تطهير عرقي...وإبادة جماعية

صلاح حميدة

[email protected]

ما يجري في قطاع غزة من جرائم،  أثار كل نخوة وتضامن من كل إنسان حر في العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتتتابع التحليلات والرسائل التضامنية مع المتمترسين في هذا القطاع الذي يتوسط العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وأكاد أجزم أن ما يتم من جرائم في هذا القطاع أثار أكبر هبة جماهيرية في العالم منذ عشرات السنين، بالرغم من اختيار وقت العدوان في فترة الأعياد والامتحانات والإجازات في كافة أرجاء العالم، إلا أن ردة الفعل كانت مفاجئة لكل المتابعين والمحللين.

ما يتم في قطاع غزة ليس حرباً على المقاومة الفلسطينية فقط، ولا حرباً ضد الصواريخ الفلسطينية فقط، إن ما يتم في القطاع حرب تطهير عرقي وإبادة جماعية وترحيل لأهالي البلاد الأصليين، والغريب أن هذه الجرائم ضد الانسانية تتم أمام الكاميرات بالبث المباشر، ولا يحرك العالم الرسمي ساكناً أمام هذه الجرائم،مما يؤكد حجم التواطؤ والشراكة في هذه الجرائم.

تأخذ هذا الجرائم أشكالاً عدة، لا بد من تفصيلها لكل المهتمين بالشأن القانوني،ولا بد لكل القانونيين من متابعة وتوثيق هذه الجرائم، وهناك العديد من المحاور التي يجب متابعتها إعلامياً وقانونياً وبتفصيل وتوسع كبيرين.

تحدث العديد من الناجين، عن تجميعهم من قبل العصابات الصهيوينة في بيت محدد ثم قصفهم بالقذائف المدفعية والطائرات المقاتلة، وهذا حصل مع العديد من العائلات، وخاصة عائلة السموني وغيرها من عائلات شمال شرق غزة.

تحدث العديد من الناجين، عن إعدام مواطنين عاديين بالرصاص أمام عائلاتهم، وهم غير مسلحين، وبعد أن تم إعطائهم الأمان من قبل جنود الاحتلال، كما عرضت وسائل إعلام مصورة، صوراً لبعض الشهداء من الأطفال الذين قتلوا برصاص في قلوبهم وفي بيوتهم من قبل جنود الاحتلال، وهذه جرائم مع سبق الاصرار ضد أطفال أبرياء، وليست قصفاً عشوائياً بل قتل مباشر لأطفال آمنين في بيوتهم.

تحدث بعض أطقم الانقاذ للصليب الأحمر، عن مشاهدات مرعبة في البيوت التي سمح لهم بدخولها، فقالوا:-

(أنه يوجد عائلات كاملة مقتولة بالرصاص بعد تجميعهم في غرف محددة في حي الزيتون، وتحدثوا عن إعدامات لأمهات وآباء أمام أطفالهم، وترك الأطفال لعدة أيام بجانب جثث أهاليهم، وعن قتل عائلات كاملة وهي في فراشها بإطلاق النار على رؤوسهم) كما تحدثوا عن إطلاق نار وقتل العاملين في أطقم الاسعاف وبتوثيق مصور.

تحدث العديد من الناجين، عن إعدامات وقتل للمدنيين بعد أسرهم، وتحدثوا عن استخدام الجرافات العسكرية في جرفهم وتجميعهم على شكل أكوام، في صور تعيد لنا صوراً عن مجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا.

تقوم قوات الاحتلال بهدم البيوت على رؤوس أصحابها وقتلهم، وهذا من أكبر الجرائم والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ومن الأمثلة على ذلك عديدة، وأبرزها قصف بيت الشهيد نزار ريان وقتله هو وعائلته.

تمارس قوات الاحتلال تطهيراً عرقياً تحت القصف والارهاب، بإجبار الناس على ترك بيوتهم ثم تهدمها بالقصف الجوي وبالمدفعية والجرافات العسكرية، والذي لا يخرج تهدم بيته على رأسه، تعيد بذلك مشاهد مجزرة قبيا، وعمليات التهجير في قرى اللطرون الثلاث، حينما هدمت البيوت بعد تهجير سكانها، ومن لم يخرج هدم بيته على رأسه.

تمارس هذه القوات كل ما يمكنها من جرائم من خلال استخدام الاسلحة المحرمة دولياً، فهي تستخدم الفسفور الأبيض ضد المدنيين، والأسلحة التي تسبب تهتك كبير في الأنسجة والأوردة الدموية، وتسبب إعاقات دائمة للمصابين.

تمارس هذه القوات مجازر متعمدة لتجمعات المواطنين الفلسطينيين، مثل ما تم في مدارس وكالة الغوث، يضاف الى ذلك القصف المتعمد لبيوت المدنيين الفلسطينيين، والمصانع، والمنشآت المدنية، والدفاع المدني وسيارات الاسعاف، وغيرها.

تقوم هذه القوات بأعمال قنص للمدنيين الآمنين، بطرق مقززة، تعبر عن حجم الحقد والعنصرية، والإجرام عندهم، فقد ذكرت وسائل إعلامية، وشهود عيان، عن قيام القناصة من جنود الاحتلال بالتفنن في قنص الأطفال، فيقومون بقنص الطفل أولاً بيده اليمنى، ثم بيده اليسرى، ثم قدمه اليمنى، ثم بقدمه اليسرى، وتركه حتى يموت، وقنص كل من يحاول إنجاده، وهذا جرى شرق خانيونس. 

تمارس هذه القوات انتهاكات واضحة لحق الفلسطينيين بالطعام والماء والدواء، والحق بكفالة المدنيين الآمنين في أوقات الحروب، ومن قبل قوات الاحتلال، وتقوم بابتزاز الفلسطينيين بهذه الحقوق المكفولة لهم دولياً، مقابل أمن احتلالها لأرضهم.

تمارس هذه القوات انتهاكات خطيرة ضد جثث الشهداء في المناطق التي تسيطر عليها، فهي تقوم بالتمثيل بالجثث، وتحرق بعضها، وتترك أخرى بلا دفن، وتتركها نهشاً للكلاب الضالة والضواري، وتقوم بدفن أخرى في مقابر جماعية بطريقة غير إنسانية.

هذه الانتهاكات وغيرها، تحتاج من كل وسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية لتسليط الضوء عليها وتوثيقها بطريقة علمية، وكشفها في الاعلام لكافة الناس،  حتى يأتي اليوم الذي يحاكم فيه مجرمي الحرب هؤلاء على جرائمهم.