الصمت على الحصار حصار
الصمت على الحصار حصار!
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
لو
أن مسئولاً عربياً عاش بضعة أيام في غزة ، وأكل من دقيق أو علف الحيوانات بعد أن
يخبزه في أفران القش والخشب البدائية ، وعجز عن أن ينتقل من مكان إلى مكان بسبب
نفاد وقود السيارات ، وبات ليله في ظلمة دامسة بسبب فقدان الكهرباء ، وطاب الدواء
الضروري فلم يجده ؛ لما سكت عن الحصار الهمجي المتوحش الذي يفرضه الغزاة النازيون
اليهود على أهل غزة وسكانها ،منذ عام وبعض عام ، ويشاركهم فيه بالتواطؤ أو الموافقة
بعض المسئولين العرب .
لقد
وصلت الوقاحة بالغزاة النازيين اليهود إلى الحد الذي رفضوا فيه السماح بدخول بعض
السفن أو القوافل التي تحمل دعماً رمزياً لسكان القطاع ، ومنعوا السفينة الليبية ،
وسفينة أهل فلسطين 1948 ، من الوصول إلى السكان الجوعى والأفراد المرضى والشعب
البائس !
أما
مصر الكبيرة ، فقد أصرت على منع حملات كسر الحصار التي قام بها ناشطون مصريون ، بل
رفضت تنفيذ حكم القضاء في توصيل المعونات إلى شعب غزة ، وتمادت في القبض على بعض
الأفراد المشاركين في حملات كسر الحصار ، وكأنهم ارتكبوا جريمة تعادل أو تفوق
المبيدات المسرطنة ، والدم الملوث ، وعبارت الغرق ، وأتوبيسات الموت ونهب الأموال
العامة .
والمضحك أن القوم أعلنوا عن القبض على تنظيم يتكون من ثلاثة أفراد يمثّل خليّة
مصرية من خلايا دعم حماس ، وشعب غزة . ولا أعلم مدى تأثير هؤلاء الأشخاص أو قدراتهم
في تحريك الأحداث ، وصنع مشكلات للدولة المصرية الكبيرة ! وبعدئذ نسمع من يتساءل
ببراءة شديدة ؛ عن سرّ عدم ثقة الناس فيما يقوله المسئولون ، وما يعلنونه !
إن
الحصار المزدوج لغزة نشأ بسبب الإسلام . فالإسلام مستهدف في السياسة الأمريكية
الاستعمارية خاصة ، وسياسة الغرب الاستعمارية عامة . بل إن الجيوش الغربية
الاستعمارية لم تخرج من بلاد العرب والمسلمين ، إلا يوم ضمنت أن الغزاة المحليين
سيحاربون الإسلام بصورة أفضل وأكثر نجاعة . وإذا كان المستعمرون الحمر قد أخلوا
أماكنهم للمستعمرين السمر ، فقد اطمأنوا تماماً أنهم سيوفرون كثيراً من الجهد
والمال في مقاومة الإسلام واستئصاله ، وهو ما حدث بالفعل حيث صار الإسلام محاصرا
وملاحقاً ومطارداً في كل مكان ، مع رميه بالظلامية والرجعية والجمود والتخلف ،
وربطه بالعنف والدم والإرهاب وقتل الأبرياء !
وحين انتخب الشعب الفلسطيني منظمة حماس عام 2006 في الانتخابات التشريعية بنسبة
ساحقة ، في شفافية شهد بها العالم أجمع ، فإن الغزاة النازيين اليهود وسادتهم في
الغرب الاستعماري أصرّوا على سحق حماس التي تتبنى الإسلام ، وقتل روح المقاومة
الإسلامية ، ليضمن الغاصبون أن الشعب الفلسطيني لن يطالبهم بحقوقه ، ولن يكافح من
أجل استقلاله وحريته وكرامته .
لقد
تنكر الغرب لما ينعق به صباحاً ومساء عن الديمقراطية والحرية ، ورفض صناديق
الانتخابات حين جاءت بحماس الإسلامية ، ولو أنها جاءت بحزب دحلان مثلاً ، لشجعها
وأغدق عليها ، ونفخ فيه من روحه ، لسبب بسيط جداً ، وهو أن دحلان سيحقق مطالب
الصهاينة والصليبيين جميعاً ، سيطارد الإسلام ، ويستأصل المقاومة ، ويتنازل عن
القدس وثلث الضفة واللاجئين والمياه ، ويهيئ الناس للتبعية المطلقة لثقافة العدو
وإرادته ومشيئته ..
على
العكس مما تمثله " حماس " من تبنى الإسلام تصوّراً ومنهجاً وسلوكاً وجهاداً ، وهو
ما يعنى عملياً التمسك بفلسطين السليبة وحقوق الفلسطينيين ، دون تنازل أو استسلام ،
أي طرد العدو من الأرض المقدسة ، واستعادة حريتها وكرامتها واستقلالها .
"
حماس " إذاً خشبة في زور الكيان الغاصب والقيادات العربية التي تكره الإسلام أو
تحاربه أو تؤثر الإسلام الأمريكاني ولذا كان الحصار ، والصمت على الحصار ، منهجاً
يتبناه خصوم الإسلام ولو أبيد شعب فلسطين في غزة عن آخره ، ولك أن تفسر على ضوء ذلك
الهجمة الصحفية المسعورة التي تشنها أبواق بعض الأنظمة العربية ضد ( حماس ) ،
وتصويرها على أنها أشد خطراً من الاستعمار النازي اليهودي والاستعمار الصليبي
الغربي ، في حين أنهم يعلمون أن الغزاة لا يوفرون أحداً من ( أصدقائهم ! ) .
نسى
هؤلاء وأولاء أن الشعوب العربية لن تبيع الإسلام ، مهما ارتفع سقف العذاب ، واشتد
وقع الألم . والدليل على ذلك أن المظاهرات التي تنادت إليها بعض القوى الحية خرجت
من بعض البقاع العربية يوم الجمعة 19/12/2008م ، وهتفت ضد الحصار ، ورفعت شعار :
السكوت على الحصار حصار . وكان ذلك حافزاً لقوى عديدة أن تعدّ لمظاهرات جديدة تدعم
الشعب الفلسطيني المحاصر ، وتعبّر عن تضامنها مع المقاومة ضد العدوان النازي
اليهودي .
وقد
حاولت مصر الكبيرة أن تقدم تفسيراً من خلال وزارة الخارجية لموقفها الغريب في إغلاق
معبر رفح بأن القطاع أرض محتلة ، وأن العدو الغاصب يتحمل مسئولية الاحتلال في توفير
لوازم الحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني في غزة ، وأن المعبر يعد منطقة احتلال تتحمل
مسئوليتها قوة الاحتلال ، وأنها ملتزمة باتفاق دولي تجاهه .
وهذا تفسير يحتاج إلى منطق يجعله مقبولاً ، ولا يسوّغ منع حملات كسر الحصار ولا
القبض على بعض أفرادها ، ولا إغلاق معبر رفح .. فلو افترضنا أن القطاع مسئولية
الاحتلال كما يقول القانون الدولي ، وهو صحيح ، إلا إن العدو النازي اليهودي ضرب
بهذه المسئولية عرض الحائط ، فقد هرب مع جنوده ومغتصبيه من المغتصبات بعد أن اصطلى
بلهيب المقاومة الباسلة ، ورأى أن خسائره أكبر من البقاء في القطاع المحتل ، ولكنه
من ناحية أخرى تصرف بوحشية إجرامية وأغلق منافذ القطاع من ناحيته وحرم السكان من
الماء والطعام والوقود والدواء والعلاج ، فهل تظل مصر الكبيرة ملتزمة بإغلاق المعبر
الوحيد الذي تسيطر عليه ؟ ثم إن رئيس الدولة قال ذات يوم غير بعيد : إنه لن يسمح
بتجويع الشعب الفلسطيني ، فلماذا تتناقض سياسة الخارجية مع سياسة الرئيس ؟ ولماذا
تشارك الخارجية في التجويع والإبادة البطيئة ؟ ولماذا تلتزم مصر الكبيرة بتصدير
الغاز والبترول والحديد والأسمنت وغيره إلى الغزاة النازيين اليهود ، وهم لا
يلتزمون بواجبهم في حماية الشعب المحتل ؟
وكان من الغريب أن يتفق التوجه المصري الذي عبر عنه من وصل إلى كرسيه النيابي
بالتزوير العلني الفاضح قائلا : إن مصر لن تسمح بوجود إمارة إسلامية على حدودها ،
مع موقف المجرمة اليهودية " تسيبي ليفني " التي تعهدت بسحق حماس وتطهير غزة منها ..
ونتساءل هل مصر دولة إسلامية أو صليبية ؟ وما رأي صاحب المقعد النيابي المسروق في
الإمارة اليهودية على أرض فلسطين التي لا تخجل من الإعلان عن نفسها ليل نهار وتقهر
العرب والمسلمين ؟
إن
الحصار جريمة حرب وإبادة غير مشروعة ، ولا تجوز محاصرة غزة لأن غزة تعتنق الإسلام
وتؤمن أن الجهاد دفاعاً عن الدين والوطن واجب شرعي يجب الالتزام به وعدم إهماله تحت
أي ظرف من الظروف ..
من
المؤسف أن تحمل الأنباء موافقة بعض القيادات العربية على خطط العدو النازي اليهودي
لتصفية زعماء حماس والقضاء عليها ، واجتياح القطاع في حملة ضخمة مدججة بالقاذفات
والدبابات والمدفعية والموافقة على استباحة دماء المدنيين الأبرياء من أجل التخلص
من طرف لا تستريح إليه بقية الأطراف !! ترى هل يدرك القوم خطورة موقفهم ؟ لا أدرى !