غزة وحصاد الفشل الإسرائيلي

د. علاء الدين شماع

غزة وحصاد الفشل الإسرائيلي

الدور الوظيفي للشعوب العربية في دعم المقاومة

د. علاء الدين شماع

[email protected]

أمام استعمال القوة المفرطة و محدودية نتائجها في التغيير على أرض الواقع , ُيظهر العنف الإسرائيلي وجهاً يستبطن الحقد الأبدي تجاه العرب في كل حروب العبث التي يشنها ضدهم , و هذا على ما يبدو الخيار الأوحد أمام القيادة السياسية المأزومة في إسرائيل الآن , والتي لا تملك خياراً آخر سواه وهي تستمد صورته من الأيام الأولى لقيام دولتهم على مبدأ استعمال القوة العنيفة و الهولوكست للأغيار  و محاولة تكريس صورة جيش إسرائيل الذي لا ُيقهر , و التي في أساسها وهذا ما نلمسه من الحرب الحالية على غزة, محاولة مستميتة في تجديد صيغة أخرى عن جيش أخذ ت أسطورته تتهاوى .

فالمشهدية الدموية ذاتها تتكرر, وتراجيديا الحدث أرض غزة الطاهرة , وهي تنوء المرة تلو المرة , تحت وطأة حصار مستمر منذ سنتين ,و وقع تدمير وقتل إسرائيلي ممنهج للحجر والبشر , لا توفر من أجله فرصة على اختلاف الذرائع و بها أو دونها . و إسرائيل بقادتها و عقيدتهم النازية الجديدة, تجدد شذوذ وجودها و غرائبية تواجدها كل هذا الزمن في منطقة العرب وعلى دمائهم. لتثبت للعالم أجمع عنصرية كيانها وعدم قابليته للعيش بسلام مع جيرانها.

و الثابت , وهذا وفق كل التحليلات , أن إسرائيل لن تحقق مبتغاها من هجمتها البربرية الجديدة على غزة مهما ارتكبت من مجازر بحق المدنيين , وأن أحداث غزة وصمود أهلها المقاومين أمام الغطرسة و العنجهية اليهودية , تجدد فصلاُ آخر فارقاً من تاريخ جديد يُكتب للمنطقة لتؤكد بذلك الدفق الاستراتيجي العربي المقاوم في انتصاراته , والذي كانت فاتحته عام 2000 عند اندحار العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان و نصر تموز 2006 و الآن في ما تسطره شواهد الدم الفلسطيني الطاهر المراق على تراب غزة من نهايات مفتوحة على فشل إسرائيلي ذريع في تحقيق أي من أهداف حربها, لا بل و أهداف أية حرب من حروبها القادمة , انه الفشل الاسرائيل المكرس على يد المقاومات العربية و شعوبها .

على أن فضائحية الصورة في المقلبين الإسرائيلي و العربي الرسمي , و ما أخذته من تنسيق مسبق و تواطؤ في شن حرب الإبادة على غزة ,لم تعد أدواتها خافية على أحد , و لعل صفاقة أولمرت في تصريحه من أن " زعماء عرب يحثوني على ضرب حماس " تلخص أبجديات تساوي التحديات في الحدثين , لبنان يوماُ وما تعرضت له مقاومته, وغزة اليوم و ما تتعرض له حماس , و هو ما يبشر إلى انتهاء المأساة بنصر جديد , مهما سلكت المقاومة من دروب المغامرة .

إن استنطاق الحدثين , يؤشر إلى سقوط المبدأ السياسي المراوغ في تكريس سلطة الاحتلال و سلطة النظام الرسمي العربي , ويعلي في المقابل من شأن المبدأ الأيديولوجي المقاوم.

حيث أنه في إسرائيل يمكن تلمس ذلك السقوط السياسي للمبدأ المولج في الصراع , من خلال رصد مجموعة القيادات المتصارعة التي تقود دولة الاحتلال الآن,  وهو ما يعكس أزمة تاريخية متأصلة في القيادة الإسرائيلية , إذ أننا أمام مجموعة من اللا أخلاقيين الذين يخلطون بين السياسة و الحرب على الدوام , و هو ما يوجب علينا أن نضع مفهومهم عن السلام على المحك . ليس هذا فحسب ذلك أن مقدار الحجم الكارثي من غاية الحرب على غزة في استمرارها و كيفية إنهائها و مدتها , أسئلة قد لا نجد لها جواباً من قبل الإسرائيلي نفسه و مصالحه الانتخابية تقود حربه. ذلك أن واحدة من الأسئلة التي أخذت تدور في إسرائيل عن الرابح السياسي – إن وجد- من حرب غزة و  مقدار ما يمكن أن يحققه من مكاسب انتخابية على رئاسة الوزراء , أخذت تقلق المحللين السياسيين الإسرائيليين أمام حجم الصورة البشعة لإسرائيل في العالم من جراء المجازر المرتكبة . وهو ما أظهر تقديراً من قبلهم بعد أن استوعبت حماس الضربة الأولى , و دخلت الحرب مرحلة الإشكالية و دب الانتعاش في صفوف المقاومين , و هو تقدير مبني على كم الصواريخ و بعدها المتطاول و دقة أهدافها في ضرب التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية .

و الأمر على حد سواء حتى و إن اتخذ قرار دخول الحرب البرية لا بل أشد سوءاً.

و الأمر على ذات الحجم من الخيبة , مهما كانت الحجة في استمرار إغلاق معبر رفح , و فساد العقل السياسي العربي الرسمي و الذرائعية السياسية  المراوغة التي يتبعها, في تبرير التسلط و القهر و توريث الحكم و الحصول على  شرعية ذلك من مصادر القرار الأميركية . ولعله في قصور فهم موقف الاتحاد الأوربي و تعريض إسرائيل لامتحان صعب معه إذا تحرك العرب بشكل منسق و مستوى يليق بحجم ما تتعرض له غزة و القضية العربية بشكل عام , يحد من استفادة إسرائيل الاقتصادية أمام محدودية ما يمكن أن تقدمه أميركا من دعم لها إزاء تفاقم أزمتها الاقتصادية , و بالتالي من طموح إسرائيل في الانضمام إلى عضوية منظمة التعاون الاقتصادي و التطوير  و التي تشترط التقدم في العملية السلمية على المسار الفلسطيني و السوري و اللبناني شرطاً أساس لانضمام إسرائيل إليها . إن فهم حقيقة الدور الأوربي مع الساركوزية ,و هو ينهض من حالة التبعية العمياء للقرار الأميركي , يجرد تلك الاشتراطات من حجتها الواهية في فتح معبر رفح , و التي تحتاج موقفاً عربياً حازماً في فتح المعبر يساعد على قدوم المراقبين الأوربيين دون أي قرار سياسي مبطن بالإحباط لهذا الدور الهام , وإظهار تخفف من حمل هم أول من سوف يلطقته في الإبطاء لتلبية الحاجة الإنسانية الماسة في فتح المعابر , يستوي في ذلك اشتراط تواجد سلطة عباس على معبر رفح  و هو انحياز أعمى لطرف فلسطيني دون طرف , يقدم الكلام في السياسية ضمن ظرف انساني طارئ .

إن هذه المواقف  العربية البلهاء لن تساعد التغيير الأميركي المرتقب في السياسة الخارجية خاصة في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط و الصراع العربي الإسرائيلي , كما أنها لا تيسر القدوم الروسي المبهر في منحه الدور الذي يسعى إلية , وكذلك الدور الصيني الطموح , ولسان حال كل هذه الأطراف يقول أهل مكة أدرى بشعابها .

إن إسرائيل مملكة للرعب و مافيا الإرهاب المنظم , و غزة تستجير من استحكام جور القريب , وهو ما يطرح حقيقة الدور المنوط بالشعوب العربية في لحظة الحقيقة هذه , والتي كشفت وعرت الأنظمة العربية المتواطئة  في استمرار حصار غزة, إن الدور المطلوب من كل الشعوب العربية يقدم الجواب عن ماذا يمكن أن نفعل و الذي أخذ يُطرح بشكل مستمر منذ اليوم الأول لحرب غزة , و الحشود العفوية و التظاهرات التي عمت الشارع العربي احتجاجاً و استنكاراً على همجية العدو الصهيوني تظهر مقدار احتشاء الصدور بالحقد من الحكام العرب جملة, إن حقيقة الدور الذي يمكن أن تقوم به الشعوب يدخل من باب الوظيفي و الموضوعي على حد سواء في تصعيد المظاهرات و عدم فتور الهمة , والضغط على الحكومات في ضرورة عقد مؤتمر قمة يكون مجدياً في قراراته , و التي منها سحب المبادرة العربية للسلام وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك , وقد يكون حجم التبرعات العينية و المادية من المهم بمكان , و التبرع بالدم لجرحى غزة واحد من المهمات المفروغ منها أمام كبر عدد المصابين .

إن تمثل أخلاق المقاومين قادة و أفرادا يعطي الجواب الشافي لمن تسول له نفسه في التطاول على أمثال هؤلاء الشرفاء مهما أخذ من أسباب القوة في قطع الأقدام و إطلاق الرصاص على الغزاويين , ويحدد بالتالي من نحن على مثلهم ومن هو على مثله .

إن المقاومات العربية بشعوبها من العراق إلى لبنان إلى غزة تعمل لتأسيس غد عربي مشرق في جدلية قل نظيرها , و التي يبدو واحدا من أهم وجوهها ذلك التداخل بين من أعار الله جمجمته و من أعار المقاوم قلمه , و ما بعد غزة فاتحة العزة للعرب دون أدنى ريب .