المصالحة العربية لا تتوقف عند تبويس اللحى
جميل السلحوت
[email protected]
يتفق المفكرون على تعريف الحرب بأنها " معركة سياسية عنيفة " أي أن الحروب تنشب
لتحقيق أهداف سياسية ، والمتابع لحرب اسرائيل السابقة التي شنتها على قطاع غزة في
27 كانون أول – ديسمبر – الماضي ، سيجد أن لها أهدافاً معلنة لم يتحقق منها شيء ،
ولها أهداف خفيّة تجري المراهنات على تحقيقها ، وأول هذه الأهداف هو تصفية القضية
الفلسطينية بشكل نهائي لا يلبي الحدّ الأدنى من الحقوق الفلسطينية ، ولا يلبي الحدّ
الأقصى من الأطماع التوسعية الاسرائيلية ، وللوصول الى ذلك كان لا بدّ من توجيه
ضربة قوية لكسر جماح المقاومة الفلسطينية ، ولبعث رسالة تدميرية قاتلة للشعب
الفلسطيني كي يخفض من سقف مطالبه ، وكي يتخلى عن خيار المقاومة ، والا فإن القتل
الجماعي والتدمير الحارق في انتظاره .
ويبدو أن ملفات الحل في انتظار الادارة الأمريكية الجديدة ، وفي مقابل الرسالة
الموجهة الى الشعب الفلسطيني هناك رسائل أخرى موجهة الى الاسرائيليين ، وتمثلت هذه
الرسالة في ورقة الضغط التركية ، حيث أن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي ، والتي
تربطها اتفاقات عسكرية واقتصادية مع اسرائيل ، قد سمحت لملايين الأتراك بالتظاهر ضد
اسرائيل وسياساتها العدوانية ، وجاءت التحركات المكوكية لرئيس وزراء تركيا لتشكل
ضغطاً هائلاً على اسرائيل ، يضاف اليها مظاهرات الملايين في العالمين العربي
والاسلامي والأوروبي والعالم أجمع،تنديداً بهمجية القصف الاسرائيلي الأعمى للمدنيين
والمنشآت المدنية والانسانية والدولية.
واذا كانت فصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني قد صمدوا صموداً أسطورياً،
وتحملوا الخسائر الفادحة في مواجهة أقوى جيش في المنطقة ، ومواجهة آخر ما أنتجته
ترسانة الأسلحة الامريكية ، فإن اسرائيل كان لها دورها في التصدي أيضاً للحلول التي
ستفرض عليها ، فاضطرت أمام ضغط الرأي العالم العالمي أن توقف حربها الوحشية من جانب
واحد، وهي بذلك تتحدى النظام العربي الرسمي بتخطيها للمبادرة المصرية لوقف اطلاق
النار ، وما اعلان رئيس حكومتها ايهود أولمرت بوقف اطلاق النار تلبية لطلب الرئيس
المصري حسني مبارك الا من باب العلاقات العامة ، وحفظ ماء الوجه ، كما أنها تحدت
الرأي العام العالمي بتجاهلها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 ويشجعها في ذلك
الدعم اللامحدود من الادارة الأمريكية السابقة بقيادة مجرم الحرب جورج دبليو بوش ،
الذي أرسلت ادارته بشهادة منظمة العفو الدولية سفينة محملة بالقنابل الفسفورية
المحرم استعمالها دولياً الى اسرائيل أثناء حربها العدوانية على غزة .
وفي
ظل هذه الأجواء جاء مؤتمر الدوحة لما سمي دول " الممانعة العربية " ثم جاء بعدها
بيومين المؤتمر الاقتصادي في الكويت الذي تصدرت الحرب على غزة جدول أعماله ، وكانت
كلمة العاهل السعودي فهد بن عبد العزيز بمثابة العامود الفقري للمؤتمر ، حيث تجاوبت
هذه الكلمة مع طموحات الشعوب العربية ، التي صفقت " للمصالحة العربية " مع أن هذه
الشعوب لا تعرف سبباً لهذه الخلافات سوى التصارع على تنفيذ سياسات، لم تكن يوماً
في صالح أي اقليم عربي، وأيّ قضية عربية ، وهذه خطوة رائدة نتمنى أن تتبعها خطوات
لإعادة اللحمة الى الصف العربي .
ويبدو أن العاهل السعودي قد وجه رسالة الى الادارة الأمريكية الجديدة والى اسرائيل
عندما قال " على اسرائيل أن تدرك أن الخيار بين الحرب والسلام ، لن يكون مفتوحاً في
كل الوقت ، وأن مبادرة السلام العربية المطروحة على الطاولة اليوم ، لن تبقى على
الطاولة الى الأبد " وبهذا فإن الرسالة واضحة بأن اسرائيل التي استغلت انهيار
النظام العربي خصوصاً بعد ما سمي بحرب " تحرير الكويت " وما تبعها لاحقاً من تدمير
العراق واحتلاله ، وما سبقها من انهاء لحالة الحرب مع اسرائيل بعد توقيع اتفاقات
كامب ديفيد بين مصر واسرائيل ، فواصلت استيطانها ولا تزال بشكل جنوني في أراضي
الضفة الغربية ، لفرض سياسة الأمر الواقع ومنع اقامة دولة فلسطينية ، اضافة الى
زيادة قوتها وترسانتها العسكرية .
وقادة اسرائيل الذين يعتمدون في سياساتهم على القوة العسكرية ويـُحيّدون المنطق
والعقل أن لا بطولة في هذه الدنيا ، وأن البطل يصبح بطلاً من ضعف الذي يقف أمامه ،
ونتمنى على القادات العربية أن يدركوا ذلك وأن يتخلوا عن ضعفهم .
غير
أن مصلحة الوطن العربي ومصلحة الشعوب العربية تتطلب أكثر من المصافحة والعناق بين
القادة ، انها تتطلب اعادة الاعتبار والهيبة الى الجامعة العربية ، وتتطلب العودة
سريعاً الى اتفاقات الدفاع المشترك بين الدول العربية ، وبناء قوة ذاتية ،فالسلام
يحتاج الى قوة ردع تدعمه، وتتطلب اقامة سوق عربية مشتركة ، وتطوير الاقتصاد العربي
زراعياً وصناعياً ومعلوماتياً ، فالأمة العربية تمتلك من أوراق الضغط الشيء الكثير
.
وكلنا يدرك مدى تأثير قيام العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز لسلاح البترول
في حرب أكتوبر 1973 . ولعل القادة العرب قد وصلوا الى نتائج مفادها ان الارتماء في
احضان أمريكا واقامة القواعد العسكرية الامريكية في الأراضي العربية ، ورهن
الاقتصاد العربي في الاستثمارات الأمريكية لم يحقق أي مكسب سياسي أو اقتصادي للعرب
، لأن امريكا زادت من دعمها لاسرائيل ومن ضغوطاتها على العرب، والعلاقات الدولية
تقوم دائماً على المصالح، وعلاقاتنا مع أمريكا كانت لتأمين المصالح الأمريكية ووأد
المصالح العربية ، والتي أقلها خسارة العرب ما يقارب ثلاثة تريليون دولار في أزمة
العقار الأمريكي.
والشعب الفلسطيني كجزء من الشعوب العربية الأخرى ، والقضية الفلسطينية التي هي جزء
من قضايا الأمة العربية وتقفر في صدارتها ، واستمرار هذه القضية يحمل تهديداً للأمن
القومي العربي والاقتصاد العربي وللسلم العربي ، وأن هذا الشعب يتصدر خط المواجهة
مع الهجمة الامبريالية على المنطقة، وفي مقدمتها الهجمة الصهيونية مطالب بوحدته
الوطنية هو أيضاً . وعلى الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس ان تترفع
عن الخلافات الجانبية، وعن الأطماع في كراسي سلطة تحت احتلال لصالح شعبها وقضيته،
كما يجب اعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ،لتأخذ دورها الفاعل على الساحتين
الاقليمية والدولية.