سلطة عباس والنهج الرغالي

سلطة عباس والنهج الرغالي

أحمد الفلو /فلسطين

[email protected]

لقد أثبتت مجازر غزة الأخيرة بما لا يدع مجالاً للشك أن أهم أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية هو إعادة محمود عباس و عصابته إلى غزة و ذلك بإحدى نتيجتين تم التخطيط للوصول إليهما بدقة متناهية الأولى منهما أن يستغرق الهجوم على غزة بضع ساعات أو على الأكثر بضعة أيام تستسلم بعدها المقاومة وتنهزم تحت وطأة القصف و حمم القنابل و مع ما يرافقها من حصار يفرضه النظام المصري , فتخرج الجماهير في غزة بمظاهرات لتطالب حماس بالرحيل عن قطاع غزة و بعدها تنهار الحكومة الشرعية برئاسة اسماعيل هنية فيتسنى لميليشيات دحلان التي تتأهب للانقضاض على غزة بعد أن نقلتهم طائرات العال الإسرائيلية من رام الله إلى القاهرة ثُم تكفلت الأجهزة الأمنية المصرية بتمريرهم وإسكانهم في العريش كي يكونوا على مقربة من قطاع غزة .

إن هذه هي الفرصة الأخيرة التي منحها الجنرال دايتون لصبِّيه الفاشل دحلان كي يثبت جدارته بالمناصب الأمنية التي يتوقع تعيينه فيها , وبعد أن أنجز ربيب دايتون وزير الداخلية عبد الرزاق اليحيى دوره في التنسيق والتدريب لشرطة دايتون اللحدية بموجب صفقة تقاضى خلالها ملايين الدولارات متناسياً المجزرة التاريخية التي ارتكبها الصهاينة في قريته الطنطورة و التي كان هو شخصياً أحد شهودها , أما محمود عباس و أزلامه فيدخل من خلال المعابر الإسرائيلية, أما النتيجة الثانية فهي رضوخ حماس و قبولها بوقف النار تحت الشروط الإسرائيلية بعد تصفية قياداتها بالقصف أو اعتقالهم أو معرفة أماكن تواجدهم من خلال قيام عناصر فتح المتواجدين في غزة بأعمال التجسس على حركة حماس وإرسال التقارير للجيش الإسرائيلي مباشرة .

إن توقيت تلك الحملة العسكرية الإسرائيلية جاء متزامناً مع اقتراب موعد انتهاء الفترة الرئاسية لمحمود عباس في 9/1/2009 بينما تنص بنود الدستور الفلسطيني على تولّي رئيس المجلس التشريعي مهام الرئيس في حال انتهاء ولايته لأي سبب ريثما يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة وفي هذه الحالة فإن رئيس المجلس و نائبه هما من حركة حماس , وبذلك تؤول الرئاسة و رئاسة الوزراء و المجلس التشريعي كلها إلى حركة حماس, و هذا ما تعتبره الولايات المتحدة وإسرائيل من الأمور التي لا يمكن السماح بحصولها على أرض الواقع حتى لو أدّى ذلك إلى إبادة الشعب الفلسطيني بكامله , أما محمود عباس وبعد أن أصبح رحيله عن الرئاسة مصلحة وطنية فلسطينية بل ضرورة وطنية فلسطينية فإنه ومن وراءه ما يقارب خمسون ألفاً من المرتزقة والميليشيات والفتحاويون الذين يمارسون مهنة فتحاوي متفرغ كل هذا يضغط بقوة باتجاه استمرار محاولاتهم للسيطرة وبأي ثمن على مواقع السلطة و إلا فإنهم في حال مغادرتهم السلطة لن يجدوا مصدراً للاسترزاق منه و لا خزائن ينهبونها ولا مقاولات يأكلون منها المال الحرام .

و بعد كل ما عاناه ويعانيه الشعب الفلسطيني خلال أكثر من أربعين عام مضت من ظلم المجتمع الدولي له والجور الذي تعرَّض له على أيدي الصهاينة, فإن هذا الشعب المجاهد الصابر لم يحالفه التوفيق بقيادة تحرص على مصالحه و تسهر على قضاياه طوال تلك الفترة, نظراً لانشغاله بقوت يومه والبحث عن لقمة العيش من جهة أو متابعة المسيرة التعليمية لأبنائه, مما أدى إلى تسلل اللصوص والجهلة وتسنُّمهم مراكز التحكم والمال في الوقت الذي تم حرمان المتعلمين وأصحاب الضمير والنزيهين من تبوُّء أي مكانة مهمة في مؤسسات منظمة التحرير إلاّ ما ندر لاستكمال (المكياج) فقط, وقد وجدت معظم تلك القيادات الفتحاوية الفرصة لجني ما يمكن جنيه من أموال و مصالح من خلف ظهور الشعب وعلى حسابه, وكانت ومازالت عقلية التاجر المقاول هي التي تتحكم بقيادات السلطة وفتح والمجالس المختلفة وهؤلاء جميعاً لا يهمهم من القضية الفلسطينية سوى الاستفادة منها إما بالراتب الشهري أو بالانتفاع, وبالتالي فإنهم على استعداد كامل أن يتحالفوا مع إسرائيل أو حتى مع جزر الواق واق فقط من أجل البقاء والاستمرار في مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير .

طالما سخر محمود عباس من صواريخ المقاومة و وصفها بالمفرقعات العبثية وطالب ميليشياته بقتل مطلقي هذه الصواريخ و ردد الفتحاويون من خلفه تلك المقولات الفارغة ولم يسأل أحدهم نفسه عن عبثية المفاوضات العلنية منها والسرية مع الإسرائيليين المستمرة منذ السبعينيات والتي تم خلالها التفريط بكل مقوِّمات القضية الفلسطينية وأنزل قضيتنا إلى سوق النخاسة السياسية وأصبحت اجتماعات الفتحاويين مع إسرائيل غاية بحد ذاتها من أجل استجداء الإسرائيليين لترسية مناقصة على شركة يملكها أبناء أبو مازن أو صفقة تجارية لصالح قريع أو الحصول على تصريح تنقل لأبنائهم, بينما نرى الآن بأم أعيننا كيف يعيش سكان مدن بكاملها يبلغ تعدادهم سبعمائة ألف صهيوني في الملاجيء خوفاً ورعباً من نزول صواريخ المقاومة فوق رؤوسهم, ولم يفسر لنا الفتحاويون معنى قمع المظاهرات الاحتجاجية على مجازر غزة ولا معنى حملة الاعتقالات لكوادر  حركة حماس في الضفة المتزامنة مع الحرب الشرسة التي تخوضها المقاومة في غزة, وبالطبع فإننا نعرف تفسير ذلك وهو منع حصول انتفاضة ثالثة في غزة تحرق السلطة و رموزها .  

لم تعد حركة فتح حركة تحرر وطني ولم تعد تجسد طموحات الفلسطينيين بل هي شركة لتوظيف المواقف السياسية لتحقيق المصالح المالية للقائمين عليها, وحتى الذين يقال عنهم شرفاء فتح فإن شعارهم فتح أولاً وثانيا وثالثاً ...و فلسطين أخيراً, لقد باتت المقاومة واقعاً راسخاً ولا يمكن لعباس عن طريق تظاهره الزائف بالحرص على دماء الأطفال في غزة أن  يفاوض أي جهة بشأن غزة أولاً لأنه سوف يستنفذ فترته الرئاسية بعد بضعة أيام و ثانياً لأن الكلمة الفصل هي للمقاومة التي تواجه العدو .