مخرج لعباس

صلاح حميدة

[email protected]

قرأت مقالاً على صحيفة القدس المقدسية في عدد الثلاثاء 30/12/2008م بعنوان( مخرج لحماس)، ويطالب فيه الكاتب حركة حماس بالتنازل عن السلطة لمحمود عباس لتوحيد الشعب الفلسطيني تحت راية واحدة، راية محمود عباس بعد رفض ما أسماه بالمجتمع الدولي لها،ويشبه الحالة بين حركة حماس ومحمود عباس كالحالة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ويطالب حركة حماس بالتنازل عن السلطة لمحمود عباس، كما تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان، وما أطلق عليه في ذلك الوقت (عام الجماعة).   

للوهلة الأولى يظهر الكاتب بمظهر الحريص على حماس وعلى وحدة الأرض والشعب الفلسطيني، وكأن الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية هي الضفة وغزة فقط، يلي ذلك طلبه بأن تأخذ حماس ضمانات سياسية وأمنية من محمود عباس، ونسي أن المطروح على حماس في كل الحوار والحراك السياسي السابق للعدوان،هو تسليم رقبتها لمقصلة من رأينا بعضاً من أفعالهم على برنامج الجزيرة قبل أيام.

ثم يتحدث الكاتب، ويقول لحماس ، بما أنها طلبت الخير والحق و لم تدركه، ويعيب عليها وعلى قادتها(إدمانهم لطلب الحق وإخطاءه)؟ ويطلب منهم تسليم مفاتيح الحل والعقد في الشأن الفلسطيني، لمن (طلب الباطل فأدركه )؟! غريب جداً أمر هذا الكاتب! يعيب على حركة حماس وقادتها إدمانهم طلب الحق بالرغم من وقوف كل كفار الارض ومنافقيها حائلاً بينها وبينه، ويطالبها بتسليم رقاب العباد والبلاد لمن تمرغ في الباطل؟!.

لا بد من التذكير أن هذا الكاتب عقد مقارنة خاطئة من البداية، ووصل نتيجة ذلك الى استنتاجات خاطئة في النهاية، فحركة حماس ليست الحسن بن علي-مع أنها تحمل لواء الاسلام-، ومحمود عباس ليس معاوية بن سفيان ولن يكون، فشتان بين محمود عباس ومعاوية بن أبي سفيان، إبن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكاتب الوحي.

فمعاوية بن أبي سفيان رفض عرضاً من ملك الروم  لمساعدته في حربه ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأرسل له بأنه سيتحد مع ابن عمه ويقاتلانه معاً، ومعاوية هذا مؤسس الدولة الأموية التي فتحت الدنيا وبنت الحضارة الاسلامية،وفتحت البلاد من  أقصى الأرض الى أقصاها، الدولة التي بنت المسجد الاقصى وقبة الصخرة، معاوية هذا هو الذي غزا وقاتل أعداء الاسلام في البر و البحر بعد أن كان البحر حكراً لأعداء الاسلام، معاوية هذا، أقام حكماً وراثياً بدل الخلافة الراشدة، وبالرغم من الخلاف التاريخي حول هذا الموضوع، فمن المسلم به أن معاوية هذا ومن تبعه لم يكونوا في أي يوم من الأيام حلفاء لأعداء الأمة ولم يحالفهم ضد أبناء أمته وأبناء شعبه، لم يذكر عن معاوية أنه حقر جيش المسلمين، ولم يبرر عدوان الاعداء على أبناء أمته وشعبه،ولم يأخذ سلاحاً منهم لمحاربة أبناء أمته، ولم يأت بمستشارين عسكريين وأمنيين ليدربوا جيشه كيف يقتل ويعتقل إخوانه، ولم يساهم في حصار أمته، لذلك من المعيب ومن الإجحاف مقارنة هذا الخليفة الفذ مع محمود عباس .

إختلف معاوية مع علي  على الحكم الجبري والوراثي،ولم يختلفا على نصرة الاسلام ونشره وتوسيع رقعة دولته،وقتال أعدائه، بينما خلاف حماس مع محمود عباس أعمق بكثير،فمحمود عباس يعتبر أن حكم الاسلام ظلامية، وهو يرفض إعطاء حماس حقها في تنفيذ برنامجها على الأساس الذي انتخبت عليه، ويتحالف في سبيل ذلك مع أعداء الأمة من أقصاها إلى أقصاها، بدعوى الواقعية السياسية، ومحاربة الظلامية، فأي رئيس هذا الذي ثبت بعد تصريحات رأس النفاق في القاهرة أنه لا يريد فتح معبر رفح لنجدة شعبه، وهو يعلم أن فتح المعبر منوط بقرار منه؟أي رئيس يبرر عدوان وجرائم الاحتلال على شعبه ويحقر المقاومة؟ ويطلب من شعبه الاستسلام لرغيف الخبز والراتب والارادة الامريكية الاسرائيلية؟.

فالقاعدة التي تحكم الخلاف بين حماس وعباس، هي قاعدة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام  :-

( لا تجتمع أمتي على ضلالة)

فأي ضلالة أكبر من  أن تتنازل حركة حماس عن أغلب أرض فلسطين؟ وأي ضلالة أكبر من الاعتراف بإسرائيل؟وأي ضلالة أكبر من الاعتراف بحق إسرائيل في منع اللاجئين من العودة الى أرضهم؟ وأي ضلالة أكبر من الاستسلام التام لعدو الأمة مقابل رغيف الخبز؟ وأي ضلالة أكبر من ان تسلم حماس مفاتيح غزة لمن رأت هي مخازيهم وجرائمهم بأم عينها في مقراتهم التي هربوا منها؟ أي ضلالة أكبر من تنازل حماس لمفاتيح الحل والعقد، لمن تعلم أنهم سيصفون القضية الفلسطينية؟ أي ضلالة أكبر من أن تسلم حماس رقاب المقاومين لذباحيها؟فهؤلاء ليسوا ولن يكونوا مثل معاوية.

هذه هي قاعدة الحق والباطل اللذان لا يجتمعان أبداً، القاعدة التي تقول بكل وضوح :-

(أن نفترق على الحق، أفضل من أن نجتمع على الباطل)

قاعدة عام الجماعة فقط تنطبق بشكل جزئي على الواقع الفلسطيني في حال واحد، وهو أن يعلن عباس فشله، واعتذاره للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والاسلامية، عن تحقيره للمقاومة مما دفع أعداء الشعب الفلسطيني لارتكاب مجازرهم بحقها، عليه أن يعتذر عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، عليه أن يعتذر عن تبريره للمجازر في غزة، عليه أن يعتذر عن تحالفه مع نظام العمالة والنفاق في القاهرة، عليه أن يعتذر عن اعتقاله للمقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية، عليه أن يعتذر عن توقيعه على اتفاقية أوسلو المشؤومة،عليه أن يعتذر عن جره الشعب الفلسطيني الى مفاوضات عبثية لا طائل منها حولت المقاومين الى متسولي راتب، ولا حقاً لجلادين لرفقاء سلاحهم،عليه أن يعتذر ويغادر كرسي الرئاسة في التاسع من شهر كانون ثاني، ويعلن للشعب الفلسطيني أن الحل بالمقاومة وليس بالاستسلام.

بهذا فقط يتحقق عام الجماعة الفلسطيني، فالزمن الذي يتولى فيه من يحكم العرب والمسلمين،يجب أن  يأتي عبر الارادة الأمريكية والأوروبية والاسرائيلية إنتهى إلى غير رجعة، ومن أراد قيادة الأمة، عليه أن يطلب الحق ويدركه، وإن سعى كل أعداء الأمة ومنافقيها لحجبه عنه، ولن يكون بيننا من يطلب الباطل ويدركه، ولن يسلم الشعب الفلسطيني الراية لمن طلب الباطل وأدركه.