الحياة ، في سائر مجالاتها الهامّة ،

 عبد الله القحطاني

سلاسل من المؤامرات ..

فلمَ تُرفض نظرية المؤامرة !؟

 عبد الله القحطاني

·        المؤامرة في اللغة : المشاورة . يقال : تآمروا فيما بينهم : تشاوروا . ومثلها ائتمَروا !

·   المؤامرة ( المشاورة ) قد تكون في الخير ، وقد تكون في الشرّ . والخير والشرّ يختلف وصف كل منهما ، بحسب زاوية الرؤية ! فما يراه بعضهم خيراً ، ويتآمرعلى فعله ، مع آخرين .. قد يراه فريق آخر شراً ؛ لأنه يوقِع عليه نوعاً من الأذى ، أو الضرر! وهذا ماعبّر عنه المتنبّي ، حين قال :

 كذا قضت الأيـّام ما بين أهلها :       مصائبُ قوم ، عند قوم ، فوائد !

·        قد تدخل في المؤامرة ، أمور أخرى ، منها الحسن ، ومنها السيّء ، مثل: المكر، والكيد، والخدعة ..!

المكر:

-   قال الله عزّ وجلّ ، عن المكر : ( ولا يَحيقُ المكرُ السيّء إلاّ بأهله) . وقال  (ويمكرون ويمكر الله والله خيرُ الماكرين )

    الكيد :

-   قال الله عزّ وجلّ ، عن الكيد :( إنّهم يكيدون كيداً ، وأكيد كيداً . فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا ) . وقال عن تدبير يوسف ، بوضع السقاية في رحل أخيه ، ليبقيه عنده : ( كذلك كدنا ليوسف ماكان ليأخذ أخاه في دين الملك ..) .

   الخدعة : قال تعالى ( يخادعون الله ورسولَه وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون ) .

            ورد عن رسول الله ( ص )  قوله : ( الحرب خدعة ) .

   الاستدراج .. التوريط .. افتعال المسوّغات والذرائع ، لممارسة أفعال معيّنة .. افتعال أحداث معيّنة ، وإلصاقها بآخرين : كل ذلك ، من الأساليب المتّبعة ، في عمليّات المكر والكيد والخداع .. !

·   قد تكون المؤامرة مدبّرة ، في الإجرام الفردي ، أوالجماعي ، أوالدولي ! وقد تكون في السياسة ، أو في الاقتصاد ، أو في الرياضة ، أو في الثقافة ، أو في الأمن ..!

·   الدافع .. المصلحة .. المستفيد : كلها مصطلحات ، تدخل في أيّة مؤامرة ! وأظهَر ما تكون ، في التحقيق الجنائي ! إذ يُعدّ الدافع إلى الجريمة ، عنصراً أساسياً ، في البحث عن المستفيد من الجريمة ، أو صاحب المصلحة فيها .. وهذا نفسه ينسحب على المجالات الآخرى !

·   يصعب تصوّر أيّ فعل سياسي ، ذي بال ، يمارسه عقلاء جادّون ، دون تشاور( تآمر) ! سواء أكان متعلقاً بالسياسة الداخلية ، أم بالسياسة الخارجية !

·   يصعب تصوّر أيّ فعل اجتماعي جادّ ، يمارسه عقلاء جادّون ، دون تشاور( تآمر) ! سواء أكان على مستوى أسرة ( زواج .. طلاق .. تقاسم تركة.. ) أم كان على مستوى حيّ ، أو مدينة .. أم كان على مستوى قبيلة ، أو مجموعة قبائل !

·   يصعب تصوّر أي فعل اقتصادي جادّ ، يمارسه عقلاء جادّون ، دون تشاور( تآمر) ! سواء أكان على مستوى شراء أرض أو بيت .. أم كان على مستوى إنشاء شركة ، أو مشروع اقتصادي : صناعي ، أو زراعي ، أو تجاري ..!

·   الذين ينفون نظرية المؤامرة ، يدفعهم ، غالباً ، الحرص على نفي وصمة الجهالة ، أو السذاجة .. عن عقولهم ! وإثبات أنهم حكماء موضوعيون ، لا يقبلون تصديق الأمور، إلاّ بأدلة واضحة ، كعين الشمس ! لأن مجرّد الافتراض ـ على سبيل المثال ـ أن الجرم الفلاني ، قامت به الجهة الفلانية ، وألصقته بغيرها ، لأهداف خاصّة بها .. هو، في نظرهم ، نوع من السذاجة ، أو الغفلة ، أو السطحية ..! غافلين عن أن تعدّد الافتراضات ، في المسائل الحسّاسة ، والمعقّدة ، والخطيرة .. هو الأساس ، في أيّ تفكير موضوعي جادّ ! وأن الانسياق وراء افتراض واحد ، تسوّقه وسائل إعلام معيّنة ، هو الغفلة ، والسطحية ، والسذاجة !

·        نفي نظرية المؤامرة ، هو مؤامرة قائمة بذاتها ! يمارسها صنفان ، هما :

ـ الخبثاء الماكرون ، الذين يكثرون من التآمر على الآخرين ، ويحرصون على صرف عقول الناس ، عن نظرية المؤامرة .. كي تظلّ هذه العقول ساذجة مسطحة ، يتلاعبون بها كما يريدون !

ـ السذّج والمغفّلون ، الذين يحسبون نفيَ نظرية المؤامرة ، يضعهم في عداد العقلاء ، الحكماء ، الموضوعيين ، المنهجيين في تفكيرهم وتصوّرهم ، وتحليلهم لما يجري حولهم من أحداث !

* لو أردنا ذكر نماذج ، من حالات التآمر السيّء والحسن .. لضاق بنا المجال ! بيدَ أنا نكتفي بالقليل منها ، للتمثيل ، لا للحصر::

 ـ الجريمة التي ارتكبها بعض الأشخاص ، في العهد النبوي ، ونسبوها إلى يهودي .. فنزل فيها قرأن كريم ، وصف هؤلاء بالخائنين .. وقال للنبيّ : ( ولا تكن للخائنين خَصيماً ) أيْ : تخاصم غيرهم ، نيابة عنهم !

ـ استعداد فرنسا لغزو الجزائر، واتّخاذ حادثة ضرب الداي ، للقنصل الفرنسي ، بالمروحة اليدوية ، ذريعة للغزو !

ـ تلفيق إدارة الرئيس الأمريكي بوش ، الأدلّة على أن النظام العراقي لديه أسلحة نووية ، أو هو في مرحلة متقدّمة ، من مراحل تصنيع هذه الأسلحة ! وذلك ، لاتّخاذ هذا الأمر، ذريعة يقنع بها شعبه ، والعالم ، بضرورة غزو العراق ! عن طريق التخويف ، بالخطر العراقي ، المدمّر، الوشيك ! وقد ظهر زيف هذه الأدلّة ، بتحقيقات جادّة ، أجرتها المؤسّسات الأمريكية نفسها ! وقد اعترف بوش ، أخيراً ، بأنه استند إلى معلومات غير صحيحة ، في اتّخاذ قراره بغزو العراق !

* لابدّ ، أخيراً ، من التذكير بالفرق ، بين ضرورة افتراض وجود المؤامرات ، في الأعمال الجادّة الكبيرة ، وضرورة تحليل الأحداث ، على أساس هذا الافتراض .. وبين الهوس ، والاندفاع العشوائي السريع ، وراء خيالات وأوهام ، لا أساس لها من الواقع ، ولا يبنى عليها أيّ موقف ، نظري ، أو عملي !