تفجيرات بومباي

تفجيرات بومباي:

مخاتلة التوقيت والنتائج

هشام منور

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

في الوقت الذي كانت فيه بعض المنظمات التي مارست عمليات "إرهابية" ضد منشآت ومواقع أمريكية تجد قبل سنوات خلت نوعاً من التأييد الشعبي والتعاطف الحماسي في عدد من  البلدان الإسلامية، فإن الممارسات الخاطئة الكثيرة وتراكم الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها تلك المنظمات قد أفضى إلى خسارة هذه المنظمات التأييد الشعبي الذي حظيت به.

وفي الوقت الذي أصحبت فيه السمعة الأمريكية على المستوى الدولي في الحضيض، في البلدان الإسلامية وغيرها نتيجة الإرهاب العشوائي المضاد وتعاظم نزعة العسكرة والهيمنة، وشدة ما وجدته من المقاومة المشروعة لمختلف أشكال الاحتلال والعدوان، فإن من أهم النتائج التي خلفتها النزعة الأمريكية بالتفرد بصنع القرار وتنفيذه هو ارتفاع مستوى الوعي الشعبي، فلم تعد ادعاءات طرفي معادلة الإرهاب مستساغة أو مقبولة، بل غدا كلاهما مداناً ومستهجناً في نظر الجميع.

ويأتي توقيت تفجيرات بومباي الإرهابية ليكشف عن درجة المخاتلة والحماقة التي تحدو بنا إلى التساؤل مراراً عن القوى والهيئات والدول التي تقف وراء تحريك ملف الإرهاب كلما خبت ناره. ففي الوقت الذي يضرب الإرهاب بقوة في الهند، المعروفة بمواقفها الحسنة مع قضايانا، يستحكم الحصار الإجرامي المفروض على أهل قطاع غزة ويتحكم في المصير اليومي لما يناهز مليوني إنسان، بمن فيهم من المرضى والمصابين، والأطفال والمسنين، والتحكم بفتح المعابر وإغلاقها وسط صمت دولي رهيب أسبه ما يكون بالتواطؤ على التصفية العرقية لشعب بأكمله.

ورغم أن حملات كسر الحصار من جانب مجموعات الناشطين في مجال حقوق الإنسان قد نجحت جزئياً في توجيه الأنظار إلى معاناة سكان قطاع غزة، إلا تفجيرات بومباي الأخيرة سوف تحول الأنظار عن قطاع غزة وحصاره مجدداً وتغذي شائعات الافتراءات بشأن تعميم تهمة الإرهاب على كل من يمارس المقاومة ضد الاحتلال.

وغير بعيد عن أرض فلسطين، يعرف العراق حالياً مرحلة مفصلية من تاريخه تتعلق بالتصويت على الاتفاقية الأمنية بين حكومته وبين الولايات المتحدة الأمريكية لحفظ ما تبقى من ماء وجهها، وسعي المتحالفين معها في العراق ألا يؤدي الانسحاب العسكري المحتم إلى خسارة امتيازاتهم ومواقعهم مقابل استعادة السيادة والاستقلال في العراق. ولمواجهة الرأي العام الرافض لتمرير مثل هذه الاتفاقات المهينة فإن الذريعة الجاهزة لذلك هي أن الانسحاب الأمريكي السريع من العراق سيتركه فريسة لعمليات إرهابية لا تكفي القوات العسكرية والأمنية العراقية فيه لمواجهتها. مما يعني أن تفجيرات بومباي الأخيرة ما هي إلا رسالة مخاتلة لخداع العراقيين وإيهامهم أن الإرهاب ما يزال "قوياً" وناشطاً في العراق والمنطقة بأسرها. وأن من يريد تأمين بلاده ضد الإرهاب، عليه متابعة سياسات التبعية والتعاون مع القوى الأجنبية (الأمريكية منها بالذات).

حتى إذا قمنا باستقصاء المواقف والقرارات الأمريكية المتعلقة بمنطقة شبه القارة الهندية، بما يشمل الهند وباكستان وأفغانستان، فإن المؤشر البياني لتراجع القوات الأمريكية وقوات الناتو في هذه المنطقة الساخنة من العالم، وعزم الإدارة الأمريكية المقبلة على نقل المزيد من القوات الأمريكية إلى المنطقة وتركيز الجهد على محاربة الإرهاب فيها مقابل التعجيل بالانسحاب من العراق، لن يجد ذريعة لذلك في ظل رفض أهل الدار لذلك سوى التذكير والتلويح دوماً بفزاعة الإرهاب المستطير شره. لكن واقع الخسائر التي تمنى بها القوات الأمريكية في أفغانستان تدفع بالأوساط الأطلسية نفسها للبحث عن سبل الانسحاب من أفغانستان وليس من العراق فقط، وهو ما يعززه انطلاق جولات الوساطة وعروض المفاوضات ما بين الحكومة الأفغانية وزعامات طالبان في أفغانستان وباكستان. مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من يقاوم أي جهد تفاوضي وتسعى لخلق المبررات لاستمرار القتال والاحتلال في المنطقة بذريعة اشتعالها وامتلائها بمناهضي التحالف الغربي في المنقطة، وليس الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

ويبقى السؤال عن الأيدي الخفية التي تحرك دمى مسلسل الإرهاب من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وعن التوقيت الذي تختاره ومدى ارتباطها بمجرى الأحداث في المناطق المستهدفة من العالم أو القريبة منها إقليمياً ودولياً ليثير الشكوك عن المتذرعين بمحاربة الإرهاب ومدى استفادتهم من اشتعال مناطق لم تكن تعرف الإرهاب، وعن توريط دول وشعوب ومنظمات بافتعال هذه الضربات الإرهابية لتمرير سياساتها وتبرير أفعالها وحصارها لدول المنطقة.

كما يبقى الأهم من ذلك التنبه إلى الغايات الخفية وراء كل تفجير يضرب بأطنابه يمنة ويسرة دون تفريق بين مدني وعسكري، والسعي لتبرئة عناصر المقاومة وقواها من تهم الإرهاب التي تسعى قوى الظلام لإلصاقها بها في كل محاولة تفجيرية جديدة. ومضاعفة الجهود اللازمة للتمييز بين الإرهاب المدان والمرفوض، وبين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وأنواع الظلم والطغيان في العالم. والعمل للحيلولة دون أن تفضي الممارسات العدوانية التي تستثمر تهمة الإرهاب ومحاربته، لتعزيز الحصار حول المقاومة وأهلها ومنظماتها، وأهمية تأييد كل عمل من أعمال المقاومة المشروعة، بما يخدم الحقوق واستردادها دون ارتكاب المظالم أو الجور في سبيل ذلك، مع الحفاظ على حياة الإنسان مهما كان دينه أو عرقه أو لغته.