يا أهل غزة.. أنجدونا
يا أطفال غزة قد هوت هاماتنا فارفعوها..
ويا نساء غزة قد ماتت رجولتنا فأحيوه
نبيل شبيب
يا أهلنا في غزة.. يا أيها الرجال المقاومون المقاتلون الصابرون، يا من تصنعون
المعجزات في عصر أنتم فيه الندرة النادرة، وأنتم فيه أجنة تعيد الحياة للجهاد بعد
وأده، والإباء بعد اهترائه، والصمود بعد صدئه.. تحررون أمّة ترملت وثكلت وتيتمت، في
سجنها الكبير الكبير، الممتد امتدادا شاسعا ما بين الآفاق، المتمدد كالجسد الميت
وراء قضبان العبودية، وتحرسها هررة منتفشة تزأر، وطواغيت صغيرة تزمجر، عاجزون حتى
عن أن يذرفوا على أنفسهم من أعينهم عبرة.. بعد جفاف دموع التماسيح، أو أن يرفعوا
فوق أعناقهم هامة.. بعد أن اضمحلت منهم أجساد النُصب والتماثيل والطراطير..
يا أهلنا في غزة.. يا أيها الأطفال العمالقة المطلون بهاماتهم العالية الصغيرة على
حضيض التخاذل والهوان والضعف والعجز والاستخذاء من حولكم في كل مكان، وكأن القذائف
المجرمة التي تمزق صدوركم، تنزل على رؤوسنا وبيوتنا وأجسادنا نحن، وليست قذائف
نرصدها عن بعد.. وهو تخطف نور الحياة من أبصاركم ونبضة القلب في أجسادكم وأمل
المستقبل في أفئدة ذويكم..
يا أطفال غزة.. أذوب والملايين أمثالي حياء وكمدا.. أمام مشاهد أجسادكم على شاشة
التلفاز قد جمّدها القتل فتكاً بها بعد برد الشتاء الذي صنعناه حولها.. ثم لا أملك
إلا أن أحاول منع أحفادي من رؤية الأجساد الصغيرة كأجسادهم، خشية من نظراتهم
الصغيرة تقذفني بالحمم، سائلة عما شاركتُ في صنعه من نكباتٍ وكوارث.. تكتوون
بجحيمها، ومن مآس ومجازر.. تغرقون في دمائها، ومن عار بعد عار بعد عار.. في زمن
أعماه بريق الأوسمة والنياشين عن رؤية إنسانية الإنسان.. وشغلته جوائز إبداع مغرور
بالغار بعد الغار بعد الغار.. على رؤوس يلوّثها الوحل والطين فتثير الغثيان.
يا أهلنا في غزة.. يا أيتها الخنساوات المعاصرات اللواتي يكتبن التاريخ نورا ونسوّد
صفحاته نواحا، ويصنعن المجد ألما فنعتصر الدمع عليكن.. عن بعد.. عسى الدموع تشارك
الدماء فيما تخطه من مجد جديد.. في جبين "أسرة بشرية".. و"أخوّة عربية وإسلامية"..
خلعت رداء المروءة والشهامة والإباء واكتفت برؤيتكن تحت القصف من وراء معابر مسدودة
وأنفاق مهدمة ووجوه مسودة، ورؤوس لم تعد رؤوسا، لأقزام يترفّع المجد عنهم وأمثالهم
فيلوي وجهه بعيدا كيلا يرى قاماتهم المنحنية خوفا وألسنتهم الملتوية زيفا وقلوبهم
المتحجرة ذعرا..
يا خنساوات غزة.. أكاد أحرق كلمات الرجولة والبطولة حرقا.. على وقع استغاثات فتيات
في عمر الزهور يصرخن أمام كل لاقطة صوت وآلة تصوير: أين أنتم ياعرب؟.. أين أنتم
يامسلمون؟.. أين أنتم يا رجال الأمة؟.. أين أنتم؟.. ثم لا أملك وأمثالي في أمة
المليار إلا محاولة إلهاء زوجي عن سماع أصواتكن ونداءاتكن.. وأن أتمنى لو انشقت
الأرض فما تركت على وجهها غيركن..
ما الذي بقي من قيمة للحياة إن لم نملأها بصرخة تخترق أجواز الفضاء، وتحيي الموات
في كل أرض وكل قلب، وتحيي العزائم والسواعد، وتحرك قوافل التغيير نحو مستقبل كريم،
على طريق تشقونها أنتم بأجساد مقاتليكم وشهدائكم، وعيون أطفالكم ونسائكم..
ما الذي بقي من قيمة للحياة إن لم نكن معكم بصمود وإباء ونصرة وعطاء وبالتسامي فوق
دنيا المرهبات والمرغبات وأراجيف الباطل وبقايا الاستخذاء في غثاء يلفظه السيل
وتأباه الأرض والسماء..
أنتم.. أنتم من إذا نزلت النوازل، فقد لا تدفن بفضلكم أمثالنا في باطن الأرض..
أنتم من تطوون صفحات التاريخ على كل ما زرعناه فيه من مذلة، لتدمغوا وجوهنا غصبا عن
تخاذلنا، ببصمة العزة من أرض غزة..
أنتم يا أهل غزة أنفاس حية من أنفاس بدر وحطين وعين جالوت، أنتم من صنف المؤمن الذي
يرى بنور الله، ويسمع بنور الله، ويضرب بيد الله، ويجاهد فينشر نور الله.. فامسحوا
دياجير الظلمة الممتدة ما بين المشرقين، وأنجدونا.. أغيثونا.. فما أحوج أمثالنا
إليكم، لنكون من الأحياء.. لنعيش من جديد، ولنتعلم أن إنسانية الإنسان لا تنشطر إلا
لتندثر.. فإما أن نكون وإياكم على طريق صناعة الإنسان من جديد.. أو أن نمضي بعيدا
عنكم.. فننخذل وتنتصروا، ونموت وتحيوا..
سلام عليكم.. سلام عليكم.. يا أهل العزة.. سلام من طلاب العزة.. وهيهات هيهات أن
تكون من دونكم -إن صدقنا الطلب والسعي لها- هيهات أن تكون إلا من عزة الله ورسوله
والمؤمنين.