صمت دهراً...!

صلاح حميدة

[email protected]

تابعت في الفترة الأخيرة لقائين مع رئيس الحكومة المعينة في رام الله، أحدهما كان مع جيزيل خوري في برنامج (بالعربي) والذي ضغطت عليه فيه كثيراً وأحرجته بسؤاله عن صمته على الجرائم في غزة، وما هو التحرك الذي يريد أن يقوم به، والغريب أن كل واحد من أركان السلطة في رام الله يسأل عن دورهم في غزة، يقول لك:-

(نحن ندفع وندفع وندفع)؟ وكأن  ما يدفع هو من جيوبهم، وليس من الضرائب أو المنح الآتية أصلاً للشعب الفلسطيني ككل، وفي نفس الوقت يتناسون القول أن ما يدفعونه إنما يتم على أساس فئوي، ويدفع لمن لا يعمل وينام في بيته؟!.

بعد لقاء (بالعربي) قرر رئيس الحكومة المعينة أن يتحدث، فنظم مؤتمراً صحفياً في رام الله، ولفت نظري ما تحدث عنه، بالرغم من أنني لم أكن أتوقع منه أكثر من ذلك،و أن الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني كانوا يتمنون منه كلاماً آخر.

تحدث عن تضامنه مع الذين يقتلون في غزة، وهذا الكلام يقوله الجميع من عرب وعجم ومن أصدقاء وأعداء ، وكلام عام بعد صمت طويل،ثم تحدث عن إعادة إعمار قطاع غزة، وضرورات ذلك، وأسهب في الحديث حول الموضوع، متمنياً أن تنتهي الاشتباكات، حتى يتم البدء بإعادة الإعمار، لم أستغرب كلام فياض هذا حول إعادة الإعمار، فبالرغم من أن إعادة الإعمار مطلوبة، إلا أن المطلوب أولاً وقف العدوان، وانسحاب الاحتلال ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، لم يكن كلامه مستغرباً لأنه معروف فلسطينياً أنه ممثل رؤوس الأموال في فلسطين، الذين لا يهمهم إلا التجارة والمال، وهو سمى نفسه بأنه صاحب الجلد السميك، أي أنه لا يتأثر أو لا يحس، وبالتالي فهو ينظر إلى المآسي في غزة بطريقة أخرى لا يمكن أن ينظر غيره  ممن هم أكثر التصاقاً بالناس ، فهو ينظر للموضوع من باب أن استثمارات ومشاريع تجارية قادمة، وأن أرباحاً طائلة ستدر على من يمثلهم من أصحاب رؤوس الأموال، من أعمال البناء والتجارة في القطاع .

ثم بدأ حديثه عن معبر رفح، وقضية تقاسم النفوذ عليه، ولا بد  أنه قرأ مقالاً لصحافي مخضرم في جريدة رسمية في رام الله تحدث عن الموضوع، بعد أن لم ير من كل الصمود الأسطوري في غزة إلا طلب التقاسم هذا؟!.

ثم تحدث أن المطلوب هو الشراكة في كل شيء وليس اختزال كل القضية في المعبر؟!

بداية، هذا الرجل هو رجل الإنقسام الفلسطيني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فقد تم فرضه على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأثار فرضه حينها انقساماً كبيراً بين أركان السلطة في رام الله، كما أنه في الوقت الحالي يمثل حكومة انقسام معينة بالجبر الأمني والمالي،  شخص لا يمثل إلا نفسه، فمن هو حتى يفرض على حركة حماس والحكومة الشرعية، التي تحظى بثقة أغلبية أعضاء  المجلس التشريعي  ، فهو دخيل على الساحة الفلسطينية، مفروض على الحياة السياسية بالدولار والعصا الأمريكية، بفتحها وحماسها على حد سواء، وهو يحاول استثمار العدوان على غزة ليمد نفوذه إلى هناك عبر عنوان جميل(الشراكة).

فالمطلوب هنا هو تجريد الحكومة الشرعية من كل صلاحياتها ومنحها لحكومة أمريكية معينة في رام الله مفروضة على الشعب الفلسطيني ، منقلبة على خيار الشعب، فالحكومة في غزة يجب أن تكون لها السلطة على كل الضفة وغزة، ومن ضمنها معبر رفح، ولا يد لا لحرس الرئيس ولا غيره في هذا الموضوع، ولكن هذه الآليات فرضت، كي تعقد عمل الحكومة الشرعية، وتفشلها، منذ أن فازت بثقة الشعب.

ولذلك المطروح حالياً على الحكومة الشرعية في غزة ليس شراكة، ولكن استئصال وإبادة كاملة لكل من يمثل إرادة الشعب الفلسطيني، والشراكة بالمفهوم الامريكي الإنقلابي، هي شراكة القاتل والمقتول، شراكة السجين والسجان، هي شراكة القامع والمقموع، هذه هي الشراكة المطروحة على حركة حماس، شراكة تقتلها وتستأصلها، وتبيدها.

يا ليت هذا الشخص لم يتكلم وبقي صامتاً لكان أفضل له، ولو أنه قام وأعلن استقالته من منصبه الذي تبوأه بالتعيين، عنوة وفرضاً على الأغلبية المطلقة من الشعب الفلسطيني، لكان أفضل له وللشعب الفلسطيني، لأن حكومته هي حكومة الإنقسام، وأولى خطوات الشراكة الحقيقية، هي بإقالة حكومته وذهابها بكل سياساتها التي عمقت الانقسام.