائيلية على السلطة. اي ان اسرائيل لم تنس ان عدوها هو الحركة الوطنية الفلسطينية. لذا جاء هذا الانسحاب، مع استمرار السياسية الاستيطانية في الضفة الغربية، بمثابة تمهيد لاعلان تفليسة السلطة.

ليس الآن وقت الحساب والمحاسبة، انها لحظة النار التي تلتهم فلسطين. في هذه اللحظة بالذات، لا مكان للتردد. اما ان تستفيق فتح من هذه الغيبوبة الحزينة والقاتلة واما ان تنتحر. السؤال ليس تكتيكيا، ولا علاقة له بالمناورات السياسية، انه سؤال استراتيجي ويمس مستقبل فلسطين وشعبها.

يستطيع الكثير من الفتحاويين التحدث بمرارة عن انقلاب غزة، لكن اللحظة الدموية الكبرى التي تعيشها فلسطين اليوم يجب ان تتجاوز كل المرارات. المطلوب واحد وجلي وواضح ولا لبس فيه: الانخراط في المعركة على كل جبهاتها، واطلاق معركة سياسية ونضالية كبرى في الضفة الغربية.

ليس مطلوبا من فتح التخلي عن برنامجها: اقامة دولة فلسطينية مستقلة على جميع الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. فهذا هو البرنامج السياسي الوحيد العقلاني. لا يستطيع شعب ان يقاتل من دون افق، ومن دون برنامج مرحلي. لكن على فتح التحلي بشجاعة اخلاقية وسياسية كي تعلن ان اسرائيل والولايات المتحدة لا يريدان السلام، وانها تقاتل، حين تقاتل، من اجل سلام تتوفر فيه شروط الحد الأدنى من العدالة الأخلاقية.

المطلوب من فتح التمسك ببرنامجها والنضال من اجل تحقيقه. الدولة الفلسطينية لن تأتي بها مفاوضات انتهت يوم مقتل ياسر عرفات، ولا تنسيق امني مع السفاحين الاسرائيليين، الذي قطعوا اوصال الضفة، ويقومون اليوم باحراق غزة. الدولة ليست معازل جورج بوش، ولا غيتوات باراك، انها تتويج لاجبار المشروع الصهيوني على الانكفاء، وهذا لا يتم بغير لغة واحدة اسمها الثورة.

السؤال الذي لم تطرحه قيادات فتح على نفسها، هو هل تنتهي الثورات قبل تحقيق اهدافها؟ وهل يعني ذلك شيئا آخر سوى الهزيمة؟ والسؤال الثاني هو هل تستطيع الثورة ان تستمر من دون تجدد جذري في قيادتها خصوصا بعد غياب جيل المؤسسين استشهادا؟

الجريمة الاسرائيلية في غزة، تهدف الى قتل روح فلسطين. جيش اهوج واحمق ينتقم من شعب يعيش في غيتو صنعته له اسرائيل، وسيجته كالقفص. روح الشعب هي هدف هذا القتل الوحشي، الذي يضع الغزوة الاسرائيلية في مصاف همجية المغول ووحشية النازيين وبربريتهم. مواجهة الجريمة تكون بالعودة الى روح 1-1-65، يوم اطلق ابو عمار وابوجهاد ورفاقهما الرصاصة الاولى. كانت تلك الرصاصة ردا على النكبة، والنكبة تتواصل اليوم في غزة، ولا يمكن صدها بغير عزيمة الفدائيين وصلابتهم.

ليس مطلوبا من فتح تغيير برنامجها السياسي، والانجرار الى لغة ميتافيزيقية لا تعد الشعب الفلسطيني بأي شيء، مهمة فتح اعادة الاعتبار الى برنامجها السياسي، وهو بالمناسبة برنامج دونه الأهوال، وبناء مناخ مقاوم وصلب، لا يخضع للغة الميوعة والهزيمة الداخلية السائدة.

هذه المهمة لا يمكن ان تقوم بها سوى قيادة جديدة وشابة، خبرت النضال والسجون، وتستطيع ان تشكل مظلة للوحدة الوطنية الفلسطينية. لذا فان كلامي يتوجه مباشرة الى مروان البرغوثي ورفاقه، والى مناضلي كتائب شهداء الأقصى، الى جيل الانتفاضتين، كي تبدأ معهم مرحلة جديدة من النضال الوطني.

لا تستطيع فتح ولا يحق لها ان تتلاشى، وتتحول جهازا تابعا لسلطة بلا افق. فهذه الحركة التي اطلقت النضال الوطني الفلسطيني المعاصر، لا تزال حاجة وطنية قصوى. ابناء خليل الوزير مطالبون اليوم باستعادة فتح الى ذاتها، قبل ان تغرق السفينة، ويعود الشعب الفلسطيني الى تيهه.

المعركة مع الوحش الاسرائيلي العنصري لا تحتمل الانتظار. يجب ان يتحد الجميع في مواجهة الحرب البربرية على غزة، ويجب ان تتوجه كل البنادق نحو العدو، كي يستعيد الشعب الفلسطيني صوته.