لا يا سادة لستم عاجزين

د. محمد يحيى برزق

[email protected]

غزة المنتصرة

كانت الأمة واحدة, وكانت الدولة واحدة.

إنها الدولة الإسلامية... دولة كل الأمة الإسلامية.

إن  وحدة الأمة في الدين الإسلامي تنبع من عقيدتها التي تقرر أن رب المسلمين واحد وأن مصلحة الأمة تكمن في عبادة الله وحده وتحريم الانقسام  في هذا المجال أكده نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يعرفه السنة والشيعة "إذا بويع لإمامين فاقتلوا الثاني" كذلك فإن الشريعة الإسلامية لا تحتوي على أي فتوى تجيز الفرقة (بضم الفاء) بين مسلمين اثنين فما بالك بتفريق المسلمين إلى دول يتحول فيها المسلم إلى أجنبي بمجرد اجتيازه لأي حدود حوله ودخوله في كيان عربي آخر.

لقد حارب الاستعمار دولة الإسلام على مدار التاريخ كله وكانت الغلبة لدولة الإسلام ولو بعد حين... ولكي يتمكن من غلبتها جاء بمشروع زراعة اليهود في فلسطين وإعادة هيكلة النظام الدولي والعلاقات الدولية من خلال هيئة الأمم المتحدة..

لم يكن مشروع الدولة الصهيونية في أقدس أقداس المسلمين ممكنا بدون القضاء على الإسلام  وتمزيق الأمة الإسلامية.. وهذا ما كان.  لقد سقطت دولة الأمة الإسلامية, وظهر بدلا منها مخلوق أسطوري يشبه دراكولا الجثة الأسطورية التي تعود إلى الحياة بواسطة مص دماء الأحياء.

هذه الجثة هي ما درج على تسمية ألسنة السياسيين والمفكرين والعامة "الأمة العربية" .. وهي أمة وهمية لا وجود لها خارج إطار المصطلح السياسي المغلوط..

لقد جاءت كل دول الاستعمار لترسم حدود دول هذه الأمة الغريبة عن الإسلام من حيث أنها تقبل الانقسام وتعدد الدول.. بالحديد والنار رسم الاستعمار شبكة الحدود السياسية بين شعوب هذه الأمة لتتحول إلى الثابت الأكثر قداسة من ثوابت الاستقلال والسيادة الوطنية.

إن دولة الأمة الواحدة والموحدة لا يمكن أن تقبل بزراعة إسرائيل في ضفافها المقدس لكن العرب.. أقصد الدول التي تقول أنها تمثل الأمة بقبولها التقسيم لابد أن تقبل بإسرائيل لأنها أضعف من أن تواجه الوحوش الاستعمارية وهي متفرقة.

ولكي يصل الاستعمار إلى هدفه بإنشاء وطن اليهود في قلب الأمة كان لابد له من طاقم كامل من سلالات تدّعي العروبة والإسلام ليستلموا مقاليد الحكم في هذه الدول المنبثقة عن التقسيم الاستعماري لرقعة الدولة الإسلامية تماما مثل نور المالكي في العراق وكرزاي في أفغانستان وملوك الحرب في الصومال وأخيرا محمود عباس صاحب اتفاقية أوسلو وطاقمه الوزاري برئاسة شالوم فياض.

لقد شعرت جموع الأمة الإسلامية في خضم تفاعلها مع إخوانهم في غزة وهم يواجهون الإبادة في محرقة لا يعرف لها التاريخ مثيلا.. أنهم إخوة لبعضهم البعض وأن الحدود الوطنية وجيش الوطن تحدان من قدرتهما على نصرة إخوانهم في غزة..

ولابد أنهم قد شعروا حقا أنهم أمة واحدة لأنهم اكتشفوا أن العروبة ليست الإسلام الذي يوحدهم اتجاه عدوهم.. فالعروبة إضافة إلى أنها  لم تنتصر على هذا العدو فإنها وعلى مر السنين باتت لا تعرفه إذ لم تعد الأنظمة العربية تقر بوجود أعداء لها وبذلك تحولت جيوشها إلى أدوات ضد الشعوب التي تعرف عدوها جيدا.

إن المشهد العام يحكي قصة هجوم همجي من الجيوش المعادية للمسلمين في كل مكان"إسرائيلية وعربية وغيرها" ضد كل المسلمين سواء في غزة أو في الدول العربية فهذه الجيوش العربية مستعدة لقمع المسلمين بنفس الطريقة التي يعتدي فيها اليهود على كل الناس في غزة.. كيف لا وهي تتلقى الأوامر من الولايات المتحدة الأمريكية "الأخ الأكبر لكليهما" و تستعمل  ذات السلاح.

 لعل الأمة قد شعرت بأن السلام مع إسرائيل قد حوّل الجيوش العربية إلى قطعان من الكلاب المسعورة مهمتها الوحيدة هي حراسة أمن النظام الحاكم, وأن يكونوا ضد آبائهم وإخوانهم في شعبهم كأنهم أولاد زنا لا يعرفون آباءهم فلا يبالون وهم ينفذون أوامر أسيادهم بأن ينشبوا أنيابهم ومخالبهم في أهلهم لتأمين سلامة النظام..

حتى أن اليهودي قد أصبح يتمتع بحقوق الأمن والرفاهية في أي دولة عربية يدخل حدودها أكثر من أي مواطن فيها لقد استطاع الاستعمار أن يعيد هيكلة العلاقات بين الدول فأطلق مبدأ السيادة الوطنية وهي الوجه الآخر لمصطلح الاستقلال والسيادة التي في حقيقتها هي أن ينشغل النظام بأموره الداخلية فقط  ولا شأن له بما يحدث خارج حدوده السياسية وهذه الطريقة جيدة لدول الاستعمار صاحبة القوة أن تنفرد بكل نظام على هواها وتعقد اتفاقيات أمنية وتجارية وعسكرية ضد دولة مارقة في الجوار حتى لو كانت عربية دون أي اعتبار لرأي ومصلحة الدول المجاورة ودون أدنى قدرة من هذه الدول لتغيير أو رفض ذلك.

الحقيقة هي أن كل الحدود يهود إذ ما كان للحدود العربية الإسرائيلية أن تكون أمرا ًًواقعاًً لولا الحدود العربية العربية.

وإذا كنا نرفض الحدود العربية الإسرائيلية فإن رفضنا للحدود العربية العربية يجب أن يكون أشد لأن هذه الحدود العربية هي السبب وتلك الحدود العربية الإسرائيلية ليست سوى نتيجة.. فإذا أردنا أن نمحو النتيجة فلابد وأن نزيل أسبابها.

 اللهم إلا إذا ما بقينا مسرورين بمواصلة عملية النفخ بالقربة المقطوعة التي لن تنتفخ. لا يا سادة يا محترمين من علماء ووجهاء هذه الأمة.. لستم عاجزين عن تقديم شيء لفلسطين فها أنتم تكتشفون أنكم أيضا محاصرون بنفس العدو ونفس السلاح وما يميزنا عنكم هو أننا تمردنا ولم نرض ببيع فلسطين والمسجد الأقصى ..ففاع الشر في وجوهنا وها نحن نواجهه بما ترون من إيمان وعناد لا يقل عن إيمانكم وعنادكم

 فإذا ما أردتم حقا مواجهته مثلنا.. فمتى؟

ها أنتم ترون كيف يتعامل حكامكم معكم ..

استهزاء وقمع وحديد ونار فلا تقابلونها إلا بالصراخ في الشوارع ثم تعودون بعدها بالدعاء لهم أن يتوحدوا وأن يقدموا لفلسطين" ملح و سكر وضماد"

هلا خطوتم خطوة واحدة إلى الأمام فتعاملوهم بالمثل؟

هيا تحركوا في الاتجاه الصحيح ولا تضللوا الأمة وتزيدوها خبالا باستمرار دعوتكم ورجائكم من هذه الأنظمة الاستعمارية المجرمة أن تتوحد ضد عدوها لأن الحقيقة الواضحة هي أن هذه الأنظمة هي إسرائيل الكبرى و بذلك فهي لا تستحق أي احترام أبداً وأن الطريقة المثلى لمخاطبتهم هي طريقة منتظر الزيدي..

نعم..

أطيحوا بهذه العروش التي تعلوها هذه القرود الغبية والمضحكة بأحذيتكم ونعالكم فهم أضعف من أن يقاوموا أمة لا تريدهم, مزقوا شبكة الحدود اليهودية التي تحاصر قراركم بأن تكونوا إخوة في الدين مثلما أمركم جدكم محمد الأمين صلى الله عليه وسلم لكي تجدوا أنكم لستم إخوة للعرب فقط وإنما لكل أهل الإسلام في ربوع الدنيا كلها. حينها يكتب الله النصر لأمته الواحدة التي لا تعبد إلا إياه.

ألا هل بلغت..

اللهم فاشهد