الغضب العربي والحذاء العراقي

د. ياسر سعد

[email protected]

الترحيب الشعبي الكبير والذي طغى في العالم العربي برشق منتظر الزيدي حذائه في وجه جورج بوش، والذي انعكس من خلال المنتديات والمداخلات والقصائد ومزادات شراء الحذاء، يحمل مدلولات كبيرة يجب على الساسة العرب أخذها في عين الاعتبار. ففعلة الصحفي وبشكل منعزل مرفوضة ومدانة، فلا أحد يرغب بأن يرى مثقف يرمي كائنا من كان بحذائه وعلى الملأ، غير أن مشاعر الكراهية للسياسية الأمريكية والشعور بالظلم والإذلال جعل من ذلك التصرف، بعيون الكثيرين، شجاعة نادرة وممن قام به بطلا مغوارا.

وليس احتلال العراق وتدميره فقط هو ما يؤجج المشاعر العربية والإسلامية تجاه بوش وإدارته خصوصا والغرب بشكل عام، بل تشكل القضية الفلسطينية وازدواجية التعامل معها والصمت على تجاوزات إسرائيل وانتهاكاتها مصدرا رئيسيا للشعور بالظلم والغبن ولمشاعر فياضة بالسخط والغضب.

فهناك احتلالا لأراض فلسطينية مما يزيد على أربعة عقود، وبحسب القانون الدولي، وملايين اللاجئين مما أخرجوا من دورهم وديارهم ظلما وعدوانا، وانتهاكات إسرائيلية متواصلة من خلال الاستيطان وبناء الجدار واعتقالات ومصادرة للأراضي وممارسة التعذيب واغتيال النشطاء. كل ذلك يتم التعامل معه دوليا وأمريكيا باستخفاف وفوقية.

أخر الصرعات الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية كانت قرار لمجلس الأمن يكرر فيه دعمه اللفظي لعملية السلام. القرار الجديد أيد المبادئ المتفق عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين "حول عملية المفاوضات الثنائية وجهودهما المشتركة لتحقيق هدفهم بعقد اتفاقية سلام تحل كل القضايا المعلقة بما فيها جميع القضايا الرئيسية بدون استثناء".  ودعا القرار جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها والابتعاد عن أي خطوات قد تقوض الثقة أو تؤثر على نتيجة المفاوضات، وحث على تعزيز الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاعتراف المتبادل والتعايش السلمي بين جميع دول المنطقة في إطار تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، وذلك بالتوازي مع التقدم في المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

قرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على الرغم من كثرتها إلا أنها لا تلزم الاحتلال بشيء، وهي عمليا من غير قيمة حقيقة سوى إبقاء الفلسطينيين والعرب المقتنعين بالسلام، غير المستند على موازيين القوى، متعلقين بحبال الوهم. والقرار يهتم كالعادة بأهداف الدولة العبرية في التطبيع والاختراق أكثر من اهتمامه بمعاناة الفلسطينيين وإنهاء الظلم الواقع عليهم.

المجتمع الدولي عاجز عن وقف الاستيطان وإلزام إسرائيل بقرار محكمة العدل الدولية بعدم بشرعية جدار الفصل العنصري، فيما يراقب بلا مبالاة جرائمها بحق قطاع غزة وبمنعها مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ريتشارد فولك من دخولها وطردها له، لمواقفه النزيهة من حصار القطاع. ترى ماذا سيكون الموقف الدولي لو أن السودان طرد مسؤولا أمميا؟ ولماذا يعامل الاحتلال الإسرائيلي بنعومة ودلال بعد هذه العقود الطويلة فيما قوبل الاحتلال العراقي للكويت بالقوة وبتداعيات وتعويضات مازال العراق المحتل يعاني من آثارها؟

إن افتقار المجتمع الدولي للقيم والأخلاق هو ما يجعل, كردة فعل إنساني، من مسألة رمي الحذاء عملا بطوليا. كما إن الظلم الغاشم والمعاناة التي يسببها الاحتلال هي ما يدفع بجموع من الشباب ليحلموا بالموت تفجيرا في أحضان جلاديهم.