إيران وحماس... والمغالطات السياسية
إيران وحماس... والمغالطات السياسية!!
د. ياسر سعد
[email protected]
المآسي والأزمات العربية كثيرة ومتتالية
والعجز العربي الرسمي في غالبيتها فاضح ومخجل، غير
أن محرقة غزة تميزت عما سبقها بجرأة غريبة من أطراف عربية على الإصرار على التخندق
مع إسرائيل، وذلك من خلال تشديد الحصار على المحاصرين وتشويه سمعة المقاومين بتسويق
مغالطات سياسية تستند إلى دعاوي وأوهام لا تقوى على المناقشة والمناظرة.
فقد كثر الكلام عن قرار حماس المصادر وعن إيران التي تستخدمها كواحدة من أوراقها
الإقليمية، وبالرغم من دعم طهران وحلفائها الصوتي للمقاومة، فلا أظنها تسر بانتقال
راية المقاومة الشعبية من حزب الله الملتزم بولاية فقيه إلى حماس، خصوصا وأن اندماج
حزب الله في اللعبة السياسية محليا وإقليميا سمح لكثيرين من مخالفيه بالتشكيك في
مقاصد شعاراته ومراميها. كما إن مواقف إيران تشتكي من ازدواجية صارخة فهي تحارب
الشيطان الأكبر حينا وتنسق معه أحيانا أخرى كما حصل في أفغانستان والعراق، ويهدد
رئيسها أحمدي نجادي بمحو إسرائيل من الخريطة، ثم يتحدث نائبه
اسفنديار مشائي
عن الصداقة بين الشعبين
الإيراني والإسرائيلي. ومع محنة غزة جرى أمر مشابه، فقد ذكرت وكالة الأنباء
الإيرانية أن صحيفة كاركزاران المقربة من رفسنجاني أُغلقت لنشرها مقالا يتعاطف مع
إسرائيل. وقال محمد برويزي المسؤول بوزارة الثقافة أن سبب إغلاق الصحيفة مقالا يبرر
جرائم النظام الصهيوني في غزة، ويشير إلى أن بعض مؤيدي الفلسطينيين "جماعة
إرهابية"، وأن الفلسطينيين الذين يحتمون برياض الأطفال والمستشفيات "يتسببون في
تعرض مدنيين وأطفال للقصف والقتل".
الإعلان الإيراني عن إغلاق الصحيفة يهدف بتقديري لإرسال رسالة للغرب ولأوباما
تحديدا تقول بأن في إيران تيارات ووجهات نظر متباينة يمكن التفاهم معها. فقد أعلن
نجادي الصاخب منذ أسابيع ومن خلال صحيفة أمريكية عن استعداده للاعتراف بإسرائيل،
كما حذر وزير خارجية إيران الغرب من التحاور مع حركة طالبان "الإرهابية"، وها هي
صحيفة محسوبة على تيار سياسي مهم تعلن عن تنديدها بالإرهاب الفلسطيني لتشاطر اولمرت
وباراك وليفني رؤيتهم ومنطقهم.
في المواقف الإيرانية تنبيه للدول العربية والي تخشى تمدد نفوذ طهران في المنطقة
تقول بأن مواجهة النفوذ الإيراني لا تكون بمحاصرة حماس بل بدعمها والوقوف معها
لتتشكل في المنطقة جبهة ممانعة حقيقة، لا تحمي الفلسطينيين وحدهم بل والدولة
العربية من الاستعلاء الصهيوني وتحمي ثرواتها من الابتزاز الغربي تحت مسميات
مختلفة.
من جهة أخرى نصح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، العرب بتفادي استخدام لغة
غير متوازنة،
تكتفي بتوجيه اللوم إلى إسرائيل حول هجمات غزة، إذا كانوا يريدون من مجلس الأمن أن
يتخذ إجراء لإنهاء العنف. وقال أبو الغيط، يجب أن نظهر بعض المرونة، معتبرا أن
مشروع القرار العربي والذي عرض على المجلس كان يجب أن يشمل أيضا طلب وقف الصواريخ
الفلسطينية.
نصيحة أبو الغيط ليست في محلها، وهي تتناغم مع الحجج الواهية في مسألة إغلاق معبر
رفح. المسألة ليست مسألة مرونة أو تنازلات بقدر ما هي اختلال لموازيين القوى –بفضل
السياسات الفاشلة للدول العربية الكبرى- وافتقار المجتمع الدولي للمبادئ الأخلاقية.
فمجلس الأمن لم ينصف العرب ولو مرة واحدة ومنذ ستة عقود من الاحتلال والإجرام
الصهيوني، قبل صواريخ حماس بل وقبل تأسيس الحركة ذاتها.
محرقة غزة أحرقت الكثير من الحجب وعرت العديد من المواقف، وصمود أهلها الأسطوري
يعيد
جذريا
تشكيل المشهد السياسي العربي.